تَنْبِيهٌ: ابْتِدَاءُ الْحَوْلَيْنِ، مِنْ تَمَامِ انْفِصَالِ الرَّضِيعِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ. فَإِنْ ارْتَضَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّهُ لَوْ تَمَّ الْحَوْلَانِ فِي الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ حَرُمَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ، وَغَيْرِهِ عَدَمُ التَّحْرِيمِ. لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ غَيْرُ مُقَدَّرٍ كَمَا قَالُوا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ فِي جَوْفِهِ إلَّا خَمْسُ قَطَرَاتٍ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ قَطْرَةٌ حَرَّمَ.
(وَ) الشَّرْطُ (الثَّانِي أَنْ تُرْضِعُهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ) لِمَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
بَاقِيهِنَّ رَضَعَاتٌ مَعْلُومَاتٌ وَوَرَدَ أَنَّهَا عَشْرُ رَضَعَاتٍ لَهُنَّ وَلِغَيْرِهِنَّ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مُشْبِعَاتٌ وَهَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ طَاوُسٌ وَلَمْ يُتَابِعُوهُ عَلَيْهِ، رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ عَائِشَةَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَكْفِي فِيهِ أَقَلُّ اسْمِ الرَّضَاعِ وَاكْتَفَى بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فَحَرَّمُوا بِرَضْعَةٍ وَاحِدَةٍ تَمَسُّكًا بِإِطْلَاقِ آيَةِ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] قَالَ الْقَاضِي: وَيُجَابُ عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهَا مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْأُمُومَةِ وَالْأُخُوَّةِ مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعِ وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمَا يَحْصُلَانِ بِرَضْعَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «لَا يُحَرِّمُ دُونَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ» وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ وَرَدَ مِثَالًا لِمَا دُونَ الْخَمْسِ وَإِلَّا فَالتَّحْرِيمُ بِالثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا دَاوُد، إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالْمَفْهُومِ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ ضَعِيفٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ عَارَضَهُ مَفْهُومُ حَدِيثِ الْخَمْسِ، فَيَرْجِعُ إلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَ الْمَفْهُومِينَ وَحَدِيثُ الْخَمْسِ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ لَكِنْ فِيهِ اضْطِرَابٌ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ: (مِنْ تَمَامِ انْفِصَالِ الرَّضِيعِ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ نِصْفُهُ مَثَلًا ثُمَّ إنَّهُ ارْتَضَعَ عَلَى ثَدْيِ أُخْرَى وَمَكَثَ مُتَّصِلًا بِأُمِّهِ نَحْوَ يَوْمٍ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْحَوْلَيْنِ وَإِنَّمَا يُحْسَبُ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ انْفِصَالِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ انْفِصَالِ جَمِيعِهِ كَمَا مَشَى عَلَى ذَلِكَ م ر.
قَوْلُهُ: (فِي الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ) بِأَنْ سَبَقَ مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ كَمَا يَقْتَضِيهِ التَّعْبِيرُ بِفِي وَالْمَعْنَى تَمَّ الْحَوْلَانِ فِي أَثْنَاءِ الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَخْ أَيْ فَيَكُونُ الْقَدْرُ الَّذِي حَصَلَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ يُعَدُّ رَضْعَةً لِأَنَّ الرَّضْعَةَ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَتَصْدُقُ بِقَطْرَةٍ حِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرًا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ق ل لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ " فِي " مِنْ قَوْلِهِ فِي الرَّضْعَةِ بِمَعْنَى مَعَ وَأَنَّ التَّمَامَ مُقَارِنٌ لِلْخَامِسَةِ أَيْ لِابْتِدَائِهَا. اهـ. شَيْخُنَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ: يَحْتَمِلُ أَنَّ عَلَى بَابِهَا مِنْ الظَّرْفِيَّةِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ ابْتِدَاءُ الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ وَبَقِيَ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ شَيْءٌ وَتَمَّتْ الرَّضْعَةُ مُقَارِنَةً لِتَمَامِ الْحَوْلَيْنِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ ابْتَدَأَهَا وَهُوَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ، فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَخْ. وَيَكُونُ كَلَامُ الشَّارِحِ ظَاهِرًا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَوْلِ الْمَتْنِ دُونَ الْحَوْلَيْنِ وَقَوْلِ الشَّارِحِ فَإِنْ بَلَغَهُمَا إلَخْ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ فِي بِمَعْنَى مَعَ وَأَنَّ ابْتِدَاءَ الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ مُقَارِنَةٌ لِلْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَقْتُ الرَّضَاعِ لَهُ دُونَ السَّنَتَيْنِ فَكَلَامُ الْمَتْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّحْرِيمِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنْ بَلَغَهُمَا لَمْ يُحَرِّمْ يَقْتَضِي فِي هَذِهِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الرَّضْعَةِ الْخَامِسَةِ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ الْحَوْلَيْنِ فَوَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ عِبَارَةِ الْمَتْنِ وَعِبَارَةِ الشَّارِحِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمَتْنِ أَنْ يَقُولَ: أَنْ لَا يَبْلُغَ الْحَوْلَيْنِ بَدَلَ مَا قَالَهُ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمَذْهَبُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَكَوْنُ هَذَا ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ ظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ فَتَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: حَرَّمَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ كَيْفَ حَرَّمَ الرَّضَاعُ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الَّذِي وَصَلَ مِنْ اللَّبَنِ قَلِيلٌ جِدًّا. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ إلَخْ
قَوْلُهُ: (خَمْسَ رَضَعَاتٍ) أَيْ يَقِينًا انْفِصَالًا وَوُصُولًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ فِيمَا سَيَأْتِي. وَلَوْ حُلِبَ مِنْهَا لَبَنٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ شُكَّ فِي رَضِيعٍ هَلْ رَضَعَ خَمْسًا إلَخْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ التَّحْرِيمِ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ، أَنَّ الْحَوَاسَّ الَّتِي هِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute