الْمَقْتُولِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِيهِ أَمْ أُصِيبَ الْمَقْتُولُ فِيهِ، وَرُمِيَ مِنْ خَارِجِهِ أَمْ قَطَعَ السَّهْمُ فِي مُرُورِهِ هَوَاءَ الْحَرَمِ وَهُمَا بِالْحِلِّ.
تَنْبِيهٌ: الْكَافِرُ لَا تُغَلَّظُ دِيَتُهُ فِي الْحَرَمِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِهِ فَلَوْ دَخَلَهُ لِضَرُورَةٍ اقْتَضَتْهُ فَهَلْ تُغَلَّظُ، أَوْ يُقَالُ: هَذَا نَادِرٌ؟ الْأَوْجَهُ الثَّانِي.
وَخَرَجَ بِالْحَرَمِ الْإِحْرَامُ، لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَارِضَةٌ غَيْرُ مُسْتَمِرَّةٍ وَبِمَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ صَيْدِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَالثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) قَتَلَ خَطَأً (فِي) بَعْضِ (الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ) الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ: ذُو الْقَعْدَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَذُو الْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِقُعُودِهِمْ عَنْ الْقِتَالِ فِي الْأَوَّلِ، وَلِوُقُوعِ الْحَجِّ فِي الثَّانِي وَالْمُحَرَّمُ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهِ، وَقِيلَ: لِتَحْرِيمِ الْجَنَّةِ عَلَى إبْلِيسَ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُسْتَعْذَبِ، وَدَخَلَتْهُ اللَّامُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ، لِأَنَّهُ أَوَّلُهَا فَعَرَّفُوهُ كَأَنَّهُ قِيلَ: هَذَا الشَّهْرُ الَّذِي يَكُونُ أَبَدًا أَوَّلَ السَّنَةِ، وَرَجَبُ وَيُقَالُ: لَهُ الْأَصَمُّ وَالْأَصَبُّ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي عَدِّ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَجَعْلُهَا مِنْ سَنَتَيْنِ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
وَعَدَّهَا الْكُوفِيُّونَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي دُخُولِهَا وَقَالَ سم: لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْفِعْلِ وَالزُّهُوقِ فِيهَا فَلْيُحَرَّرْ.
قَوْلُهُ: (أَمْ قَطَعَ السَّهْمُ فِي مُرُورِهِ هَوَاءَ الْحَرَمِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فَمَرَّ الْكَلْبُ فِيهِ وَقَطَعَ هَوَاءَهُ وَقَتَلَهُ فِي الْحِلِّ، وَالْمُرْسِلُ خَارِجَهُ فَلَا تَغْلِيظَ، لِأَنَّ لِلْكَلْبِ اخْتِيَارًا ز ي.
قَوْله: (لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِهِ) أَيْ مُطْلَقًا لِضَرُورَةٍ أَوْ لَا ع ش عَلَى م ر وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ.
قَوْلُهُ: فِي حَرَمِ مَكَّةَ أَيْ وَلَوْ بِقَطْعِ هَوَائِهِ بِالسَّهْمِ، وَإِنْ مَاتَ خَارِجَهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ قَالَهُ الْعَلَّامَةُ م ر: وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ز ي تُغَلَّظُ مُطْلَقًا وَالتَّغْلِيظُ فِي هَذَا خَاصٌّ بِكَوْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُسْلِمًا لِمَنْعِ الذِّمِّيِّ مِنْ الدُّخُولِ وَلَوْ لِضَرُورَةٍ وَفَصَّلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ لِحَاجَةٍ فَتُغَلَّظَ، أَوْ لَا فَلَا اهـ.
قَوْلُهُ: (أَوْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الْأَرْبَعَةِ) وَلَا يَلْتَحِقُ بِهَا شَهْرُ رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ سَيِّدَ الشُّهُورِ، لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ فِيهَا التَّوْقِيفُ شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ.
