للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَهَرَ لِصَغِيرَةٍ دُونَ ذَلِكَ لَبَنٌ وَارْتَضَعَ بِهِ طِفْلٌ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمٌ وَلَوْ حُلِبَ لَبَنُ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ مَوْتِهَا وَأُوجِرَ لِطِفْلٍ حَرَّمَ لِانْفِصَالِهِ مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ.

ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّضِيعِ بِقَوْلِهِ: (بِشَرْطَيْنِ) وَتَرَكَ ثَالِثًا وَرَابِعًا كَمَا سَتَرَاهُ (أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ دُونَ السَّنَتَيْنِ) لِخَبَرِ: «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ بَلَغَهُمَا وَشَرِبَ بَعْدَهُمَا لَمْ يُحَرِّمْ ارْتِضَاعَهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيُعْتَبَرُ الْحَوْلَانِ بِالْأَهِلَّةِ فَإِنْ انْكَسَرَ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ تَمَّمَ عَدَدَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ. وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ» جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَمَامَ الرَّضَاعَةِ فِي الْحَوْلَيْنِ فَأَفْهَمَ أَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِخِلَافِهِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ حُرْمَةُ الْأَعْضَاءِ فَلَا غُرْمَ فِي قَطْعِهَا وَبِأَنَّ أَحْكَامَ فِعْلِهِ سَقَطَتْ بِالْمَوْتِ، بِدَلِيلِ عَدَمِ الضَّمَانِ لَوْ سَقَطَ عَلَى شَيْءٍ بِخِلَافِ النَّائِمِ، وَبِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ تَخْتَصُّ بِبَدَنِ الْحَيِّ وَلِذَا لَا تَثْبُتُ الْمُصَاهَرَةُ بِوَطْءِ الْمَيِّتَةِ، وَبِأَنَّ وُصُولَهُ إلَى الْمَيِّتِ لَا يُؤَثِّرُ فَكَذَا انْفِصَالُهُ قِيَاسًا لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ اهـ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ لَبَنَ الْحَيَّةِ حَلَالٌ مُحْتَرَمٌ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِإِرْضَاعِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَيِّتَةُ اهـ م ر.

قَوْلُهُ: (دُونَ السَّنَتَيْنِ) أَيْ يَقِينًا قَالَ شَيْخُنَا: ظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ لَوْ قَارَنَتْ الرَّضْعَةُ الْخَامِسَةُ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ فَرَاجِعْهُ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: لِخَبَرِ: «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مُدَّةُ الرَّضَاعِ ثَلَاثُونَ شَهْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ لِأَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ دَاخِلَةٌ فِيهِ، وَأَقَلُّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ اهـ. خَازِنٌ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «فِي سَالِمٍ الَّذِي أَرْضَعَتْهُ زَوْجَةُ مَوْلَاهُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَهُوَ رَجُلٌ لِيَحِلَّ لَهُ نَظَرُهَا بِإِذْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» خَاصٌّ بِهِ أَوْ مَنْسُوخٌ. كَمَا مَالَ إلَيْهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ اهـ. وَحَاصِلُ «قِصَّةِ سَالِمٍ أَنَّهُ كَانَ مَوْلًى لِأَبِي حُذَيْفَةَ وَكَانَ يُكْثِرُ الدُّخُولَ عَلَى زَوْجَةِ سَيِّدِهِ أَبِي حُذَيْفَةَ فَيَقَعُ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا وَهُوَ رَجُلٌ فَشَكَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ لِيَصِيرَ ابْنَهَا فَيَحِلُّ لَهُ نَظَرُهَا وَالدُّخُولُ عَلَيْهَا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ» .

قَالَ ع ش فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى م ر: وَقَدْ تُشْكِلُ قِصَّةُ سَالِمٍ بِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ الْمُجَوِّزَةَ لِلنَّظَرِ إنَّمَا تَحْصُلُ بِتَمَامِ الْخَامِسَةِ فَهِيَ قَبْلَهَا أَجْنَبِيَّةٌ يَحْرُمُ نَظَرُهَا وَمَسُّهَا فَكَيْفَ جَازَ لِسَالِمٍ الِارْتِضَاعُ مِنْهَا الْمُسْتَلْزِمُ عَادَةً اللَّمْسَ وَالنَّظَرَ قَبْلَ تَمَامِ الْخَامِسَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ارْتَضَعَ مِنْهَا مَعَ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ بِحَضْرَةِ مَنْ تَزُولُ الْخَلْوَةُ بِحُضُورِهِ، أَوْ تَكُونَ قَدْ حَلَبَتْ خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي إنَاءٍ وَشَرِبَ مِنْهُ، أَوْ جُوِّزَ لَهُ النَّظَرُ وَلَهَا النَّظَرُ وَالْمَسُّ إلَى تَمَامِ الرَّضَاعِ، خُصُوصِيَّةً لَهُمَا كَمَا خُصَّ بِتَأْثِيرِ هَذَا الرَّضَاعِ اهـ. سم عَلَى حَجّ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَلَغَهُمَا إلَخْ) تَعَارَضَ هَذَا مَعَ كَلَامِ الْمَتْنِ فِيمَا إذَا كَانَ الشُّرْبُ مَعَ تَمَامِ السَّنَتَيْنِ، فَكَلَامُ الْمَتْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّحْرِيمِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنْ بَلَغَهُمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عَشْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَشَرِبَ بَعْدَهُمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْخَامِسَةَ الْمُقَارِنَةَ لِتَمَامِ الْحَوْلَيْنِ تُحَرِّمُ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ انْكَسَرَ إلَخْ) هَلْ الْعِبْرَةُ فِي الِانْكِسَارِ بِمُجَرَّدِ الْتِقَامِ الثَّدْيِ وَبِمَصِّهِ مَثَلًا أَوْ بِوُصُولِ شَيْءٍ مِنْ اللَّبَنِ إلَى الْمَعِدَةِ أَوْ الدِّمَاغِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ الِالْتِقَامُ وَالْمَصُّ مَعَ ابْتِدَاءِ الشَّهْرِ، لَكِنْ لَمْ يَصِلْ اللَّبَنُ إلَى مَا ذُكِرَ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ جُزْءٍ مِنْهُ حَصَلَ الِانْكِسَارُ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانِي لِأَنَّ الْوُصُولَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ إلَى مَا ذُكِرَ لَا غَيْرُ اهـ. سم وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي وَضْعِ الثَّدْيِ فِي فَمِ الطِّفْلِ وَتَأَخُّرِ وُصُولِ اللَّبَنِ إلَى الْجَوْفِ أَوْ الدِّمَاغِ زَمَنًا بَعْدَ انْفِصَالِ جَمِيعِهِ فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِهَذَا الْوَضْعِ أَوْ بِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَى مَا ذُكِرَ اسْتَظْهَرَ سم الْوُصُولَ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي شُرْبِ الطِّفْلِ قَبْلَ تَمَامِ انْفِصَالِهِ مِنْ الْفَرْجِ أَوْ بَعْدَهُ خِلَافًا لِمَا سَبَقَ إلَيْهِ فَهْمُ الشَّيْخِ الْمَدَابِغِيِّ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ الْحَالُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَافْهَمْ إلَخْ) : لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لَا دَلَالَةَ لِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُحَرِّمُ إلَّا إذَا كَانَ الرَّضِيعُ دُونَ الْحَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ.

وَقَالَ طَاوُسٌ: كَانَ لَهُنَّ أَيْ لِأَزْوَاجِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَضَعَاتٌ مَعْلُومَاتٌ وَلِسَائِرِ النِّسَاءِ، أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>