للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ أَخَذَ بِأَصَابِعِهِ مَاءً لِرَأْسِهِ فَلَمْ يَمْسَحْهُ بِمَاءِ بَعْضِهَا وَمَسَحَ بِهِ الْأُذُنَيْنِ كَفَى؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ جَدِيدٌ.

فَائِدَةٌ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ أَعْطَانِي نَهْرًا يُقَالُ لَهُ الْكَوْثَرُ فِي الْجَنَّةِ لَا يُدْخِلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ إلَّا سَمِعَ خَرِيرَ ذَلِكَ النَّهْرِ. قَالَتْ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَدْخِلِي أُصْبُعَيْك فِي أُذُنَيْك وَسُدِّي فَاَلَّذِي تَسْمَعِينَ فِيهِمَا مِنْ خَرِيرِ الْكَوْثَرِ» وَهَذَا النَّهْرُ يَتَشَعَّبُ مِنْهُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَكْفِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِحْبَابَ مَسْحِهِمَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِاسْتِيعَابِ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَمَنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مُتَمَسِّكًا بِذِكْرِ ذَلِكَ عَقِبَ مَسْحِ كُلِّهَا فَقَدْ وَهَمَ م ر.

قَوْلُهُ: (مَاءً لِرَأْسِهِ) وَصَوَّرُوهُ بِأَنَّهُ بَلَّ أَصَابِعَهُ لِمَسْحِ رَأْسِهِ، فَعَنَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَهُ بِبَعْضِ الْأَصَابِعِ وَتَرَكَ بَعْضَهَا لِلْأُذُنَيْنِ فَيَكْفِي؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ جَدِيدٌ.

قَوْلُهُ: (خَرِيرَ ذَلِكَ النَّهْرِ) أَيْ مِثْلَ صَوْتِ خَرِيرِ الْكَوْثَرِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا حَاجَةَ لِجَعْلِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ.

قَوْلُهُ: (وَكَيْفَ ذَلِكَ) أَيْ الْإِدْخَالُ أَيْ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ يَكُونُ هَلْ مَعَ السَّدِّ أَوْ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ كَيْفَ لِلْأَحْوَالِ.

قَوْلُهُ: (أَدْخِلِي أُصْبُعَيْك) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ. وَقَوْلُهُ: (وَسُدِّي) أَيْ أُذُنَيْك بِأَنْ تُبَالِغِي فِي إدْخَالِ أُصْبُعَيْك فِيهِمَا.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِنَبِيِّنَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْخَصَائِصِ وَشَرْحُهَا لِلْمُنَاوِيِّ وَخُصَّ بِالْكَوْثَرِ أَيْ بِنَهْرِهِ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١] وَلِخَبَرِ أَبِي نُعَيْمٍ وَغَيْرِهِ: «أُوتِيتُ الْكَوْثَرَ آنِيَتُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ» زَادَ أَبُو سَعِيدٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَابْنُ سُرَاقَةَ: وَبِالْحَوْضِ. قُلْتُ لَكِنْ يَرُدُّهُ مَا وَرَدَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا. «إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا: «إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى حَوْضِهِ بِيَدِهِ عَصًا يَدْعُو مَنْ عَرَفَهُ مِنْ أُمَّتِهِ، أَلَا، وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ تَبَعًا، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَبَعًا» وَفِي حَدِيثٍ فِي خَصَائِصِهِ «، وَإِنَّ حَوْضَهُ أَعْرَضُ الْحِيَاضِ» أَيْ حِيَاضِ الْأَنْبِيَاءِ " وَأَكْثَرُهَا وُرَّادًا ".

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَوْلُ الْبَكْرِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْوَاسِطِيِّ: لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضٌ إلَّا صَالِحًا، فَإِنَّ حَوْضَهُ ضَرْعُ نَاقَتِهِ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوْ يَشْهَدُ لَهُ. اهـ. فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صَرِيحًا أَنَّ الْحَوْضَ لَيْسَ مِنْ الْخَصَائِصِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُخْتَصُّ بِنَبِيِّنَا الْكَوْثَرُ الَّذِي يُصَبُّ مِنْ مَائِهِ فِي حَوْضِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ نَظِيرُهُ لِغَيْرِهِ، وَأَنَّ حَوْضَهُ أَكْبَرُ الْحِيضَانِ، وَأَكْثَرُ وُرَّادًا، وَأَنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا. قَالَ الْقَابِسِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْحَوْضَ قَبْلَ الْمِيزَانِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْكَشْفِ: حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْحَوْضَ بَعْدَ الصِّرَاطِ وَهُوَ غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ عِطَاشًا فَنَاسَبَ تَقْدِيمُهُ، وَخَالَفَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهُ بَعْدَ الْحِسَابِ وَالنَّجَاةِ مِنْ النَّارِ وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ وَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ فِيهِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَيْفَ يَعُودُ لِلْحِسَابِ أَوْ يَذُوقُ نَكَالَ الْعَذَابِ؟ . فَالْقَوْلُ بِهِ أَوْهَى مِنْ السَّرَابِ.

وَقَالَ فِي تَذْكِرَتِهِ: ذَهَبَ صَاحِبُ الْقُوتِ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ الْحَوْضَ يَكُونُ بَعْدَ الصِّرَاطِ وَعَكَسَ آخَرُونَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ حَوْضَيْنِ. أَحَدُهُمَا فِي الْمَوْقِفِ قَبْلَ الصِّرَاطِ، وَالْآخَرُ جَنْبَ الْجَنَّةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى كَوْثَرًا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَوْثَرَ نَهْرٌ دَاخِلُ الْجَنَّةِ كَمَا فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ: «الْكَوْثَرُ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ تُرَابُهُ مِسْكٌ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ، تَرِدُهُ طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا مِثْلُ أَعْنَاقِ الْجَزُورِ آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا» وَهَذَا النَّهْرُ هُوَ الَّذِي يَصُبُّ فِي الْحَوْضِ فَهُوَ مَادَّةُ الْحَوْضِ كَمَا جَاءَ صَرِيحًا فِي الْبُخَارِيِّ فَلِذَا سُمِّيَ الْحَوْضُ كَوْثَرًا؛ لِأَنَّ مَاءَهُ مِنْهُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١] هُوَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ عُمْقُهُ سَبْعُونَ أَلْفَ فَرْسَخٍ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ، شَاطِئَاهُ مِنْ اللُّؤْلُؤِ أَوْ الزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ، خَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ قَبْلَ الْأَنْبِيَاءِ.

وَمَا ذُكِرَ فِي عُمْقِهِ قَدْ يُخَالِفُ مَا أَخْرَجَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>