(وَتَمْلِكُ الْمَرْأَةُ) الْمُخْتَلِعَةُ (بِهِ نَفْسَهَا) أَيْ بُضْعَهَا الَّذِي اسْتَخْلَصَتْهُ بِالْعِوَضِ (وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا) فِي الْعِدَّةِ لِانْقِطَاعِ سَلْطَنَتِهِ بِالْبَيْنُونَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ تَسَلُّطِهِ عَلَى بُضْعِهَا (إلَّا بِنِكَاحٍ) أَيْ بِعَقْدٍ (جَدِيدٍ) عَلَيْهَا بِأَرْكَانِهِ، وَشُرُوطِهِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهَا فِي مَوْضِعِهِ. وَيَصِحُّ عِوَضُ الْخُلْعِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا دَيْنًا وَعَيْنًا وَمَنْفَعَةً لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] وَلَوْ قَالَ: إنْ أَبْرَأْتِينِي مِنْ صَدَاقِك أَوْ مِنْ دَيْنِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ وَهِيَ جَاهِلَةٌ بِقَدْرِهِ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَمْ يَصِحَّ فَلَمْ يُوجَدْ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ. وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي كَفِّهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْفَاسِدَةِ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ إزَالَةِ الْعَيْنِ، وَوَجْهُ الثَّانِي حَمَلَهُ عَلَى اسْتِصْحَابِهَا مُخَادَعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اهـ. وَقَوْلُهُ: " مَكْرُوهَةٌ " أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الشَّلَبِيِّ الْحَنَفِيِّ مَا نَصُّهُ: سُئِلَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِابْنَةِ عَمِّهِ وَدَخَلَ بِهَا وَأَصَابَهَا ثُمَّ حَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدِهَا تَشَاجُرٌ فَسَأَلَهُ وَالِدُهَا الْمَذْكُورُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً عَلَى بَقِيَّةِ صَدَاقِهَا عَلَيْهِ وَمُنَجَّمِهَا وَعَلَى جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ لَهَا مِنْ الْحُقُوقِ. فَأَجَابَ: سُؤَالَهُ إلَى ذَلِكَ وَطَلَّقَهَا الطَّلْقَةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَ وَالِدِهَا وَزَوْجِهَا تَبَارُؤٌ عَامٌّ مُطْلَقٌ فَهَلْ حَقُّ الزَّوْجَةِ الْمَذْكُورَةِ يَكُونُ لَازِمًا لِأَبِيهَا أَمْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ عَلَى زَوْجِهَا، وَإِذَا غَرِمَ زَوْجُهَا مَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى وَالِدِهَا بَعْدَ الْبَرَاءَةِ الصَّادِرَةِ بَيْنَهُمَا وَالْحَالُ أَنَّ الزَّوْجَةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً لِلطَّلَاقِ وَمَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ؟ جَوَابُهُ لِلشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ الطَّبَلَاوِيِّ الشَّافِعِيِّ: الْبَرَاءَةُ مِنْ الْوَالِدِ دُونَ الزَّوْجَةِ: " لَا تَصِحُّ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي مُقَابَلَتِهَا وَحَقُّ الزَّوْجَةِ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْعِصْمَةِ. وَوَافَقَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَنْبَلِيُّ. وَكَتَبَ سَيِّدِي الْجَدُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مَا صُورَتُهُ: إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً لَا يَنْفُذُ الْخُلْعُ عَلَيْهَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الْمَالِ لَكِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَبُولِ الْأَبِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً تَوَقَّفَ الْخُلْعُ عَلَى قَبُولِهَا.
وَوَجَدْت فِي وَرَقَةٍ بِخَطِّهِ مَا نَصُّهُ فِي رَجُلٍ مُتَزَوِّجٍ بِامْرَأَةٍ، فَسَأَلَهُ وَالِدُهَا بِمَا نَصُّهُ: أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً عَلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ حَالِّ صَدَاقِهَا وَمُؤَجَّلِهِ عَلَيْهِ وَجُمْلَتُهُ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا عَلَى ثَلَاثِ فُصُولٍ كَسَاوٍ مِنْ غَيْرِ إذْنِهَا، فَأَجَابَهُ لِذَلِكَ وَطَلَّقَهَا الطَّلْقَةَ الْمَسْئُولَةَ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْرُوحِ، فَهَلْ وَالْحَالُ مَا ذَكَرَ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ الْإِبْرَاءُ الْمَذْكُورُ وَوَقَعَ الْمَوْقِعَ أَمْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْإِبْرَاءُ مَوْقِعَهُ وَقُلْتُمْ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ يَقَعُ رَجْعِيًّا أَمْ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَمْ لَا؟ أَجَابَ الْجَمَالُ الصَّاغَانِيُّ: يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ، فَإِنْ ضَمِنَ لَهُ بَرَاءَتَهُ مِنْ ذَلِكَ وَالْحَالُ مَا ذَكَرَ وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَبِ. وَكَتَبْت تَحْتَ خَطِّهِ مَا نَصُّهُ: يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَوْ ضَمِنَ الْأَبُ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْمَهْرِ لِلزَّوْجِ وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ شَيْءٌ بِالضَّمَانِ الْمَذْكُورِ اهـ. وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ كَلَامًا يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَحُسِبَ مِنْ الثُّلُثِ زَائِدٌ) ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ إنَّمَا هُوَ بِهِ بِخِلَافِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَأَقَلُّ مِنْهُ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَسَعْهُ أَيْ الزَّائِدُ الثُّلُثَ فُسِخَ الْمُسَمَّى وَرَجَعَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَلَا رَجْعَةَ) مُرَادُهُ اللُّغَوِيَّةُ. قَالَ ق ل: فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ.
قَوْلُهُ: (إلَّا بِنِكَاحٍ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ إنْ أُرِيدَ الرَّجْعَةُ اصْطِلَاحًا، فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مُطْلَقُ الرَّدِّ إلَيْهِ كَانَ مُتَّصِلًا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ عِوَضُ الْخُلْعِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْخُلْعُ جَائِزٌ عَلَى عِوَضٍ بِأَنْ يَقُولَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي كَفِّهَا) أَيِّ شَيْءٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ) فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا، وَإِذَا كَانَ صَحِيحًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ عَالِمًا بِهِ أَوْ جَاهِلًا، وَإِذَا كَانَ فَاسِدًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَعَلِمَ بِهِ الزَّوْجُ بَانَتْ بِهِ أَوْ جَهِلَهُ بَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا إنْ كَانَ فَاسِدًا مَقْصُودًا عَلِمَهُ الزَّوْجُ أَوْ جَهِلَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَعَلِمَ بِهِ الزَّوْجُ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ م ر.
قَوْلُهُ: (وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ) وَإِنْ