للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِنْ أَعْسَرَ) الزَّوْجُ (بِنَفَقَتِهَا) الْمُسْتَقْبَلَةِ لِتَلَفِ مَالِهِ مَثَلًا فَإِنْ صَبَرَتْ بِهَا وَأَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِهَا أَوْ مِمَّا اقْتَرَضَتْهُ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَفْرِضْهَا الْقَاضِي كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُسْتَقِرَّةِ فَإِنْ لَمْ تَصْبِرْ (فَلَهَا فَسْخُ النِّكَاحِ) بِالطَّرِيقِ الْآتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الثَّانِي وَلِأَنَّهَا إذَا فَسَخَتْ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ فَبِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا يَقُومُ بِدُونِهَا بِخِلَافِ الْوَطْءِ. أَمَّا لَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ مَا مَضَى فَلَا فَسْخَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَا فَسْخَ أَيْضًا بِالْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ وَلَا بِامْتِنَاعِ مُوسِرٍ مِنْ الْإِنْفَاقِ سَوَاءٌ أَحْضَرَ أَمْ غَابَ عَنْهَا لِتَمَكُّنِهَا مِنْ تَحْصِيلِ حَقِّهَا بِالْحَاكِمِ وَلَوْ حَضَرَ الزَّوْجُ وَغَابَ مَالُهُ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ فَلَهَا الْفَسْخُ وَلَا يَلْزَمُهَا الصَّبْرُ لِلضَّرَرِ فَإِنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَا فَسْخَ لَهَا. وَيُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ بِسُرْعَةٍ وَلَوْ تَبَرَّعَ شَخْصٌ بِهَا عَنْ زَوْجٍ مُعْسِرٍ لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَبُولُ بَلْ هَلْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَى الْحَاجَةِ فَاِتِّخَاذُهُ إنَّمَا هُوَ لِلْمُبَاهَاةِ وَالِاخْتِيَالِ وَالِالْتِهَاءِ بِزِينَةِ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مَذْمُومٌ وَكُلُّ مَذْمُومٍ يُضَافُ لِلشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ يَرْتَضِيهِ وَيُوَسْوِسُ بِهِ وَيُحَسِّنُهُ وَيُسَاعِدُهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّهُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَانَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ مَبِيتٌ وَمَقِيلٌ كَمَا أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الْمَبِيتُ فِي الْبَيْتِ الَّذِي لَا يَذْكُرُ اللَّهَ صَاحِبُهُ عِنْدَ دُخُولِهِ وَأَمَّا تَعَدُّدُ الْفِرَاشِ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى فِرَاشٍ عِنْدَ الْمَرَضِ أَوْ نَحْوِهِ وَالنَّوْمُ مَعَ الزَّوْجَةِ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ مَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عُذْرٌ فِي الِانْفِرَادِ وَهَذَا ظَاهِرُ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ مَعَ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ فَإِذَا أَرَادَ الْقِيَامَ لِوَظِيفَتِهِ، قَامَ وَتَرَكَهَا فَيَجْمَعُ بَيْنَ وَظِيفَتِهِ وَقَضَاءِ حَقِّهَا الْمَنْدُوبِ وَعِشْرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ لَا سِيَّمَا إنْ عُرِفَ مِنْ حَالِهَا حِرْصُهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّوْمِ مَعَهَا الْجِمَاعُ اهـ زِيَادِيٌّ وَبِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَعْسَرَ إلَخْ) أَعْسَرَ قَيْدٌ أَوَّلٌ وَالنَّفَقَةُ قَيْدٌ ثَانٍ وَإِضَافَتُهَا لِلزَّوْجَةِ قَيْدٌ ثَالِثٌ وَالْمُسْتَقْبِلَةُ قَيْدٌ رَابِعٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: أَمَّا لَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ مَا مَضَى وَقَوْلُهُ: وَلَا فَسْخَ بِالْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ وَقَوْلُهُ: وَلَا بِامْتِنَاعِ مُوسِرٍ وَقَوْلُهُ: وَلَا تَفْسَخُ بِإِعْسَارِهِ عَنْ الْأُدْمِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ قَيْدٌ خَامِسٌ وَهُوَ كَوْنُ النَّفَقَةِ نَفَقَةَ مُعْسِرٍ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (الزَّوْجُ) أَيْ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا نَعَمْ إنْ كَانَ لِلزَّوْجِ ضَامِنٌ بِالْإِذْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا فَسْخَ أَوْ ضَمِنَهَا أَبٌ عَنْ مَحْجُورِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَلَا فَسْخَ أَيْضًا. وَيَثْبُتُ إعْسَارُ الصَّغِيرِ بِالْبَيِّنَةِ كَغَيْرِهِ وَإِعْسَارُ غَيْرِهِ بِهَا. إنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا كَفَى الْيَمِينُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (بِنَفَقَتِهَا) أَيْ بِأَقَلَّ النَّفَقَةِ الْوَاجِبِ وَهُوَ مُدٌّ فَخَرَجَ مَا لَوْ أَعْسَرَ الْمُتَوَسِّطُ، أَوْ الْمُوسِرُ، عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهَا فَلَا فَسْخَ لَهَا وَقَوْلُنَا: بِأَقَلِّ النَّفَقَةِ أَيْ وَمَا يَتْبَعُهَا كَأُجْرَةِ الطَّحْنِ وَغَيْرِهِ. لَا بِنَحْوِ ظُرُوفٍ وَلَا بِالْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ وَتَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِهِ أَيْ الْخَادِمِ لَا مَعَ عَدَمِهِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَسْخَ بِالْعَجْزِ عَنْ أَصْلِهِ أَيْ الْخَادِمِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ صَبَرَتْ بِهَا) أَيْ بِسَبَبِ الْإِعْسَارِ بِهَا أَيْ بِالنَّفَقَةِ وَلَوْ حَذَفَ بِهَا لَكَانَ أَوْضَحَ كَمَا فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ تَصِيرُ دَيْنًا وَلَوْ قَعَدَتْ بِالْجُوعِ وَإِنْ لَمْ يُقْرِضْهَا الْقَاضِي. قَوْلُهُ: (صَارَ) أَيْ الْوَاجِبُ وَالْمُنَاسِبُ صَارَتْ أَيْ النَّفَقَةُ وَقِيلَ صَارَ دَيْنًا أَيْ مَا اقْتَرَضَتْهُ.

قَوْلُهُ: (فَلَهَا فَسْخُ النِّكَاحِ) وَبَحَثَ م ر الْفَسْخَ بِالْعَجْزِ عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْفُرُشِ بِأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِهِ الْجُلُوسُ وَالنَّوْمُ عَلَى الْبَلَاطِ وَالرُّخَامِ الْمُضِرِّ وَمِنْ الْأَوَانِي كَاَلَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ نَحْوُ الشُّرْبِ سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر. قَوْلِهِ: (بِالطَّرِيقِ الْآتِي) وَهِيَ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالرَّفْعُ لِلْقَاضِي وَإِذْنُهُ لَهَا فِي الْفَسْخِ كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْفَسْخِ مِنْهَا وَالتَّسْرِيحُ طَلَاقٌ، وَعِبَارَةُ م ر بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ فَلَهَا الْفَسْخُ عَلَى الْأَظْهَرِ لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ «فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ شَيْئًا يُنْفِقُهُ عَلَى امْرَأَتِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا» وَقَضَى بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَا بِامْتِنَاعِ مُوسِرٍ) خَرَجَ بِأَعْسَرَ. قَوْلُهُ: (وَيُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ بِسُرْعَةٍ) قَالَ حَجّ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>