للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَّلِ وَمَعْنًى فِي الثَّانِي لِجَرِّهِ عَلَى الْجِوَارِ، وَدَلَّ عَلَى دُخُولِ الْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ مَا دَلَّ عَلَى دُخُولِ الْمَرْفِقَيْنِ فِيهِ وَقَدْ مَرَّ.

تَنْبِيهٌ: مَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ هُنَا مِنْ أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَرْضٌ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى غَيْرِ لَابِسِ الْخُفِّ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْغَسْلُ، وَالْمَسْحُ بَدَلٌ عَنْهُ، وَيَجِبُ إزَالَةُ مَا فِي شُقُوقِ الرِّجْلَيْنِ مِنْ عَيْنٍ كَشَمْعٍ وَحِنَّاءٍ. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: إنْ لَمْ يَصِلْ إلَى اللَّحْمِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي اللَّحْمِ غَوْرٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَلَا أَثَرَ لِدُهْنٍ ذَائِبٍ وَلَوْنِ نَحْوِ حِنَّاءٍ، وَيَجِبُ إزَالَةُ مَا تَحْتَ الْأَظْفَارِ مِنْ وَسَخٍ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ، وَلَوْ قُطِعَ بَعْضُ الْقَدَمِ وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي، وَإِنْ قُطِعَ فَوْقَ الْكَعْبِ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ وَيُسَنُّ غَسْلُ الْبَاقِي كَمَا مَرَّ فِي الْيَدِ.

(وَ) السَّادِسُ مِنْ الْفُرُوضِ (التَّرْتِيبُ) (عَلَى) حُكْمِ (مَا ذَكَرْنَاهُ) مِنْ الْبُدَاءَةِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ مَسْحِ الرَّأْسِ ثُمَّ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيِّنِ لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مَمْسُوحًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

هُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: وَمَعْنًى فِي الثَّانِي أَيْ وَلَفْظًا أَيْضًا مَرْحُومِيٌّ؛ لِأَنَّ جَرَّهُ لِلْجِوَارِ أَيْ بِفَتْحَةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى آخِرِهِ مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا اشْتِغَالُ الْمَحَلِّ بِحَرَكَةِ الْجِوَارِ، فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ الِاحْتِبَاكُ وَهُوَ أَنْ يُحْذَفَ مِنْ كُلِّ مَا أُثْبِتَ نَظِيرُهُ فِي الْآخَرِ.

وَالْمُرَادُ بِالْمَعْنَى وُجُوبُ الْغَسْلِ عَلَى كَلَامِ الْمَرْحُومِيِّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِالْمَعْنَى التَّقْدِيرُ؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلُ اللَّفْظِ، وَلَا يَكُونُ فِي كَلَامِهِ احْتِبَاكٌ لَا بِعَطْفِهِ لَفْظًا عَلَى الرُّءُوسِ بَلْ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْوُجُوهِ، وَإِلَّا لَكَانَ مَعْطُوفًا مَعْنًى أَيْضًا عَلَى الرُّءُوسِ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُشْرَكُ فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى، بَلْ تُشْرَكُ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْفَتْحَةُ ظَاهِرَةً فِي الْأَوَّلِ مُقَدَّرَةً فِي الثَّانِي غَايَرُوا بَيْنَهُمَا. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ: وَيَجُوزُ عَطْفُ قِرَاءَةِ الْجَرِّ عَلَى الرُّءُوسِ، وَيُحْمَلُ النَّسْخُ عَلَى مَسْحِ الْخُفِّ أَوْ عَلَى الْغَسْلِ الْخَفِيفِ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ مَسْحًا، وَعَبَّرَ بِهِ فِي الْأَرْجُلِ طَلَبًا لِلِاقْتِصَادِ أَيْ التَّوَسُّطِ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْإِسْرَافِ لِغَسْلِهَا بِالصَّبِّ عَلَيْهَا، وَتُجْعَلُ الْبَاءُ الْمُقَدَّرَةُ عَلَى هَذَا لِلْإِلْصَاقِ لَا لِلتَّبْعِيضِ، وَالْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الظَّاهِرَةِ فِي إيجَابِ الْغَسْلِ اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (لِجَرِّهِ عَلَى الْجِوَارِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ اهـ. مُخْتَارٌ. وَحَرَكَةُ الْجِوَارِ لَيْسَتْ إعْرَابِيَّةً فَتَكُونُ حَرَكَةُ الْإِعْرَابِ وَهِيَ الْفَتْحَةُ مُقَدَّرَةً عَلَى قِرَاءَةِ الْجَرِّ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْجَرُّ فِي الْآيَةِ عَلَى الْجِوَارِ بِنَاءً عَلَى مَا شَرَطَهُ هَذَا الزَّاعِمُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ نَحْوُ: هَذَا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، وَهُنَا بِعَاطِفٍ وَالْمُقَرَّرُ فِي الْعَرَبِيَّةِ خِلَافُ زَعْمِهِ.

قَوْلُهُ: (مَا دَلَّ إلَخْ) وَهُوَ أَنَّ إلَى بِمَعْنَى مَعَ، أَوْ بَاقِيَةٌ عَلَى مَعْنَاهَا، وَدَلَّ عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ الِاتِّبَاعُ وَالْإِجْمَاعُ اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (كَشَمْعٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا. قَوْلُهُ: (وَحِنَّاءٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَبِالْمَدِّ وَالصَّرْفِ، وَمِثْلُ مَا ذُكِرَ الْحِبْرُ وَالنِّيلَةُ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ اللَّوْنِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كُلَّ مَا مَنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ بِلَا عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ضَرَّ، وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ: (الْجُوَيْنِيُّ) مَنْسُوبُ إلَى جُوَيْنٍ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْعَجَمِ وَهُوَ أَبُو إمَامِ الْحَرَمَيْنِ.

قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَصِلْ) أَيْ مَا فِي الشُّقُوقِ إلَى اللَّحْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَحَلَّ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ فَلَا يَضُرُّ مَا وَصَلَ إلَيْهِ اهـ. م د. وَعِبَارَةُ ع ش أَيْ حَيْثُ كَانَ فِيمَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الشِّقِّ وَهُوَ ظَاهِرُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَلَ إلَى اللَّحْمِ بِبَاطِنِ الْجُرْحِ فَلَا يَجِبُ إزَالَتُهُ وَلَوْ كَانَ يُرَى. وَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّوْكَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَيَتَوَسَّعُ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَيُحْمَلُ) أَيْ كَلَامُ الْجُوَيْنِيِّ أَيْ مَا فُهِمَ مِنْهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِزَالَةُ إنْ وَصَلَ إلَى اللَّحْمِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى حُكْمِ) أَيْ طِبْقِ.

قَوْلُهُ: «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» أَيْ الشَّامِلُ لِلْوُضُوءِ، وَإِنْ وَرَدَ فِي الْحَجِّ، إذْ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ وَكِلَاهُمَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ. قَوْلُهُ: (بِعُمُومِ اللَّفْظِ) وَهُوَ مَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ فَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ: تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، وَلَا يُعَارِضُهَا قَاعِدَةُ: وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>