قَوْلُهُ: (ذُو الْقَعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالْحِجَّةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
الْفَتْحُ فِي قَافٍ لِقَعْدَةِ صَحِّحُوا ... وَالْكَسْرُ فِي حَاءٍ لِحِجَّةٍ رَجِّحُوا
انْتَهَى، قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْأَخْبَارُ تَظَاهَرَتْ بَعْدَهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَهُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَنْ بَدَأَ بِالْمُحَرَّمِ، لِتَكُونَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتُصَّ الْمُحَرَّمُ بِالتَّعْرِيفِ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ السَّنَةِ فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: هَذَا الَّذِي يَكُونُ أَوَّلَ الْعَامِ دَائِمًا اهـ قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِي جَعْلِهِ أَوَّلَ الْعَامِ أَنْ يَحْصُلَ الِابْتِدَاءُ بِشَهْرٍ حَرَامٍ وَيُخْتَمَ بِشَهْرٍ حَرَامٍ، وَتُتَوَسَّطَ السَّنَةُ بِشَهْرٍ حَرَامٍ وَهُوَ رَجَبُ، وَإِنَّمَا تَوَالَى شَهْرَانِ فِي الْآخِرِ لِإِرَادَةِ تَفْضِيلِ الْخِتَامِ، وَالْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ شَوْبَرِيُّ وَقَوْلُهُ: تَظَاهَرَتْ بَعْدَهَا إلَخْ أَيْ فَهِيَ مِنْ سَنَتَيْنِ عَلَى الرَّاجِحِ لَا مِنْ سَنَةٍ.
قَوْلُهُ: (لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهِ) وَصَفَرَ، سُمِّيَ بِهِ لِخُلُوِّ مَكَّةَ فِيهِ عَنْ أَهْلِهَا لِلْقِتَالِ فِيهِ، وَالرَّبِيعَيْنِ لِارْتِبَاعِ النَّاسِ فِيهِمَا أَيْ إقَامَتِهِمْ، وَالْجُمَادَيْنِ لِجُمُودِ الْمَاءِ فِيهِمَا، وَرَجَبَ لِتَرْجِيبِهِمْ إيَّاهُ أَيْ تَعْظِيمِهِمْ، وَشَعْبَانَ لِتَشَعُّبِ الْقَبَائِلِ فِيهِ، وَرَمَضَانَ لِرَمَضِ الذُّنُوبِ فِيهِ، لِأَنَّهُ يُرْمِضُ الذُّنُوبَ أَيْ يُحْرِقُهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْقُلُوبَ تُؤْخَذُ فِيهِ مِنْ حَرَارَةِ الْمَوْعِظَةِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَقَلُوا أَسْمَاءَ الشُّهُورِ عَنْ اللُّغَةِ الْقَدِيمَةِ سَمَّوْهَا بِالْأَزْمِنَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا فَوَافَقَ زَمَنَ الْحَرِّ وَالرَّمَضِ، وَسُمِّيَ شَوَّالٌ بِذَلِكَ لِشَوْلِ أَذْنَابِ اللِّقَاحِ، أَيْ رَفْعِهَا عِنْدَ الْجِمَاعِ وَبَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (لِتَحْرِيمِ الْجَنَّةِ فِيهِ عَلَى إبْلِيسَ) أَيْ مَنْعِهِ مِنْهَا وَالْمُرَادُ إظْهَارُ التَّحْرِيمِ لَنَا، وَإِلَّا فَتَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ أَزَلِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَدَخَلَتْهُ اللَّامُ دُونَ غَيْرِهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَدْخَلُوا الْأَلِفَ وَاللَّامَ عَلَيْهِ لِلَمْحِ الصِّفَةِ فِي الْأَصْلِ، وَلَا يَجُوزُ دُخُولُهُمَا عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ قَوْمٍ وَعِنْدَ قَوْمٍ يَجُوزُ عَلَى صَفَرَ وَشَوَّالٍ اهـ وَقَالَ م ر الظَّاهِرُ أَنَّ أَلْ فِيهِ لِلَمْحِ الصِّفَةِ لَا لِلتَّعْرِيفِ، وَخَصُّهُ بِأَلْ وَبِالْمُحَرَّمِ مَعَ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي جَمِيعِهَا لِأَنَّهُ أَفْضَلُهَا فَالتَّحْرِيمُ فِيهِ