وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ مَا دَامَ مُصِرًّا عَلَى النَّفْيِ انْتَهَى.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُطْلَقًا لِلشُّبْهَةِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ.
وَلَا قِصَاصَ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ.
كَأَنْ قَتَلَ زَوْجَةَ نَفْسِهِ، وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، أَوْ قَتَلَ زَوْجَةَ ابْنِهِ، أَوْ لَزِمَهُ قَوَدٌ فَوَرِثَ بَعْضَهُ وَلَدُهُ، كَأَنْ قَتَلَ أَبَا زَوْجَتِهِ، ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْتَلْ بِجِنَايَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ فَلَأَنْ لَا يُقْتَلَ بِجِنَايَتِهِ عَلَى مَنْ لَهُ فِي قَتْلِهِ حَقٌّ أَوْلَى.
وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْوَلَدَ يُقْتَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَالِدَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِشَرْطِ التَّسَاوِي فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ.
إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُكَاتَبُ إذَا قَتَلَ أَبَاهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَيُقْتَلُ الْمَحَارِمُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِعَبْدٍ لِوَالِدِهِ.
(وَ) الرَّابِعُ: (أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْتُولُ أَنْقَصَ مِنْ الْقَاتِلِ بِكُفْرٍ، أَوْ رِقٍّ) ، أَوْ هَدْرِ دَمٍ تَحْقِيقًا لِلْمُكَافَأَةِ الْمَشْرُوطَةِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ لِلْأَدِلَّةِ الْمَعْرُوفَةِ فَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ بِأَنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا، أَوْ حُرٌّ مَنْ فِيهِ رِقٌّ، أَوْ مَعْصُومٌ بِالْإِسْلَامِ زَانِيًا مُحْصَنًا فَلَا قِصَاصَ حِينَئِذٍ وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ الْعِصْمَةِ بِالْإِسْلَامِ الْمَعْصُومُ بِجِزْيَةٍ كَالذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَبِذِمِّيٍّ أَيْضًا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا فَيُقْتَلُ يَهُودِيٌّ بِنَصْرَانِيٍّ وَمُعَاهَدٌ وَمُسْتَأْمَنٌ وَمَجُوسِيٌّ وَعَكْسُهُ، لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّسْخَ شَمِلَ الْجَمِيعَ.
فَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ الْقَاتِلُ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ لِتَكَافُئِهِمَا حَالَ الْجِنَايَةِ.
لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُوبَاتِ بِحَالِ الْجِنَايَةِ وَلَا نَظَرَ لِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا وَيُقْتَلُ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَخُنْثَى كَعَكْسِهِ وَعَالِمٌ بِجَاهِلٍ كَعَكْسِهِ وَشَرِيفٌ بِخَسِيسٍ وَشَيْخٌ بِشَابٍّ كَعَكْسِهِمَا.
وَالْخَامِسُ: عِصْمَةُ الْقَتِيلِ بِإِيمَانٍ، أَوْ أَمَانٍ كَعَقْدِ ذِمَّةٍ، أَوْ عَهْدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: ٢٩] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: ٦] الْآيَةَ فَيُهْدَرُ الْحَرْبِيُّ وَلَوْ صَبِيًّا وَامْرَأَةً وَعَبْدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] وَمُرْتَدٌّ فِي حَقِّ مَعْصُومٍ لِخَبَرِ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَتْلُ الْأَبِ أَبَاهُ فَقَدْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ سَبَبًا فِي عَدَمِ أَبِيهِ سم.
قَوْلُهُ: (بِسَرِقَةِ مَالِهِ) أَيْ مَالِ الْوَلَدِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ) ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُطْلَقًا مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا قِصَاصَ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ) الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَاَلَّذِي فِي الْمَتْنِ أَنَّ الَّذِي فِي الْمَتْنِ الْجِنَايَةُ عَلَى الِابْنِ مُبَاشَرَةً وَهُنَا الْجِنَايَةُ عَلَى مَا لِلْوَلَدِ فِيهِ حَقٌّ كَزَوْجَةِ الْأَبِ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَزَوْجَةِ الِابْنِ فِي الثَّانِي وَأَبِي زَوْجَةِ الْأَبِ فِي الثَّالِثِ.
