للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: ٦] فَالزَّوْجَةُ أَوْلَى وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكَنُ يَلِيقُ بِهَا عَادَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الِانْتِقَالَ مِنْهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَسْكَنِ كَوْنُهُ مِلْكَهُ.

(وَإِنْ كَانَتْ) تِلْكَ الزَّوْجَةُ (مِمَّنْ يُخْدَمُ مِثْلُهَا) بِأَنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُخْدَمُ فِي بَيْتِ أَبِيهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَإِنْ تَهَاوَنَتْ فِي سَبَبِ ذَلِكَ وَتَكَرَّرَ مِنْهَا وَخَالَفَتْ عَادَةَ أَمْثَالِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ كَثُرَ الْوَسَخُ فِي بَدَنِهَا لِكَثْرَةِ نَحْوِ عَرَقِهَا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ لِأَنَّ إزَالَتَهُ مِنْ التَّنْظِيفِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ع ش عَلَى م ر.

تَنْبِيهٌ: جَمِيعُ مَا وَجَبَ لَهَا مِمَّا مَرَّ إذَا دَفَعَهُ لَهَا يَجُوزُ أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ وَلَوْ فِي نَحْوِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَاسْتَعْمَلَهُ بِنَفْسِهِ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ وَأَرْشُ مَا نَقَصَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي الرَّشِيدَةِ وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ سَفِيهَةٍ وَصَغِيرَةٍ فَيَحْرُمُ عَلَى وَلِيِّهَا تَمْكِينُ الزَّوْجِ مِنْ التَّمَتُّعِ بِأَمْتِعَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيعِ عَلَيْهَا وَأَمَّا مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ طَبْخِهَا مَا يَأْتِي بِهِ الزَّوْجُ فِي الْآلَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا وَأَكْلِ الطَّعَامِ فِيهَا وَتَقْدِيمِهَا لِلزَّوْجِ أَوْ لِمَنْ يَحْضُرُ عِنْدَهُ فَلَا أُجْرَةَ لَهَا عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ لِإِتْلَافِهَا الْمَنْفَعَةَ بِنَفْسِهَا.

وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اغْسِلْ ثَوْبِي وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أُجْرَةً بَلْ هُوَ أَوْلَى لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ كَثِيرًا بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَغَلَ، بِأَخْذِ ذَلِكَ بِلَا إذْنٍ مِنْهَا فَيَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ، لِاسْتِعْمَالِ مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ: فِي الْفِرَاشِ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا اهـ. ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكَنُ يَلِيقُ بِهَا عَادَةً) أَيْ بِحَيْثُ تَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا وَإِنْ قَلَّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِمُؤْنِسَةٍ حَيْثُ أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا، فَلَوْ لَمْ تَأْمَنْ أَبْدَلَ لَهَا الْمَسْكَنَ بِمَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فِيهِ، فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِيهِ الْغَلَطُ كَثِيرًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا كَانَ تَمْلِيكًا كَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالْأَوَانِي يُرَاعَى فِيهِ حَالُ الزَّوْجِ وَمَا كَانَ إمْتَاعًا كَالْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ، يُرَاعَى فِيهِ حَالُ الزَّوْجَةِ. اهـ. م د وَقَدْ نَظَّمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ:

مَا كَانَ إمْتَاعًا كَمَسْكَنٍ وَجَبَ ... لِمَرْأَةٍ فَرَاعِ حَالَهَا تُثَبْ

وَإِنْ يَكُنْ تَمَلُّكًا كَالْكِسْوَةِ ... فَحَالُ زَوْجٍ رَاعِهِ لَا الزَّوْجَةِ

