للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ فِي قَتْلِ الذَّكَرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْمَحْقُونِ الدَّمِ غَيْرِ جَنِينٍ انْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ مَيِّتًا، وَالْقَاتِلُ لَهُ لَا رِقَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ دِيَةً، وَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي قَوْلِهِ: «فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فِيهِ الْإِجْمَاعَ.

وَلَا تَخْتَلِفُ الدِّيَةُ بِالْفَضَائِلِ وَالرَّذَائِلِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِالْأَدْيَانِ وَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ فَإِنَّ فِيهِ الْقِيمَةَ الْمُخْتَلِفَةَ أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مَحْقُونِ الدَّمِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ إذَا قَتَلَ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْلِمٌ فَلَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ؛ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ رَقِيقًا لِغَيْرِ الْمَقْتُولِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَأَمَّ وَلَدٍ فَالْوَاجِبُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَالدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ مُبَعَّضًا لَزِمَهُ لِجِهَةِ الْحُرِّيَّةِ الْقَدْرُ الَّذِي يُنَاسِبُهَا مِنْ نِصْفٍ، أَوْ ثُلُثٍ مَثَلًا وَلِجِهَةِ الرَّقَبَةِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ وَالدِّيَةِ، وَهَذِهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: كَوْنِهَا عَلَى الْجَانِي، وَحَالَّةً، وَمِنْ جِهَةِ السِّنِّ.

وَالْخَلِفَةِ: بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَكَسْرِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ وَلَا جَمْعَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ مِنْ مَعْنَاهَا، وَهُوَ مَخَاضٌ كَامْرَأَةٍ وَنِسَاءٍ.

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: جَمْعُهَا خَلِفٌ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَابْنُ سِيدَهْ خَلِفَاتٌ.

وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ كَوْنُهَا مُثَلَّثَةً.

(وَالْمُخَفَّفَةُ) بِسَبَبِ قَتْلِ الذَّكَرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ.

(مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) وَهِيَ فِي الْخَطَأِ مُخَفَّفَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.

الْأَوَّلُ: وُجُوبُهَا مُخَمَّسَةً (عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي الزَّكَاةِ.

وَالثَّانِي: وُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ.

وَالثَّالِثُ: وُجُوبُهَا مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ مُخَفَّفَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَهُمَا: وُجُوبُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَوُجُوبُهَا مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَا يُقْبَلُ فِي إبِلِ الدِّيَةِ مَعِيبٌ بِمَا يُثْبِتُ الرَّدَّ فِي الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَتْ إبِلُ مَنْ لَزِمَتْهُ مَعِيبَةً، لِأَنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَهَا، فَاقْتَضَتْ السَّلَامَةَ وَخَالَفَ ذَلِكَ الزَّكَاةَ لِتَعَلُّقِهَا بِعَيْنِ الْمَالِ وَخَالَفَ الْكَفَّارَةَ أَيْضًا، لِأَنَّ مَقْصُودَهَا تَخْلِيصُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ لِتَسْتَقِلَّ فَاعْتُبِرَ فِيهَا السَّلَامَةُ، مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ وَالِاسْتِقْلَالِ إلَّا بِرِضَا الْمُسْتَحِقِّ بِذَلِكَ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ إسْقَاطُهُ.

وَمَنْ لَزِمَتْهُ دِيَةٌ وَلَهُ إبِلٌ فَتُؤْخَذُ مِنْهَا وَلَا يُكَلَّفُ غَيْرَهَا، لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ فَكَانَتْ مِمَّا عِنْدَهُ كَمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي نَوْعِ النِّصَابِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبِلٌ فَمِنْ غَالِبِ إبِلِ بَلْدَةِ بَلَدِيٍّ أَوْ غَالِبِ إبِلِ قَبِيلَةِ بَدَوِيٍّ، لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ فَوَجَبَ فِيهَا الْبَدَلُ الْغَالِبُ كَمَا فِي قِيمَةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

إسْقَاطَ الْحَمْلِ وَأَمْكَنَ صُدِّقَ إنْ أُخِذَتْ بِعَدْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَوْ أَمْكَنَ وَأَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِ الدَّافِعِ مَعَ تَصْدِيقِهِ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأُولَى وَبِهِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ شَرْحَ الرَّوْضِ

قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ التَّغْلِيظُ الْمَذْكُورُ وَذَكَرَ لَهُ سِتَّةَ شُرُوطٍ.

قَوْلُهُ: (وَالْقَاتِلُ لَهُ) أَيْ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ اللَّهَ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الدِّيَةَ الَّتِي فِي الْآيَةِ فِي الْخَطَأِ، وَبَيَانُ النَّبِيِّ لَهَا وَاَلَّذِي فِي الْمَتْنِ الْعَمْدُ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ رَقِيقًا إلَخْ) اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَا جَمْعَ لَهَا) الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ وَلَا وَاحِدَ لَهُ، لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ عَلَى هَذَا، وَاسْمُ الْجَمْعِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ بَلْ مِنْ مَعْنَاهُ.

قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ اللَّامِ) أَيْ وَالْخَاءِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ م د الصَّوَابُ، أَنَّهُ بِفَتْحِ الْخَاءِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَغَيْرِهِ

قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ.

قَوْلُهُ: (وَخَالَفَ الْكَفَّارَةَ أَيْضًا إلَخْ) أَيْ حَيْثُ اعْتَبَرُوا فِيهَا مَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ فَالثُّيُوبَةُ فِي الْأَمَةِ فِي غَيْرِ أَوَانِهَا عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ لَا فِي الْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهَا لَا تُخِلُّ بِالْعَمَلِ.

قَوْلُهُ: (مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ) أَيْ، وَإِنْ كَانَتْ مَعِيبَةً بِعَيْبٍ يُثْبِتُ الرَّدَّ فِي الْبَيْعِ كَالثُّيُوبَةِ فِي غَيْرِ أَوَانِهَا.

قَوْلُهُ: (إلَّا بِرِضَا إلَخْ) مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يُقْبَلُ مَعِيبٌ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُكَلَّفُ إلَخْ) أَيْ فَلَوْ تَكَلَّفَ وَحَصَّلَ الْإِبِلَ مِنْ غَالِبِ إبِلِ مَحَلِّهِ قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِخْرَاجِ مِنْ إبِلِهِ وَمِنْ إبِلِ غَالِبِ إبِلِ مَحَلِّهِ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَالْمُعْتَمَدُ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ إبِلِهِ إنْ كَانَتْ سَلِيمَةً وَغَالِبِ إبِلِ مَحَلِّهِ، وَإِنْ خَالَفَ نَوْعَ إبِلِهِ أَوْ كَانَتْ إبِلُهُ أَعْلَى مِنْ غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ، وَيُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى قَبُولِهِ، وَإِنْ كَانَتْ إبِلُهُ مَعِيبَةً تَعَيَّنَ الْغَالِبُ شَرْحَ م ر.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ) هَذَا خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْجَانِي.

قَوْلُهُ: (فَمِنْ غَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ إلَخْ) ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَالِبُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ إبِلِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ حَيْثُ قَالَ: يَتَعَيَّنُ نَوْعُ إبِلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>