للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَ مَغْسُولَاتٍ، وَتَفْرِيقُ الْمُتَجَانِسِ لَا تَرْتَكِبُهُ الْعَرَبُ إلَّا لِفَائِدَةٍ وَهِيَ هُنَا وُجُوبُ التَّرْتِيبِ لَا نَدْبُهُ بِقَرِينَةِ الْأَمْرِ فِي الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ الْآيَةَ بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ الْوَاجِبِ، فَلَوْ اسْتَعَانَ بِأَرْبَعَةٍ غَسَلُوا أَعْضَاءَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَنَوَى حَصَلَ لَهُ غَسْلُ الْوَجْهِ فَقَطْ، وَلَوْ اغْتَسَلَ مُحْدِثٌ حَدَثًا أَصْغَرَ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ نَحْوِهِ وَلَوْ مُتَعَمِّدًا أَوْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ غَالِطًا صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ قَدْرَ التَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي لِرَفْعِ أَعْلَى الْحَدَثَيْنِ فَلِلْأَصْغَرِ أَوْلَى، وَلِتَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ فِي لَحَظَاتٍ لَطِيفَةٍ، وَلَوْ أَحْدَثَ، وَأَجْنَبَ أَجْزَأَهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى الْقَوْلِيَّةِ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ، وَقَرَّرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَا نَصُّهُ: فِيهِ أَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْبُدَاءَةِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ. وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فِيمَا بَعْدَهُ فَلَمْ يُسْتَفَدْ مِنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِعَدَمِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَخْذًا مِنْ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَتَّبُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ ابْدَءُوا عَلَى الِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ كَغَسْلِ الْوَجْهِ وَالْإِضَافِيِّ كَالْيَدَيْنِ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ) الْأَوْلَى بَيَانٌ لِوَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّرْتِيبَ لَا يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ الْمَنْدُوبِ.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ اسْتَعَانَ بِأَرْبَعَةٍ غَسَلُوا أَعْضَاءَهُ) وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَيْثُ نَوَى كَمَا ذُكِرَ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ أَوْ غُصِبَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهَا كَنَذْرٍ، وَحَجَّ اثْنَانِ عَنْهُ فِي سَنَةٍ حَيْثُ قَالُوا بِالْإِجْزَاءِ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ غَيْرُهَا، وَذَلِكَ يَصْدُقُ بِالْمَعِيَّةِ وَلَا كَذَلِكَ الْوُضُوءُ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ فَلَوْ اسْتَعَانَ إلَخْ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: (حَصَلَ لَهُ غَسْلُ الْوَجْهِ فَقَطْ) وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ بِعَكْسِ التَّرْتِيبِ، فَإِنْ أَعَادَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ حَصَلَ لَهُ تَمَامُ الْوُضُوءِ لِحُصُولِ عُضْوٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ اغْتَسَلَ إلَخْ) لَوْ قَالَ انْغَمَسَ أَوْ زَادَ عَلَى قَوْلِهِ اغْتَسَلَ بِالْغَمْسِ لَكَانَ أَوْلَى، وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ: وَلَوْ انْغَمَسَ مُحْدِثٌ أَجْزَأَهُ.

قَالَ الْإِطْفِيحِيُّ: أَفْهَمَ أَنَّ الِانْغِمَاسَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلَا يَكْفِي الِاغْتِسَالُ بِدُونِهِ لَكِنْ أَلْحَقَ الْقَمُولِيُّ مَا لَوْ رَقَدَ تَحْتَ مِيزَابٍ وَانْصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بِأَنْ عَمَّ جَمِيعَ بَدَنِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَارْتَضَاهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ. اهـ. وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ هُنَا حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ اغْتَسَلَ إلَخْ. اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَوْ اغْتَسَلَ وَلَوْ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ.