قَوْلُهُ: (يَلِيقُ بِهَا عَادَةً) مِنْ دَارٍ أَوْ حُجْرَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَشَعْرٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ قَصَبٍ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ لَا يَعْتَادُونَ السُّكْنَى وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ اُعْتُبِرَ بِحَالِهَا بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ حَيْثُ اعْتَبَرْنَا بِحَالِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ التَّمْلِيكُ، وَفِيهِ الْإِمْتَاعُ، وَلِأَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَلِيقَا بِهَا يُمْكِنُهَا إبْدَالُهُمَا بِلَائِقٍ فَلَا إضْرَارَ بِخِلَافِ الْمَسْكَنِ، فَإِنَّهَا مُلْزَمَةٌ بِمُلَازَمَتِهِ فَاعْتُبِرَ بِحَالِهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

وَقَوْلُهُ: بِحَالِهِ أَيْ حَالِ إعْسَارِهِ وَغَيْرِهِ فَلَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ مَحِلِّ الزَّوْجَةِ فِي جِنْسِ النَّفَقَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَلِلزَّوْجِ نَقْلُ الزَّوْجَةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَادِيَةٍ حَيْثُ لَاقَتْ بِهَا وَإِنْ خَشُنَ عَيْشُهَا لِأَنَّ لَهَا عَلَيْهِ نَفَقَةٌ مُقَدَّرَةٌ، لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ وَأَمَّا خُشُونَةُ الْعَيْشِ فَيُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ عَنْهُ بِالْإِبْدَالِ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ نَحْوِ غَزْلٍ إلَّا وَقْتَ اسْتِمْتَاعِهِ وَلَا سَدِّ طَاقَاتِ الْمَسْكَنِ إلَّا لِرِيبَةٍ أَوْ نَظَرِ أَجْنَبِيٍّ فَيَجِبُ سَدُّهَا وَلَهُ مَنْعُ نَحْوِ أَبَوَيْهَا وَوَلَدِهَا مِنْ دُخُولِهِ وَإِنْ اخْتَصَرَتْ حَيْثُ كَانَ عِنْدَهَا مَنْ يَقُومُ بِتَمْرِيضِهَا إلَّا خَادِمَهَا وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَلَوْ لِمَرَضِ أَبَوَيْهَا أَوْ وَلَدِهَا أَوْ لِمَوْتِهِمْ ق ل.

قَوْلُهُ: (كَوْنُهُ مِلْكَهُ) بَلْ يَكْفِي كَوْنُهُ مُكْتَرًى أَوْ مُعَارًا وَمِنْهُ مَا لَوْ سَكَنَ مَعَهَا فِي مِلْكِهَا أَوْ فِي مِلْكِ نَحْوِ أَبِيهَا نَعَمْ إنْ سَكَنَ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا مَنْعٍ مِنْ خُرُوجِهِ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ اهـ ق ل.

قَوْلُهُ: (تِلْكَ الزَّوْجَةُ) أَيْ الْمُمَكِّنَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي قَوْلِهِ: وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ الْمُمَكِّنَةِ أَيْ الْحُرَّةِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ: مِمَّنْ يُخْدَمُ مِثْلُهَا أَيْ وَإِنْ لَمْ تُخْدَمْ بِالْفِعْلِ فِي بَيْتِ أَبِيهَا لِشُحٍّ مَثَلًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا يُخْدَمُ فِي بَيْتِ أَبَوَيْهَا لَكِنْ هَذِهِ خُدِمَتْ فِيهِ بِالْفِعْلِ لَا يَجِبُ إخْدَامُهَا ح ل.

قَوْلُهُ: (فِي بَيْتِ أَبِيهَا) فَلَوْ ارْتَفَعَتْ بِالِانْتِقَالِ إلَى الزَّوْجِ بِحَيْثُ صَارَ يَلِيقُ بِحَالِهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ الْخَادِمُ لَمْ يَجِبْ، صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَالْوَاجِبُ خَادِمٌ وَاحِدٌ وَلَوْ ارْتَفَعَتْ مَرْتَبَتُهَا وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخَادِمِ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَحْرَمًا شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ. وَقَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>