للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي (ذَهَابِ الْبَصَرِ) مِنْ الْعَيْنَيْنِ لِخَبَرِ مُعَاذٍ: «فِي الْبَصَرِ الدِّيَةُ» وَهُوَ غَرِيبٌ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ النَّظَرُ، وَفِي ذَهَابِ بَصَرِ كُلِّ عَيْنٍ نِصْفُهَا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً، حَادَّةً أَوْ كَالَّةً، صَحِيحَةً أَوْ عَلِيلَةً، عَمْشَاءَ أَوْ حَوْلَاءَ، مِنْ شَيْخٍ أَوْ طِفْلٍ حَيْثُ الْبَصَرُ سَلِيمٌ، فَلَوْ قَلَعَهَا لَمْ يَزِدْ عَلَى نِصْفِ الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ.

وَلَوْ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ زَوَالَ الضَّوْءِ، وَأَنْكَرَ الْجَانِي سُئِلَ عَدْلَانِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ.

إنْ كَانَ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَإِنَّهُمْ إذَا أَوْقَفُوا الشَّخْصَ فِي مُقَابَلَةِ عَيْنِ الشَّمْسِ، وَنَظَرُوا فِي عَيْنِهِ عَرَفُوا أَنَّ الضَّوْءَ ذَاهِبٌ، أَوْ مَوْجُودٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ اُمْتُحِنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِتَقْرِيبِ عَقْرَبٍ، أَوْ حَدِيدَةٍ مُحْمَاةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، مِنْ عَيْنِهِ بَغْتَةً وَنُظِرَ هَلْ يَنْزَعِجُ، أَوْ لَا.؟ فَإِنْ انْزَعَجَ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ، وَإِلَّا فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ.

وَإِنْ نَقَصَ ضَوْءُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنْ عُرِفَ قَدْرُ النَّقْصِ؛ بِأَنْ كَانَ يَرَى الشَّخْصَ مِنْ مَسَافَةٍ فَصَارَ لَا يَرَاهُ إلَّا مِنْ نِصْفِهَا مَثَلًا، فَقِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ.

(وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي (ذَهَابِ السَّمْعِ) لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ: «وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ» وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ.

وَلِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْحَوَاسِّ فَكَانَ كَالْبَصَرِ بَلْ هُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.

لِأَنَّ بِهِ يُدْرِكُ الْفَهْمَ وَيُدْرِكُ مِنْ الْجِهَاتِ السِّتِّ وَفِي النُّورِ وَالظُّلُمَاتِ، وَلَا يُدْرِكُ بِالْبَصَرِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ وَبِوَاسِطَةٍ مِنْ ضِيَاءٍ أَوْ شُعَاعٍ.

وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِتَفْضِيلِ الْبَصَرِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ السَّمْعَ لَا يُدْرِكُ بِهِ إلَّا الْأَصْوَاتَ وَالْبَصَرَ يُدْرِكُ بِهِ الْأَجْسَامَ وَالْأَلْوَانَ وَالْهَيْئَاتِ.

فَلَمَّا كَانَ تَعَلُّقَاتُهُ أَكْثَرَ كَانَ أَشْرَفَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ مِنْ تَحَقُّقِ زَوَالِهِ فَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: يَعُودُ وَقَدَّرُوا لَهُ مُدَّةً لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَعِيشَ إلَيْهَا اُنْتُظِرَتْ فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُقَدِّرُوا لَهُ مُدَّةً أُخِذَتْ الدِّيَةُ فِي الْحَالِ.

وَفِي إزَالَتِهِ مِنْ أُذُنٍ نِصْفُهَا لَا لِتَعَدُّدِ السَّمْعِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي مَنْفَذِهِ بِخِلَافِ ضَوْءِ الْبَصَرِ؛ إذْ تِلْكَ اللَّطِيفَةُ مُتَعَدِّدَةٌ وَمَحَلُّهَا الْحَدَقَةُ، بَلْ لِأَنَّ ضَبْطَ نُقْصَانِهِ بِالْمَنْفَذِ أَقْرَبُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَلَوْ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ زَوَالَهُ مِنْ أُذُنَيْهِ وَكَذَّبَهُ الْجَانِي وَانْزَعَجَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

غَيْرَ ضَامِنٍ. اهـ. كَالْحَرْبِيِّ لِأَنَّ شَأْنَ الْجِنَايَةِ الضَّمَانُ اهـ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ لِئَلَّا يَتَضَاعَفَ مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى إذَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً كَجِنَايَةِ الْحَرْبِيِّ أَنْ يَضْمَنَ بِجَمِيعِ الدِّيَةِ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُهُ فَالتَّعْلِيلُ لِلْأَغْلَبِ خِلَافًا لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ. اهـ.