قَوْلُهُ: (رَفْعِ الْحَدَثِ) أَيْ الْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أُطْلِقَ انْصَرَفَ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهِ) كَالطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ أَوْ الْوُضُوءِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُتَعَمِّدًا) رَاجِعٌ لِلْغُسْلِ أَيْ عَدَلَ عَنْ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ إلَى الْغَسْلِ بِالِانْغِمَاسِ عَمْدًا اج. وَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ لِلنِّيَّةِ فَإِنَّهُ مُقَابِلُ قَوْلِهِ بَعْدَهُ غَالِطًا فَلْيُتَأَمَّلْ. م د. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ، قَوْلُهُ: وَلَوْ مُتَعَمِّدًا أَيْ وَلَوْ كَانَ اغْتِسَالُهُ بِالْغَمْسِ مُتَعَمِّدًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُلَائِمُهُ الْمُقَابَلَةُ بِمَا بَعْدَهُ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ نَحْوِهِ، إذْ لَا يُلَائِمُهُ التَّعْمِيمُ بِالْغَايَةِ الشَّامِلَةِ لِلْغَلَطِ، إذْ لَا يَتَأَتَّى الْغَلَطُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ بِهِ حَدَثًا أَصْغَرَ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ مُتَعَمِّدًا.

قَوْلُهُ: (صَحَّ) وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ عِنْدَ مُمَاسَّةِ الْمَاءِ لِلْوَجْهِ أَوْ قَبْلَهَا وَاسْتَحْضَرَهَا عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، فَلَوْ انْغَمَسَ أَيْ نَزَلَ فِي الْمَاءِ وَنَوَى عِنْدَ نُزُولِ الْمَاءِ إلَى صَدْرِهِ مَثَلًا، ثُمَّ تَمَّمَ الِانْغِمَاسَ وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ النِّيَّةَ عِنْدَ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْوَجْهِ لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَالْمُرَادُ بِالِانْغِمَاسِ النُّزُولُ فِي الْمَاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ثُمَّ تَمَّمَ الِانْغِمَاسَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي فِي الْكَثِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ عِنْدَ مُمَاسَّةِ الْمَاءِ الْوَجْهَ وَخِلَافًا لَهُ فِي الْقَلِيلِ، فَلَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا الْوَجْهُ إذَا انْغَمَسَ فِيهِ عِنْدَهُ اهـ ز ي. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهَا تَصِحُّ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ) غَايَةً لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْمُفَصَّلِ بَيْنَ أَنْ يَمْكُثَ قَدْرَ التَّرْتِيبِ فَيَصِحُّ أَوْ لَا فَلَا. وَهُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْغَمْسِ مُطْلَقًا اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَكْفِي لِرَفْعِ أَعْلَى الْحَدَثَيْنِ) اُعْتُرِضَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا غَسَلَ أَسَافِلَهُ قَبْلَ أَعَالِيهِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ، بَلْ يَحْصُلُ لَهُ الْوَجْهُ فَقَطْ، فَالْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ هِيَ الثَّانِيَةُ اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (فَلِلْأَصْغَرِ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّ قِيَامَ غَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ مَقَامَ غَسْلِ بَعْضِهِ أَقْوَى وَأَحَقُّ بِالِاعْتِبَارِ. ق ل.

قَوْلُهُ: (وَلِتَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ) وَتَقْدِيرُ التَّرْتِيبِ بِمَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ هَذِهِ اللَّحَظَاتِ اللَّطِيفَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ فَرْضِهِ وَتَقْدِيرِهِ فَرْضًا غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ، فَهُوَ اعْتَرَفَ بِانْتِفَاءِ اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّقْدِيرِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ الْحَقِيقِيِّ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الرَّافِعِيَّ يَشْتَرِطُ زَمَنًا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّرْتِيبُ الْحَقِيقِيُّ لَوْ وُجِدَ، وَالنَّوَوِيُّ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ اهـ. ح ل. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ وُضِعَ الْمُتَنَجِّسُ

<<  <  ج: ص:  >  >>