الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ ثُمَّ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ» إلَى آخِرِهِ. وَلِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] ، وَإِلَى بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: ٥٢] أَيْ مَعَ اللَّهِ. وقَوْله تَعَالَى: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: ٥٢] فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الْيَدَيْنِ وَجَبَ غَسْلُ مَا بَقِيَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ؛ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» أَوْ قَطَعَ مِنْ مَرْفِقَيْهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَقَطْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ) إلَخْ. وَالْمُرَادُ بِإِسْبَاغِهِ إتْمَامُ غَسْلِهِ. اهـ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى) فِي نُسْخَةٍ إسْقَاطُ ثُمَّ وَهِيَ أَوْلَى فَيَكُونُ بَيَانًا لِقَوْلِهِ فَأَسْبَغَ الْوَضُوءَ. قَوْلُهُ: (حَتَّى أَشْرَعَ) بِمَعْنَى شَرَعَ أَيْ غَسَلَ أَوَّلَ الْعَضُدَيْنِ ق ل.
قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَانْتَهَى فِي قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ إلَى آخِرِهِ وَبَقِيَّتِهِ ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ» اهـ اج. لَعَلَّ الْمُرَادَ بَعْدَ ذِكْرِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَأَيْدِيَكُمْ) الْأَيْدِي جَمْعُ الْيَدِ الَّتِي هِيَ الْجَارِحَةُ، وَالْأَيَادِي جَمْعُ الْيَدِ الَّتِي هِيَ النِّعْمَةُ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدْ أَخْرَجَهُمَا عَوَامُّ الْعُلَمَاءِ بِاللُّغَةِ عَنْ أَصْلِهِمَا، فَاسْتَعْمَلُوا الْأَيَادِيَ فِي جَمْعِ الْيَدِ لِلْجَارِحَةِ، وَتَجِدُ أَكْثَرَ النَّاسِ يَكْتُبُ لِصَاحِبِهِ الْمَمْلُوكُ يُقَبِّلُ الْأَيَادِي الْكَرِيمَةَ أَوْ الْكِرَامَ وَهُوَ لَحْنٌ، وَالصَّوَابُ الْأَيْدِيَ الْكَرِيمَةَ قَالَهُ الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ شَوْبَرِيٌّ، وَفِي الْفَنَارِيِّ عَلَى الْمُطَوَّلِ مَا يُخَالِفُ هَذَا وَنَصُّهُ: وَالْأَيَادِي جَمْعُ الْأَيْدِي وَالْأَيْدِي جَمْعُ الْيَدِ وَهِيَ الْجَارِحَةُ الْمَخْصُوصَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي النِّعْمَةِ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ الْفَاعِلِيَّةِ أَوْ الصُّورِيَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ وَهُوَ النِّعْمَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهَا الشَّيْخُ فِي الْبَيَانِ وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَمَا قِيلَ إنَّ الْيَدَ بِمَعْنَى الْجَارِحَةِ تُجْمَعُ عَلَى الْأَيْدِي وَبِمَعْنَى النِّعْمَةِ عَلَى الْأَيَادِي يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ أَصْلَ يَدٍ يَدَيَّ وَمَا كَانَ عَلَى وَزْنِ فَعَلَ لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفَاعِلَ.
قَوْلُهُ: (إلَى الْمَرَافِقِ) ذَكَرَ الْمَرَافِقَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالْكَعْبَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ، وَلِكُلِّ يَدٍ مَرْفِقٌ فَصَحَّتْ الْمُقَابَلَةُ، وَلَوْ قِيلَ الْكِعَابُ لَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ لِكُلِّ رِجْلٍ كَعْبٌ وَاحِدٌ، فَذَكَرَ الْكَعْبَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ لِيَتَنَاوَلَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا غَسْلُ يَدٍ وَاحِدَةٍ وَرِجْلٍ وَاحِدَةٍ. قُلْنَا: صَدَّنَا عَنْهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ: بِأَنَّ مَا كَانَ وَاحِدًا وَهُوَ هُنَا الْمَرْفِقُ مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ هُنَا الْيَدُ، فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ. وَلِكُلِّ يَدٍ مَرْفِقٌ وَاحِدٌ، فَلِذَلِكَ جَمْعٌ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] . وَلَمْ يَقُلْ قَلْبَاكُمَا أَيْ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ، وَمَا كَانَ اثْنَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ فَتَثْنِيَتُهُ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ، فَلَمَّا قَالَ إلَى الْكَعْبَيْنِ عُلِمَ أَنَّ لِكُلِّ رِجْلٍ كَعْبَيْنِ، طُوخِيٌّ. وَالْمُرَادُ بِالِاثْنَيْنِ الْكَعْبَانِ وَبِالْوَاحِدِ الرِّجْلُ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَى بِمَعْنَى مَعَ) هَذَا جَوَابٌ اج عَمَّا يُقَالُ الْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى دُخُولِ الْمَرْفِقَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُغَيَّا بِإِلَى لَا يَشْمَلُ الْغَايَةَ. فَأَجَابَ: بِأَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ إلَى بِمَعْنَى مَعَ، وَفِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِجْمَاعُ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ هُنَا فِي الْمُغَيَّا. فَإِنْ قُلْت: مَا وَجْهُ ذِكْرِ الْغَايَةِ فِي الْآيَةِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ دُونَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ حَقِيقَةُ الْيَدِ لُغَةً مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ، وَالرِّجْلُ إلَى آخِرِ السَّاقِ نَصَّ عَلَى مَحَلِّ الْوُجُوبِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْغَسْلُ إلَى الْمَنْكِبِ، وَإِلَى الرُّكْبَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحْدُودٌ لَا يُتَوَهَّمُ دُخُولُ شَيْءٍ فِيهِمَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي الِاسْتِدْلَالِ الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّهُ أَبْيَنُ وَأَنَصُّ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَأَخَّرَ عَنْهُ الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ، وَأَخَّرَ الْآيَةَ لِلِاحْتِيَاجِ فِيهَا إلَى جَعْلِ إلَى بِمَعْنَى مَعَ.
قَوْلُهُ: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: ٥٢] أَيْ مَعَ اللَّهِ أَيْ مَنْ يُعِينُنِي عَلَى نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ. قَوْلُهُ: {إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: ٥٢] أَيْ يَزِدْكُمْ قُوَّةً بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ مَعَ قُوَّتِكُمْ، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي حَقِّ قَوْمِ هُودٍ حَيْثُ قَالَ لَهُمْ: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود: ٥٢] إلَخْ. وَكَانُوا قَحَطُوا الْمَطَرَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَأَعْقَمَتْ نِسَاؤُهُمْ ثَلَاثِينَ سَنَةً. قَوْلُهُ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ» أَيْ مَأْمُورٍ بِهِ.