للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(حَالَّةٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ) ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ: " كَانَ فِي شَرْعِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَحَتُّمُ الْقِصَاصِ جَزْمًا، وَفِي شَرْعِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الدِّيَةُ فَقَطْ. فَخَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَخَيَّرَهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ " لِمَا فِي الْإِلْزَامِ بِأَحَدِهِمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْجَانِيَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ كَالْمُحَالِ عَلَيْهِ.

وَلَوْ عَفَا عَنْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْجَانِي سَقَطَ كُلُّهُ كَمَا أَنَّ تَطْلِيقَ بَعْضِ الْمَرْأَةِ تَطْلِيقٌ لِكُلِّهَا.

وَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ سَقَطَ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْبَعْضُ الْآخَرُ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ وَيُغَلَّبُ فِيهِ جَانِبُ السُّقُوطِ.

(وَالْخَطَأُ الْمَحْضُ هُوَ أَنْ) يَقْصِدَ الْفِعْلَ دُونَ الشَّخْصِ كَأَنْ يَرْمِيَ إلَى شَيْءٍ كَشَجَرَةٍ أَوْ صَيْدٍ فَيُصِيبَ إنْسَانًا رَجُلًا أَيْ ذَكَرًا أَوْ غَيْرَهُ (فَيَقْتُلَهُ) ، أَوْ يَرْمِيَ بِهِ زَيْدًا فَيُصِيبَ عَمْرًا كَمَا مَرَّ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ أَصْلَ الْفِعْلِ كَأَنْ زَلِقَ فَسَقَطَ عَلَى غَيْرِهِ فَمَاتَ كَمَا مَرَّ أَيْضًا.

(فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقِصَاصِ (بَلْ تَجِبُ دِيَةٌ) لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ (مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ) كَمَا سَتَعْرِفُهُ فِي فَصْلِهَا.

(مُؤَجَّلَةٌ) عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَمِنْ الْمُوَاسَاةِ تَأْجِيلُهَا عَلَيْهِمْ (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ.

(وَعَمْدُ الْخَطَأِ) الْمُسَمَّى بِشِبْهِ الْعَمْدِ

هُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ أَيْ الشَّخْصِ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَسَوْطٍ أَوْ عَصًا خَفِيفَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَمُوتَ بِسَبَبِهِ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ لِفَقْدِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ غَالِبًا فَمَوْتُهُ بِغَيْرِهَا مُصَادَفَةُ قَدَرٍ

بَلْ تَجِبُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ عَمْدِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

خَلِفَةً.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي) غَايَةٌ.

قَوْلُهُ: (لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهُمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ فَيُنَافِي وُجُوبَ الْقَوَدِ أَوَّلًا.

قَوْلُهُ: (وَخَيَّرَهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْ أَوَّلًا إلَّا الْقَوَدَ.

وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّخْيِيرَ بِالنَّظَرِ لِخِيرَةِ الْوَارِثِ لَا بِالنَّظَرِ لِلِابْتِدَاءِ فَلَا يَجِبُ إلَّا الْقَوَدُ.

قَوْلُهُ: (لِمَا فِي الْإِلْزَامِ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ.

قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْجَانِيَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِخَبَرِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عُضْوٍ) أَيْ كَيَدِهِ وَأُصْبُعِهِ وَظُفُرِهِ وَشَعْرِهِ وَقَوْلُهُ سَقَطَ كُلُّهُ أَيْ كُلُّ الْقَوَدِ وَيُشْتَرَطُ فِي تِلْكَ الْأَعْضَاءِ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً فَيَكُونَ مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ لَا مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ الِاتِّصَالُ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ سَقَطَ أَيْضًا) حَتَّى لَوْ اقْتَصَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَعْدَ عَفْوِ الْبَعْضِ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَفْوِهِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْجُمْلَةِ.

قَوْلُهُ: (وَيُغَلَّبُ) بِالتَّشْدِيدِ.

قَوْلُهُ: (هُوَ أَنْ يَقْصِدَ الْفِعْلَ) فَلَهُ صُورَتَانِ قَصْدُ الْفِعْلِ وَعَدَمُهُ، كِلَاهُمَا مَعَ عَدَمِ قَصْدِ الشَّخْصِ.

قَوْلُهُ: (رَجُلًا) الرَّجُلُ حَقِيقَةً الذَّكَرُ الْبَالِغُ وَلَا حَاجَةَ لِإِخْرَاجِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ بِقَوْلِهِ: أَيْ ذَكَرًا، لِأَنَّهُ مِثَالٌ.

قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى " رَجُلًا ".

قَوْلُهُ: (زَلِقَ) بِكَسْرِ اللَّامِ.

قَوْلُهُ: (فَسَقَطَ عَلَى غَيْرِهِ) وَعَدَمُ قَصْدِهِ لَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ.

قَوْلُهُ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: ٩٢] الْمُرَادُ بِالْخَطَأِ مُقَابِلُ الْعَمْدِ الصَّادِقُ بِشِبْهِ الْعَمْدِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَصْدَرَ إذَا وَقَعَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ وَاقْتَرَنَ بِالْفَاءِ جَرَى مَجْرَى الْأَمْرِ وَالتَّقْدِيرُ هُنَا: فَلْيُحَرِّرْ رَقَبَةً.

قَوْلُهُ: (مُخَفَّفَةٌ) أَيْ مُخَمَّسَةٌ عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَاقِلَةِ) أَيْ فَالْعَاقِلَةُ لَا تَحْمِلُ إلَّا الْخَطَأَ وَشِبْهَ الْعَمْدِ وَلَا تَحْمِلُ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا عَنْ الْقَوَدِ وَلَا اعْتِرَافًا بِالْجِنَايَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَعَمْ إنْ صَدَّقَتْ الْعَاقِلَةُ الْمُعْتَرِفَ بِالْجِنَايَةِ حَمَلَتْ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ مِنْ الْوَلَاءِ، أَوْ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ الْإِمَامُ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ) .

أَيْ الْإِحْسَانِ، وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً، لِأَنَّ الْآتِيَ بِالْوَاجِبِ مُحْسِنٌ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْمُوَاسَاةِ) " مِنْ " تَعْلِيلِيَّةٌ لِمَا بَعْدَهَا أَيْ تَأْجِيلُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مُوَاسَاتِهِمْ فَفِيهِ الْإِظْهَارُ مَوْضِعَ الْإِضْمَارِ وَحَقُّهُ أَنْ يُقَالَ: وَمِنْ أَجْلِهَا تَأْجِيلُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ الشَّارِعِ.

قَوْلُهُ: (الْمُسَمَّى بِشِبْهِ الْعَمْدِ) وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَشْبَهَ الْعَمْدَ فِي اعْتِبَارِ الْقَصْدِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ عَصًا خَفِيفَةٍ) أَيْ بِحَيْثُ يُنْسَبُ الْقَتْلُ إلَيْهَا لَا نَحْوِ قَلَمٍ لِأَنَّهُ مُوَافَقَةُ قَدْرٍ م د.

قَوْلُهُ: (لِفَقْدِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي قَوِيِّ الْبَدَنِ أَمَّا لَوْ كَانَ طِفْلًا، أَوْ هَرِمًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْعَمْدِ، لِأَنَّ الْآلَةَ الْمَذْكُورَةَ تَقْتُلُ مَنْ ذُكِرَ غَالِبًا نَظِيرُ مَا قِيلَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>