للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالصِّيَاحِ فِي نَوْمٍ، أَوْ غَفْلَةٍ فَكَاذِبٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّصَنُّعِ.

وَإِنْ لَمْ يَنْزَعِجْ بِالصِّيَاحِ وَنَحْوِهِ، فَصَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ وَحُلِّفَ حِينَئِذٍ لِاحْتِمَالِ تَجَلُّدِهِ وَأَخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ نَقَصَ سَمْعُهُ فَقِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ إنْ عُرِفَ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ بِاجْتِهَادِ قَاضٍ.

(وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي (ذَهَابِ الشَّمِّ) مِنْ الْمَنْخِرَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَهُوَ غَرِيبٌ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَاسِّ النَّافِعَةِ فَكُمِّلَتْ فِيهِ الدِّيَةُ كَالسَّمْعِ، وَفِي إزَالَةِ شَمِّ كُلِّ مَنْخِرٍ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَوْ نَقَصَ الشَّمُّ وَجَبَ بِقِسْطِهِ مِنْ الدِّيَةِ إنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ أَنْكَرَ الْجَانِي زَوَالَهُ اُمْتُحِنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي غَفَلَاتِهِ بِالرَّوَائِحِ الْحَادَّةِ فَإِنْ هَشَّ لِلطِّيبِ وَعَبَسَ لِغَيْرِهِ حُلِّفَ الْجَانِي لِظُهُورِ كَذِبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا حُلِّفَ هُوَ لِظُهُورِ صِدْقِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ.

(وَ) تُكَمَّلُ دِيَةُ النَّفْسِ فِي (ذَهَابِ الْعَقْلِ) إنْ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي مُدَّةٍ يُظَنُّ أَنَّهُ يَعِيشُ إلَيْهَا كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَعَانِي وَبِهِ يَتَمَيَّزُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهِيمَةِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْمُرَادُ الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ الَّذِي بِهِ التَّكْلِيفُ دُونَ الْمُكْتَسَبِ الَّذِي بِهِ حُسْنُ التَّصَرُّفِ: فَفِيهِ حُكُومَةٌ فَإِنْ رُجِيَ عَوْدُهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ اُنْتُظِرَ فَإِنْ عَادَ فَلَا ضَمَانَ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ: (وَتَقَدُّمُ ذِكْرِ السَّمْعِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ شَيْخُنَا السَّيِّدُ الشَّرِيفُ عِيسَى الصَّفْوِيُّ بِأَنَّهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْقُرْآنِ ذَكَرَ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ فَقَطْ مُقَدِّمًا لِلْأَوَّلِ وَفِي مَوَاضِعَ ذَكَرَ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ مُقَدِّمًا لِلْأَوَّلِ ثُمَّ الثَّانِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ} [النحل: ٧٨] فَفِي الْمَوَاضِعِ الثَّانِيَةِ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّدَلِّي، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ أَفْضَلُ مِنْ الْفُؤَادِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي فَيَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيمُ السَّمْعِ عَلَى الْبَصَرِ فِي الْمَوَاضِعِ الْأُوَلِ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي فَيَكُونَ الْبَصَرُ أَفْضَلَ عَلَى مُقْتَضَى الِاسْتِدْلَالِ بِالتَّقْدِيمِ فِي الْآيَاتِ.

أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ التَّقْدِيمَ يَدُلُّ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ كَالْأَفْئِدَةِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّانِيَةِ اهـ. بِحُرُوفِهِ قَالَ ع ش: السَّمْعُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ فِي الصِّمَاخِ يُدْرِكُ بِهَا الصَّوْتَ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِكَيْفِيَّةِ الصَّوْتِ إلَى الصِّمَاخِ أَيْ خَرْقِ الْأُذُنِ، وَعِنْدَ السُّنَّةِ أَنَّ الْوُصُولَ الْمَذْكُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى خَلَقَ اللَّهُ الْإِدْرَاكَ فِي النَّفْسِ عِنْدَ ذَلِكَ، اهـ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) هَذِهِ طَرِيقَةٌ لَهُ وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ ز ي أَنَّ السَّمْعَ أَفْضَلُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ تَحَقُّقِ زَوَالِهِ) الْمُرَادُ بِالتَّحَقُّقِ غَلَبَةُ الظَّنِّ.

قَوْله: (فَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ) أَيْ اثْنَانِ مِنْهُمْ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (إذْ تِلْكَ اللَّطِيفَةُ) أَيْ الْبَصَرُ مُتَعَدِّدَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ اعْتِبَارُ النِّصْفِ فِيمَا إذَا أَزَالَهُ مِنْ أُذُنٍ وَاحِدَةٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَقُولُ الْوَاجِبُ الْقِسْطُ أَيْ قِسْطُ مَا نَقَصَ مِنْ السَّمْعِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (كُلِّ مَنْخِرٍ) بِوَزْنِ مَجْلِسٍ ثُقْبُ الْأَنْفِ وَقَدْ تُكْسَرُ الْمِيمُ إتْبَاعًا لِكِسْرَةِ الْخَاءِ كَمَا قَالُوا: مُنْتِنٌ وَهُمَا نَادِرَانِ، لِأَنَّ مُفْعِلٌ لَيْسَ مِنْ الْمَشْهُورِ، وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا فَتْحُهُمَا وَضَمُّهُمَا، وَمُنْخُورٌ كَعُصْفُورٍ فَاللُّغَاتُ خَمْسٌ.

قَوْلُهُ: (وَجَبَ بِقِسْطِهِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ.

قَوْلُهُ: (بِالرَّوَائِحِ الْحَادَّةِ) أَيْ الْقَوِيَّةِ مِنْ الطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ هَشَّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ هَشَّ الرَّجُلُ هَشَاشَةً مِنْ بَابِ تَعِبَ وَضَرَبَ تَبَسَّمَ وَارْتَاحَ.

قَوْلُهُ: (عَبَسَ) بَابُهُ ضَرَبَ وَفِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ أَنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ يُقَالُ عَبَسَ الرَّجُلُ كَلَحَ وَبَابُهُ جَلَسَ وَعَبَّسَ وَجْهَهُ شُدِّدَ لِلْمُبَالَغَةِ. اهـ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ عَبَسَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ عُبُوسًا قَلَبَ وَجْهَهُ فَهُوَ عَابِسٌ. اهـ.

قَوْلُهُ: (فِي ذَهَابِ الْعَقْلِ) لَوْ قَدَّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ، لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَعَانِي إلَخْ وَسُمِّيَ عَقْلًا، لِأَنَّهُ يَعْقِلُ صَاحِبَهُ أَيْ يَمْنَعُهُ مِنْ ارْتِكَابِ مَا لَا يَلِيقُ مِنْ الْمَعَاصِي وَالتَّوَرُّطِ فِي الْمَهَالِكِ اهـ.

قَوْلُهُ: (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى كَمَالِ الدِّيَةِ فِي ذَهَابِ الْعَقْلِ.

قَوْلُهُ: (فَفِيهِ حُكُومَةٌ) وَلَا تَبْلُغُ قَدْرَ دِيَةِ الْعَقْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>