وَتَمْرٍ وَخَلٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ١٩] وَلَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ تَكْلِيفُهَا الصَّبْرَ عَلَى الْخُبْزِ وَحْدَهُ إذْ الطَّعَامُ غَالِبًا لَا يَنْسَاغُ إلَّا بِالْأُدْمِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩] الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْخُبْزُ وَالسَّمْنُ وَيَخْتَلِفُ قَدْرُ الْأُدْمِ بِالْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ فَيَجِبُ لَهَا فِي كُلِّ فَصْلٍ مَا يَعْتَادُهُ النَّاسُ مِنْ الْأُدْمِ.
قَالَ الشَّيْخَانِ وَقَدْ تَغْلِبُ الْفَاكِهَةُ فِي أَوْقَاتِهَا فَتَجِبُ وَيُقَدِّرُ الْأُدْمَ عِنْدَ تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ فِيهَا قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ إذْ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَيُفَاوَتُ فِي قَدْرِهِ بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ فَيُنْظَرُ فِي جِنْسِ الْأُدْمِ. وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُدُّ فَيَفْرِضُهُ عَلَى الْمُعْسِرِ وَيُضَاعِفُهُ لِلْمُوسِرِ وَيُوَسِّطُهُ فِيهِمَا لِلْمُتَوَسِّطِ. وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ لَحْمٌ يَلِيقُ بِيَسَارِهِ وَتَوَسُّطِهِ وَإِعْسَارِهِ كَعَادَةِ الْبَلَدِ وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا تَأْكُلُ الْخُبْزَ وَحْدَهُ وَجَبَ لَهَا الْأُدْمُ وَلَا نَظَرَ لِعَادَتِهَا لِأَنَّهُ حَقُّهَا
(وَ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ (الْكِسْوَةِ) لِفَصْلَيْ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] وَلَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ: «وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ» . وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْكِسْوَةُ تَكْفِيهَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَتَخْتَلِفُ كِفَايَتُهَا بِطُولِهَا وَقِصَرِهَا وَسِمَنِهَا وَهُزَالِهَا وَبِاخْتِلَافِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩] أَيْ وَالزَّوْجَةُ مِنْ الْأَهْلِ أَوْ هِيَ الْمُرَادَةُ بِالْأَهْلِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ أَوْسَطِ إلَخْ مَفْرُوضٌ فِي الْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ فِيهَا زَيْتٌ وَلَا سَمْنٌ وَلَا يَكْفِي فِيهَا الْخُبْزُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ لَا مَذْهَبُنَا، كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَقَوْلُهُ: بِأَنَّ هَذَا أَيْ التَّكْفِيرَ بِالْخُبْزِ وَالزَّيْتِ أَوْ السَّمْنِ وَقَوْلُهُ مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ أَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (الْخُبْزِ وَالزَّيْتِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ أَوْسَطِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ عَلَيْهِ وَهَذَا دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ الطَّعَامُ لَا يَنْسَاغُ إلَّا بِالْأُدْمِ وَإِلَّا فَهَذِهِ الْآيَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا فِيمَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ، وَاخْتِلَافُ التَّفْسِيرِ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَمَاكِنِ، فَالتَّفْسِيرَانِ بِحَسَبِ حَالِ النَّاسِ.
قَوْلُهُ: (وَيَخْتَلِفُ قَدْرُ الْأُدْمِ) الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ: قَدْرُ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ م ر، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَصْلِ الْأُدْمِ وَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَيُقَدَّرُ الْأُدْمُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ تَغْلِبُ الْفَاكِهَةُ) لَيْسَ هَذِهِ مِنْ الْأُدْمِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ، أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَكْلِ وَالْأُدْمِ. بَلْ كُلُّ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ يَجِبُ حَتَّى نَحْوُ قَهْوَةٍ وَفِطْرَةٍ، وَكَعْكٍ وَسَمَكٍ فِي أَوْقَاتِهَا وَسَيَأْتِي ق ل. قَالَ: شَيْخُنَا وَهَلْ تَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْأُدْمِ أَوْ زَائِدَةً عَلَيْهِ يُتَّبَعُ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ سِرَاجٍ لَهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ فِي مَحِلٍّ جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَلَهَا إبْدَالُهُ أَيْ السِّرَاجِ بِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (فَتَجِبُ) أَيْ الْفَاكِهَةُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي قَدْرِهَا مَا هُوَ اللَّائِقُ بِأَمْثَالِهِ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهَا إنْ أَغْنَتْهُ عَنْ الْأُدْمِ بِأَنْ كَانَ يَتَأَتَّى عَادَةَ التَّأَدُّمِ بِهَا لَمْ يَجِبْ مَعَهَا مُضَرَّبٌ آخَرُ وَإِلَّا وَجَبَ.
تَنْبِيهٌ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ مَا تَطْلُبُهُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ مَا يُسَمَّى بِالْوَحَمِ مِنْ نَحْوِ مَا يُسَمَّى بِالْمُلُوحَةِ إذَا اُعْتِيدَ ذَلِكَ. وَأَنَّهُ حَيْثُ وَجَبَتْ الْفَاكِهَةُ وَالْقَهْوَةُ وَنَحْوُ مَا يُطْلَبُ عِنْدَ الْوَحَمِ، يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ فَلَوْ فَوَّتَهُ اسْتَقَرَّ لَهَا وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَوْ اعْتَادَتْ نَحْوَ الْأَفْيُونِ بِحَيْثُ تَخْشَى بِتَرْكِهِ مَحْذُورًا مِنْ تَلَفِ نَفْسٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التَّدَاوِي اهـ م ر سم. قَوْلُهُ: (فَيَفْرِضُهُ) أَيْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَدُّ قَوْلُهُ: (وَيُوَسِّطُهُ فِيهِمَا) نُسْخَةٌ بَيْنَهُمَا: أَيْ بَيْنَ الْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ وَهِيَ الصَّوَابُ قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ لَحْمٌ) عَطْفُهُ عَلَى الْأُدْمِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَقَدْ يُطْلَقُ اسْمُ الْأُدْمِ عَلَيْهِ، وَيَلْزَمُهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ نَحْوِ مَاءٍ وَحَطَبٍ وَمَا يُطْبَخُ بِهِ مِنْ نَحْوِ قَرْعٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (الْكِسْوَةُ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَضَمِّهَا قَوْلُهُ: (لِفَصْلَيْ الشِّتَاءِ) : غَلَّبَ فَصْلُ الشِّتَاءِ عَلَى فَصْلِ الرَّبِيعِ وَفَصْلُ الصَّيْفِ عَلَى فَصْلِ الْخَرِيفِ، وَإِلَّا فَالْكِسْوَةُ تَجِبُ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا لِفَصْلِ الشِّتَاءِ وَحْدَهُ وَلَا لِفَصْلِ الصَّيْفِ الْحَقِيقِيَّيْنِ اهـ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} [البقرة: ٢٣٣] وَهُوَ الزَّوْجُ. قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْكِسْوَةُ تَكْفِيهَا) لِأَنَّ لَهُ التَّمَتُّعَ بِجَمِيعِ بَدَنِهَا فَوَجَبَ