قَوْلُهُ: (فَوَرِثَ بَعْضَهُ وَلَدُهُ) " بَعْضَهُ " مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ وَ " وَلَدُهُ " فَاعِلٌ مُؤَخَّرٌ.
قَوْلُهُ: (أَبَا زَوْجَتِهِ) أَيْ زَوْجَةِ نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ) فِيهِ أَنَّ زَوْجَهَا وَهُوَ قَاتِلُ أَبِيهَا يَرِثُهَا أَيْضًا مَعَ وَلَدِهَا فَسُقُوطُ الْقِصَاصِ عَنْهُ لِكَوْنِهِ وَرِثَ بَعْضَهُ لَا لِكَوْنِ وَلَدِهِ وَرِثَ بَعْضَهُ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا قَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ وَلَوْ رَجَعَ الضَّمِيرُ فِي زَوْجَتِهِ لِلِابْنِ لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ فَهُوَ الْأَوْلَى.
قَوْلُهُ: (فَلَأَنْ لَا يُقْتَلَ) مُبْتَدَأٌ مُنْسَبِكٌ مِنْ أَنْ وَالْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ أَوْلَى خَبَرٌ أَيْ فَلِعَدَمِ قَتْلِهِ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُكَاتَبُ) إذَا مَلَكَ أَبَاهُ الرَّقِيقَ ثُمَّ قَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ فِيهِ، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ صُورِيٌّ، لِأَنَّ عَدَمَ قَتْلِهِ لِكَوْنِهِ سَيِّدًا، وَالسَّيِّدُ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدِهِ.
وَلِهَذَا لَوْ كَانَ أَبُوهُ الرَّقِيقُ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ وَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الرِّقِّيَّةِ وَلِذَلِكَ قَيَّدَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ يَمْلِكُهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ) أَيْ الْوَلَدُ إذَا كَانَ عَبْدًا وَقَتَلَ عَبْدَ وَالِدِهِ يُقْتَلُ بِهِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْمَقْتُولُ أَنْقَصَ مِنْ الْقَاتِلِ.
قَوْلُهُ: (وَمُعَاهَدٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَبِذِمِّيٍّ وَلَا يَظْهَرُ عَطْفُهُ عَلَى نَصْرَانِيٍّ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ اخْتِلَافَ الْمِلَّةِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَجُوسِيٍّ) إنْ كَانَ مَعْقُودًا لَهُ جِزْيَةٌ، أَوْ كَانَ مُعَاهَدًا أَوْ مُسْتَأْمَنًا فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ هَؤُلَاءِ فَهُوَ حَرْبِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ عَطْفُهُ، تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّسْخَ) أَيْ نَسْخَ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ) لَكِنْ لَمْ يَقْتَصَّ حِينَئِذٍ إلَّا الْإِمَامُ بِطَلَبِ الْوَارِثِ وَلَا يُفَوِّضُهُ لِلْكَافِرِ حَذَرًا مِنْ تَسْلِيطِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ سم.
قُلْت: وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يُسْلِمْ فَإِنْ أَسْلَمَ فَوَّضَ إلَيْهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ زي.
قَوْلُهُ: (وَيُقْتَلُ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَنْطُوقِ الشَّرْطِ، وَمَا تَقَدَّمَ تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْخَامِسُ عِصْمَةُ الْقَتِيلِ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ: فِيمَا تَقَدَّمَ، أَوْ " هَدْرِ دَمٍ " فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَمُرْتَدٌّ فِي حَقِّ مَعْصُومٍ) أَمَّا فِي حَقِّ مِثْلِهِ فَيُقْتَلُ بِهِ وَلَوْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ مِثْلَهُ خَطَأً