الْقِسْمِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: وَالْبِدْعَةُ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى مَدْخُولٍ بِهَا فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحْبَلُ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ، وَإِنْ سَأَلَتْهُ طَلَاقًا بِلَا عِوَضٍ أَوْ اخْتَلَعَهَا أَجْنَبِيٌّ وَذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] وَزَمَنُ الْحَيْضِ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ تَضَرُّرُهَا بِطُولِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ وَلِأَدَائِهِ إلَى النَّدَمِ فِيمَنْ تَحْبَلُ إذَا ظَهَرَ حَمْلُهَا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُطَلِّقُ الْحَائِلَ دُونَ الْحَامِلِ وَعِنْدَ النَّدَمِ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ فَيَتَضَرَّرُ هُوَ وَالْوَلَدُ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِيقَاعِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ فَلَا يَحْرُمُ فِي الْحَيْضِ لَكِنْ إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي الطُّهْرِ سُمِّيَ سُنِّيًّا وَإِنْ وُجِدَتْ فِي الْحَيْضِ سُمِّيَ بِدْعِيًّا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبِدْعِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَا إثْمَ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ كَمَا قَالَهُ فِي الزَّوَائِدِ. نَعَمْ إنْ أَوْقَعَ الصِّفَةَ فِي الْحَيْضِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِإِيقَاعِهِ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ عَنْ الْعِلَّةِ قَبْلَهُ وَلَمْ يَقُلْ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسَاوِيًا لِلْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِ إذْ يَدْخُلُ فِي الْآيَةِ الْقِسْمُ الَّذِي لَيْسَ فِي طَلَاقِهِنَّ سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ، وَتَخْرُجُ عَنْهُ الْمُخْتَلِعَةُ إذَا طَلُقَتْ فِي الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ بِالطَّلَاقِ، فَمَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْ الْآيَةِ الْحُكْمُ فِي بَعْضٍ قَالَ: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى إلَخْ.
قَوْلُهُ: (أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ إلَخْ) أَيْ وَفِي وَقْتٍ لَا يُؤَدِّي الطَّلَاقُ فِيهِ إلَى النَّدَمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا بِدُونِهِ تَصْدُقُ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَ فِيهِ مَعَ أَنَّ هَذَا حَرَامٌ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: أَيْ وَقْتُهَا وَهُوَ الطُّهْرُ، فَإِنَّ اللَّامَ فِي الْأَزْمَانِ وَمَا يُشْبِهُهَا لِلتَّأْقِيتِ، وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ بِالْأَطْهَارِ وَأَنَّ طَلَاقَ الْمُعْتَدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الطُّهْرِ وَأَنَّهُ يَحْرُمُ فِي الْحَيْضِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ أَيْ الضِّدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، كَيْفَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» . فَإِنْ قُلْتَ: إنَّ الْأَمْرَ لِلْمُخَاطَبِ بِالْأَمْرِ لِغَيْرِهِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا لَهُ. قُلْت: مَحِلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُخَاطَبِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَقَدْ يُقَالُ أَمْرُ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ «فَلْيُرَاجِعْهَا» .
قَوْلُهُ: (وَالْبِدْعَةُ) أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَمْ بَائِنًا. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُوقِعَ قَيْدٌ يُخْرِجُ التَّعْلِيقَ، وَالطَّلَاقُ قَدْ يُخْرِجُ الْفَسْخَ وَالْحَيْضَ، وَالطُّهْرُ الْمَوْصُوفُ بِالْجِمَاعِ فِيهِ قَيْدٌ يُخْرِجُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ فَهُوَ سُنِّيٌّ، وَكُلُّهُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ؛ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي ثَالِثِ التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ الْحُكْمِ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ بِأَنَّهُ بِدْعِيٌّ سَبْعُ صُوَرٍ لَا يَكُونُ فِيهَا بِدْعِيًّا. اهـ. م د. قَوْلُ: (مَدْخُولٍ بِهَا) أَيْ لَيْسَتْ بِحَامِلٍ إلَى آخِرِ مَا سَبَقَ، فَفِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءٌ، أَيْ وَلَيْسَتْ مُخْتَلِعَةً أَيْ وَعِوَضُ الْخُلْعِ مِنْ مَالِهَا. وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ الْقُيُودَ السَّابِقَةَ هُنَا أَيْضًا أَوْ يَذْكُرَهَا فِي الْقِسْمِ وَيَسْتَغْنِي عَنْ ذِكْرِهَا فِي كُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ، فَكَانَ يَقُولُ عَقِبَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَهُنَّ ذَوَاتُ الْحَيْضِ الْمَدْخُولُ بِهِنَّ الْغَيْرُ الْآيِسَاتُ إلَخْ؛ عَلَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فِي قَوْلِهِ: وَضَرْبٌ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فِي الْحَيْضِ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ لَا فِي آخِرِهِ وَإِلَّا كَانَ سُنِّيًّا.
قَوْلُهُ: (أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ) وَهَذَا الطُّهْرُ يُحْسَبُ لَهَا مِنْ الْعِدَّةِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ الطَّلَاقُ فِيهِ لِأَدَائِهِ إلَى النَّدَمِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فَلَيْسَ كُلَّمَا اسْتَعْقَبَ الطَّلَاقُ الْعِدَّةَ تَنْتَفِي عَنْهُ الْحُرْمَةُ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ مِمَّنْ تَحْبَلُ) قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَقَطْ، فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحْبَلُ لِكَوْنِهَا صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً وَجَامَعَهَا فِي طُهْرٍ طَلَّقَهَا فِيهِ لَمْ يَكُنْ سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ سَبَبُ كَوْنِهِ بِدْعِيًّا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَدَارَ كَوْنِهِ بِدْعِيًّا عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا تَأَخُّرِ الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ عَنْ الطَّلَاقِ أَوْ النَّدَمِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ وَإِنْ شَرَعَتْ فِي الْعِدَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلِأَدَائِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِمُخَالَفَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَزَمَنُ الْحَيْضِ) مِنْ تَمَامِ الْعِلَّةِ.
قَوْلُهُ: (قَدْ لَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ) لِكَوْنِهِ اسْتَوْفَى عَدَدَ الطَّلَاقِ، أَوْ لِعَدَمِ الرِّضَا بِهِ، أَيْ بِالتَّدَارُكِ، أَيْ عَدَمِ الرِّضَا مِنْهَا بِرَدِّهَا لَهُ بِنِكَاحٍ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرَى.
قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute