للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِقَالَةِ.

(وَالْكِنَايَةُ كُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ) وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ الْبَغَوِيِّ فِي تَهْذِيبِهِ هِيَ كُلُّ لَفْظٍ يُنْبِئُ عَنْ الْفُرْقَةِ وَإِنْ دَقَّ وَلَا قَوْلَ الرَّافِعِيِّ هِيَ مَا احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ فَصَاعِدًا وَهِيَ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي أَظْهَرُ لِرُجُوعِ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ. (وَتَفْتَقِرُ) فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَا (إلَى النِّيَّةِ) إجْمَاعًا، إذْ اللَّفْظُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ تُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا، وَأَلْفَاظُهَا كَثِيرَةٌ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِقَوْلِهِ: (مِثْلُ أَنْتِ خَلِيَّةٌ) أَيْ خَالِيَةٌ مِنِّي وَكَذَا يُقَدَّرُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِيمَا بَعْدَهُ (وَ) أَنْتِ (بَتَّةٌ) بِمُثَنَّاةٍ قَبْلَ آخِرِهِ أَيْ مَقْطُوعَةُ الْوَصْلَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَتِّ وَهُوَ الْقَطْعُ.

تَنْبِيهٌ: تَنْكِيرُ أَلْبَتَّةَ جَوَّزَهُ الْفَرَّاءُ وَالْأَصَحُّ وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُعَرَّفًا بِاللَّامِ. (وَ) أَنْتِ (بَائِنٌ) مِنْ الْبَيْنِ وَهُوَ الْفِرَاقُ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ بَائِنٌ هُوَ اللُّغَةُ الْفُصْحَى وَالْقَلِيلُ بَائِنَةٌ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

تَوَقُّفِهَا عَلَى شَيْءٍ آخَرَ، بِخِلَافِ صِيغَتَيْ الْبَيْعِ وَالْإِقَالَةِ فَإِنَّهُمَا غَيْرُ مُسْتَقِلَّيْنِ بِالْمَقْصُودِ لِتَوَقُّفِهِمَا عَلَى الْقَبُولِ. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الشَّخْصُ إذَا أَضَافَهُ إلَى اللَّهِ كَانَ صَرِيحًا وَكُلَّ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الشَّخْصُ إذَا أَضَافَهُ إلَى اللَّهِ كَانَ كِنَايَةً؛ وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِقَوْلِهِ:

مَا فِيهِ الِاسْتِقْلَالُ بِالْإِنْشَاءِ ... وَكَانَ مُسْنَدًا لِذِي الْآلَاءِ

فَهُوَ صَرِيحٌ ضِدُّهُ كِنَايَهْ ... فَكُنْ لِذَا الضَّابِطِ ذَا دِرَايَهْ

قَوْلُهُ: (وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ الْبَغَوِيِّ) أَيْ فِي تَعْرِيفِ الْكِنَايَةِ.

قَوْلُهُ: (يُنْبِئُ عَنْ الْفُرْقَةِ) أَيْ إنْبَاءً غَيْرَ ظَاهِرٍ وَغَيْرَ قَوِيٍّ، وَإِلَّا فَالصَّرِيحُ يُنْبِئُ عَنْ الْفُرْقَةِ لَكِنَّ دَلَالَةَ ظَاهِرِهِ قَوِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ دَقَّ) أَيْ وَإِنْ خَفِيَ مَعْنَاهُ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي أَظْهَرُ) وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الطَّلَاقِ.

قَوْلُهُ: (وَيُفْتَقَرُ إلَخْ) صَنِيعُ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَلَوْ حَذَفَ " فِي " مِنْ قَوْلِهِ " فِي وُقُوعِ " وَجَعَلَ " يُفْتَقَرُ " مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ كَانَ أَوْلَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (خَلِيَّةٌ) بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ مِنْ الزَّوْجِ وَهُوَ خَالٍ مِنْهَا فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، أَيْ خَالِيَةٌ؛ وَالْأَصْلُ فِي الْخَلِيَّةِ النَّاقَةُ تُطْلَقُ مِنْ عِقَالِهَا وَيُخَلَّى عَنْهَا.

مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ تَكُونِي طَالِقًا هَلْ تَطْلُقُ أَمْ لَا لِاحْتِمَالِ هَذَا اللَّفْظِ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ؟ وَهَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ؟ إنْ قُلْتُمْ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي الْحَالِ فَمَتَى يَقَعُ أَبِمُضِيِّ لَحْظَةٍ أَمْ لَا يَقَعُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُبْهَمٌ؟ الْجَوَابُ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كِنَايَةٌ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ طَلُقَتْ أَوْ التَّعْلِيقَ احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ وَعْدٌ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر. فَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الْأَمْرَ عَلَى حَذْفِ اللَّامِ أَيْ لِتَكُونِي فَهُوَ إنْشَاءٌ فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ بِلَا شَكٍّ سم. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ كُونِي طَالِقًا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ " الظَّاهِرُ إلَخْ " مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ضِمْنِ تَعْلِيقٍ كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَكُونِي طَالِقًا، وَإِلَّا وَقَعَ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (يُقَدَّرُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ) أَيْ جِنْسُهُ لَا شَخْصُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي قَوْلِهِ وَأَنْتِ حَرَامٌ يُقَدَّرُ عَلَيَّ لَا مِنِّي كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، أَيْ فَيُقَدَّرُ فِي كُلِّ مَحَلٍّ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ: عَنِّي أَوْ عَلَيَّ أَوْ الْبَاءِ أَوْ الْمَفْعُولِ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ الَّتِي يَجِبُ تَعْرِيفُهَا مَا كَانَتْ بِمَعْنَى قَطْعًا أَوْ لَا مَحَالَةَ أَوْ لَا بُدَّ فَرَاجِعْهُ ق ل. وَهِيَ هُنَا بِمَعْنَى مَقْطُوعَةِ الْوَصْلَةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ، وَعِبَارَةُ الصِّحَاحِ: لَا أَفْعَلُهُ بَتَّةً وَلَا أَفْعَلُهُ أَلْبَتَّةَ لِكُلِّ أَمْرٍ لَا رَجْعَةَ فِيهِ وَنَصَبَهُ عَلَى الْمَصْدَرِ اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ انْدِفَاعُ اعْتِرَاضِ ق ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: تَنْكِيرُهَا لُغَةً اهـ. قَالَ ع ش عَلَيْهِ: قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَنْ الْعَرَبِ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ اهـ.

قَوْلُهُ: (بَائِنٌ) وَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بَيْنُونَةً لَا تَحِلِّينَ بَعْدَهَا. اهـ. ق ل.

<<  <  ج: ص:  >  >>