للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ غَسَلَ بَشَرَةَ الْوَجْهِ وَتَرَكَ الشَّعْرَ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يُجْزِهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُسَمَّى الرَّأْسِ عُرْفًا إذْ الرَّأْسُ اسْمٌ لِمَا رَأَسَ وَعَلَا وَالْوَجْهُ مَا تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ وَهِيَ تَقَعُ عَلَى الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ مَعًا. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا اُكْتُفِيَ بِالْمَسْحِ عَلَى النَّازِلِ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ كَمَا اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ لِلتَّقْصِيرِ فِي النُّسُكِ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَاسِحَ عَلَيْهِ غَيْرُ مَاسِحٍ عَلَى الرَّأْسِ، وَالْمَأْمُورُ بِهِ فِي التَّقْصِيرِ إمَّا هُوَ شَعْرُ الرَّأْسِ وَهُوَ صَادِقٌ بِالنَّازِلِ، وَيَكْفِي غَسْلُ بَعْضِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ بِلَا مَدٍّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ وُصُولِ الْبَلَلِ إلَيْهِ، وَلَوْ قَطَرَ الْمَاءُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ تَعَرَّضَ لِلْمَطَرِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمَسْحَ أَجْزَأَهُ لِمَا مَرَّ وَيُجْزِئُ مَسْحٌ بِبَرَدٍ وَثَلْجٍ لَا يَذُوبَانِ لِمَا ذُكِرَ، وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ مَسْحِهِ لَمْ يُعِدْ الْمَسْحَ لِمَا مَرَّ فِي قَطْعِ الْيَدِ.

(وَ) الْخَامِسُ مِنْ الْفُرُوضِ (غَسْلُ) جَمِيعِ (الرِّجْلَيْنِ) بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ (مَعَ الْكَعْبَيْنِ) مِنْ كُلِّ رِجْلٍ أَوْ قَدْرِهِمَا إنْ فُقِدَ كَمَا مَرَّ فِي الْمَرْفِقَيْنِ وَهُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ فَفِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَانِ، لِمَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَرَأَيْت الرَّجُلَ مِنَّا يَلْصَقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦] قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِالنَّصْبِ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْوُجُوهِ لَفْظًا فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ: لَوْ غَسَلَ إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ اُكْتُفِيَ فِيهِ بِمَسْحِ الشَّعْرِ أَوْ الْبَشَرَةِ، وَاشْتُرِطَ فِي غَيْرِهِ الْغَسْلُ شَعْرًا وَبَشَرًا. قَوْلُهُ (رَأَسَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. وَقَوْلُهُ: (وَعَلَا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ قِيلَ هَلَّا اُكْتُفِيَ) . هَذَا وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ بَعْضَ شَعْرٍ فِي حَدٍّ.

قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي غَسْلُ بَعْضِ الرَّأْسِ) أَشَارَ بِقَوْلِهِ يَكْفِي الْمُسَاوِي لِلْجَوَازِ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ إلَى نَفْيِ كُلٍّ مِنْ اسْتِحْبَابِهِ وَكَرَاهَتِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ أَيْ: مِنْ حَيْثُ زِيَادَتُهُ عَلَى وَاجِبِ الْمَسْحِ، وَأَحَدُ مَاصَدَقَاتِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى حُصُولِ الْبَلَلِ الْمُحَصِّلِ لِلْمَقْصُودِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ) صَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَسْحِ فِيهِ، إذْ لَيْسَ الْمَسْحُ جُزْءًا مِنْ الْغَسْلِ ق ل. وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَسْحِ هُوَ وُصُولُ الْبَلَلِ.

قَوْلُهُ: (إذْ لَيْسَ الْمَسْحُ إلَخْ) أَيْ بَلْ هُوَ ضِدُّ الْغَسْلِ فَكَيْفَ يُحَصِّلُهُ مَعَ زِيَادَةٍ؟ . وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ أَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِمَقْصُودِ الْمَسْحِ مِنْ وُصُولِ الْبَلَلِ لِلرَّأْسِ، لَا أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ مَسْحٌ وَغَسْلٌ. اهـ. أَيْ فَهُوَ مُبَاحٌ حَصَلَ فِي ضِمْنِهِ ذَلِكَ الْوَاجِبُ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْمَسْحِ غَيْرُ حَقِيقَةِ الْغَسْلِ، إذْ هُوَ السَّيَلَانُ دُونَ الْمَسْحِ. وَبِهِ يُلْغَزُ وَيُقَالُ لَنَا مُبَاحٌ قَامَ مَقَامَ الْوَاجِبِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَطَرَ) بِتَخْفِيفِ الطَّاءِ يُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا كَمَا هُنَا وَلَازِمًا م د.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ.

قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) مِنْ حُصُولِ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ وُصُولُ الْبَلَلِ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لَا يَذُوبَانِ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا رُطُوبَةٌ. قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الْيَدَيْنِ تَعْلِيلٌ حَتَّى يُحِيلَ عَلَيْهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَمَا مَرَّ بِالْكَافِ أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ تَوَضَّأَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ إلَخْ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ.

قَوْلُهُ: (بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ) أَشَارَ بِذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلَى الشِّيعَةِ الْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي مَسْحُ الرِّجْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ اسْتِدْلَالًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ عَلَى قِرَاءَةِ الْجَرِّ، فَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنُّصُوصِ وَلِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَارَ إلَى هَذَا ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ.

قَوْلُهُ: (مَعَ الْكَعْبَيْنِ) وَلَوْ كَانَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمَا الْمُعْتَادِ. قَوْلُهُ: (مَفْصِلِ) عِبَارَةُ الْمُخْتَارِ الْمَفْصِلُ بِوَزْنِ الْمَجْلِسِ وَاحِدُ مَفَاصِلِ الْأَعْضَاءِ وَالْمِفْصَلُ بِوَزْنِ الْمِبْضَعِ اللِّسَانُ. اهـ بِحُرُوفِهِ ع ش.

وَالسَّاقُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ مَا بَيْنَ الْقَدَمِ وَالرُّكْبَةِ وَيُؤَنَّثُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُجْمَعُ عَلَى أَسْوُقٍ وَسِيقَانٍ وَسُوقٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَوْقِهَا لِلْجَسَدِ. اهـ. بَرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (لِمَا رَوَى إلَخْ) دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِ الْكَعْبَيْنِ هُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ الْكَعْبُ هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ لِمَا رَوَى إلَخْ دَلِيلًا لِقَوْلِهِ: فَفِي كُلٍّ كَعْبَانِ حَتَّى يُرَدَّ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّلِيلَ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِلْصَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبَارِزِ الْمُرْتَفِعِ، فَالْإِلْصَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ جِهَةٍ، وَأَمَّا الْجِهَةُ الْأُخْرَى فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْإِلْصَاقُ. قَوْلُهُ: (لَفْظًا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ وَمَعْنًى أَيْضًا كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>