قَوْلُهُ: (فِي ذَهَابِ الْبَصَرِ) مُقْتَضَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي إزَالَةِ الْعَيْنَيْنِ كَمَا سَبَقَ أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ فِي كُلٍّ مِنْ إزَالَتِهَا وَإِزَالَةِ بَصَرِهِمَا مَعَ أَنَّهُ إذَا فَقَأَهُمَا فَزَالَ بَصَرُهُمَا وَجَبَتْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا كَانَ لَا يُبْصِرُ بِهِمَا وَأَزَالَهُمَا كَانَ فِيهَا حُكُومَةٌ فَالْمَدَارُ عَلَى ذَهَابِ الْبَصَرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعْمِيمَ السَّابِقَ ذَكَرَهُ هُنَا.

وَالْبَصَرُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَصَبَتَيْنِ الْمُجَوَّفَتَيْنِ الْخَارِجَتَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ، ثُمَّ تَنْعَطِفُ الْعَصَبَةُ الَّتِي مِنْ الْجِهَةِ الْيُمْنَى إلَى الْجِهَةِ الْيُسْرَى وَاَلَّتِي مِنْ الْيُسْرَى إلَى الْيُمْنَى حَتَّى يَتَلَاقَيَا، ثُمَّ تَأْخُذُ الَّتِي مِنْ الْجِهَةِ الْيُمْنَى يَمِينًا وَاَلَّتِي مِنْ الْجِهَةِ الْيُسْرَى يَسَارًا حَتَّى تَصِلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ إلَى عَيْنٍ تُدْرِكُ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ الْأَلْوَانَ وَغَيْرَهَا، وَأَمَّا عِنْدَ السُّنَّةِ: فَإِدْرَاكُ مَا ذُكِرَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ إدْرَاكَ مَا ذُكِرَ فِي النَّفْسِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ تِلْكَ الْقُوَّةِ ز ي. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مَنْفَعَتَهُ) أَيْ الْبَصَرِ، وَالْمُرَادُ الْقُوَّةُ الْبَاصِرَةُ وَقَوْلُهُ: النَّظَرُ أَيْ الْإِدْرَاكُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّظَرِ أَقْوَى.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ قَلَعَهَا) أَيْ فَقَعَهَا.

قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْمَالُ بِخِلَافِ الْعَمْدِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْقِصَاصُ، وَالنِّسَاءُ لَا تُقْبَلُ إلَّا فِيمَا كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ الْمَالَ.

فَإِنْ قِيلَ: إذَا ثَبَتَ الْقِصَاصُ يُمْكِنُ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ عَلَى مَالٍ فَتَجِبَ الدِّيَةُ فَيَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالَ فَيُقْبَلَ فِيهِ النِّسَاءُ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ لَا أَصْلٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا

قَوْلُهُ: (عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ) مُعْتَمَدٌ م ر.

قَوْلُهُ: (الْفَهْمَ) أَيْ الْمَفْهُومَ مِنْ الشَّرَائِعِ وَغَيْرِهَا كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ م ر. وَنَصُّهَا، لِأَنَّ بِهِ يُدْرِكُ الشَّرْعَ الَّذِي بِهِ التَّكْلِيفُ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (أَوْ شُعَاعٍ) ، أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَالْمُرَادُ بِالشُّعَاعِ انْبِعَاثٌ أَيْ انْفِصَالُ أَشِعَّةٍ أَيْ أَجْزَاءٍ مِنْ الْعَيْنِ وَاتِّصَالُهَا بِالْمَرْئِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِتَفْضِيلِ الْبَصَرِ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ: " فَائِدَةٌ ": هَلْ حَاسَّةُ السَّمْعِ أَفْضَلُ مِنْ الْبَصَرِ أَوْ عَكْسُهُ فِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ، وَتَقَدُّمُ ذِكْرِ السَّمْعِ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ يَقْتَضِي أَفْضَلِيَّتَهُ اهـ. وَكَتَبَ الْعَلَّامَةُ سم بِهَامِشِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>