للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَالِغًا) .

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ (عَاقِلًا) فَلَا قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا، وَتَضْمِينُهُمَا مُتْلَفَاتِهِمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِمَا.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَجْنُونِ إذَا كَانَ جُنُونُهُ مُطْبِقًا فَإِنْ تَقَطَّعَ فَلَهُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ حَالَ جُنُونِهِ وَحُكْمُ الْعَاقِلِ حَالَ إفَاقَتِهِ، وَمَنْ لَزِمَهُ قِصَاصٌ، ثُمَّ جُنَّ اُسْتُوْفِيَ مِنْهُ حَالَ جُنُونِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ.

وَلَوْ قَالَ: كُنْت يَوْمَ الْقَتْلِ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا وَكَذَّبَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ صُدِّقَ الْقَاتِلُ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ الصِّبَا وَقْتَ الْقَتْلِ، وَعُهِدَ الْجُنُونُ قَبْلَهُ.

لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ صِبَاهُ وَلَمْ يُعْهَدْ جُنُونُهُ.

وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ، لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عِنْدَ غَيْرِ النَّوَوِيِّ. وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَرْكِ الْقِصَاصِ، لِأَنَّ مَنْ رَامَ الْقَتْلَ لَا يَعْجِزُ أَنْ يَسْكَرَ حَتَّى لَا يُقْتَصَّ مِنْهُ.

وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ الْعَقْلِ.

وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ وَأُلْحِقَ بِهِ مَنْ تَعَدَّى بِشُرْبِ دَوَاءٍ يُزِيلُ الْعَقْلَ أَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَدِّي فَهُوَ كَالْمَعْتُوهِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ عَلَى حَرْبِيٍّ قُتِلَ حَالَ حِرَابَتِهِ، وَإِنْ عُصِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِسْلَامٍ، أَوْ عَقْدِ ذِمَّةٍ لِمَا تَوَاتَرَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ بَعْدَهُ مِنْ عَدَمِ الْقِصَاصِ مِمَّنْ أَسْلَمَ، كَوَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ وَلِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ.

(وَ) الثَّالِثُ (أَنْ لَا يَكُونَ) الْقَاتِلُ (وَالِدًا لِلْمَقْتُولِ) فَلَا قِصَاصَ بِقَتْلِ وَلَدٍ لِلْقَاتِلِ، وَإِنْ سَفَلَ، لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَصَحَّحَاهُ: «لَا يُقَادُ لِلِابْنِ مِنْ أَبِيهِ» وَلِرِعَايَةِ حُرْمَتِهِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا فِي وُجُودِهِ فَلَا يَكُونُ هُوَ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ.

تَنْبِيهٌ: هَلْ يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ؟ وَجْهَانِ: وَيَجْرِيَانِ فِي الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ لَهُ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ:

ــ

[حاشية البجيرمي]

قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ) وَمِثْلُهُ النَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالسَّكْرَانُ سم.

قَوْلُهُ: (مَحَلُّ عَدَمِ الْجِنَايَةِ) أَيْ مُوجَبِهَا، وَهُوَ الْقِصَاصُ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقِصَاصَ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ أَيْ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فِيهِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ أَيْ وَإِذَا كَانَ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فَيَسْتَوِي فِي اسْتِيفَائِهِ حَالَةُ الصِّحَّةِ وَالْجُنُونِ بِخِلَافِ مَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فِيهِ، كَالزِّنَا الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يَسْتَوْفِي حَدَّهُ فِي حَالَةِ الْجُنُونِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَاحِيًا رُبَّمَا رَجَعَ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

فَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ هَلَّا انْتَظَرْنَا إفَاقَتَهُ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ فَيَسْقُطَ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فَلَا فَائِدَةَ فِي الِانْتِظَارِ أَيْ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا إذَا جُنَّ بَعْدَ الزِّنَا فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ فَيَسْقُطَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ.

قَوْلُهُ: (وَعُهِدَ الْجُنُونُ) أَيْ سَبَقَ لَهُ جُنُونٌ وَقَوْلُهُ: بَقَاؤُهُمَا أَيْ الصِّبَا وَالْجُنُونِ.

قَوْلُهُ: (وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى السَّكْرَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ اهـ عَشْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَنْ رَامَ) أَيْ أَرَادَ الْقَتْلَ، وَقَوْلُهُ: لَا يَعْجِزُ أَيْ لَوْ قُلْنَا السَّكْرَانُ لَا يُقْتَلُ إذَا قَتَلَ لَاُتُّخِذَ السُّكْرُ ذَرِيعَةً.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى) لَمْ يَجْعَلْهُ مُسْتَثْنًى حَقِيقَةً لِأَنَّ الْعَقْلَ مَوْجُودٌ فِيهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مُغَطَّى بِسَبَبِ السُّكْرِ.

قَوْلُهُ: (وَأُلْحِقَ بِهِ إلَخْ) هَذَا مِنْ بَابِ إلْحَاقِ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى إذْ هَذَا فِيهِ إزَالَةٌ لِلْعَقْلِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ السُّكْرِ شَيْخُنَا.

وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ، وَالْقِيَاسُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا وَوُجُوبُ دِيَةِ عَمْدٍ فِي مَالِهِمَا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَبِرْمَاوِيٍّ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ عُصِمَ) غَايَةٌ.

قَوْلُهُ: (لِمَا تَوَاتَرَ مِنْ فِعْلِهِ) أَيْ صَنِيعِهِ وَعَادَتِهِ وَحَالَتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالِدًا) أَيْ مِنْ النَّسَبِ بِخِلَافِ الْأَبِ مِنْ الرَّضَاعِ وَهَذَا مِمَّا فَارَقَ فِيهِ حُكْمُ الرَّضَاعِ النَّسَبَ، وَإِنْ كَانَ الْوَالِدُ كَافِرًا وَالْوَلَدُ مُسْلِمًا كَمَا قَالَهُ سم فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِقَتْلِ وَالِدٍ بِوَلَدِهِ نُقِضَ حُكْمُهُ إلَّا إنْ أَضْجَعَهُ وَذَبَحَهُ كَالْبَهِيمَةِ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا نَقْضَ لَنَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِ حُكْمِهِ، بِقَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ أَوْ الْحُرِّ بِالرَّقِيقِ فَلَا يُنْقَضُ بِالْمُرَادِ بِالْوَالِدِ كُلُّ مَنْ لَهُ وِلَادَةٌ، وَإِنْ عَلَا وَلَوْ أُنْثَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ اهـ.

ز ي وَقَوْلُهُ: أَوَّلًا فَلَا نَقْضَ لَنَا حِينَئِذٍ، أَيْ رِعَايَةً لِمَالِكٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ فِيهِ حِينَئِذٍ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَكُونُ هُوَ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْوَالِدَ لَوْ اُقْتُصَّ مِنْهُ كَانَ هُوَ الَّذِي تَسَبَّبَ فِي عَدَمِ نَفْسِهِ بِقَتْلِهِ وَلَدَهُ فَالْوَلَدُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَالِدَ سَبَبٌ بَعِيدٌ؛ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يَحْصُلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>