للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا وَعَلَى مُحِبِّينَا بِالشُّرْبِ مِنْهُ، فَإِنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا.

(وَ) السَّابِعَةُ (تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ) وَكُلُّ شَعْرٍ يَكْفِي غَسْلُ ظَاهِرِهِ بِالْأَصَابِعِ مِنْ أَسْفَلِهِ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ الْكَرِيمَةَ» ؛ وَلِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» أَمَّا مَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ ذَلِكَ كَالْخَفِيفِ وَالْكَثِيفِ الَّذِي فِي حَدِّ الْوَجْهِ مِنْ لِحْيَةِ غَيْرِ الرَّجُلِ وَعَارِضَيْهِ، فَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَمَنَابِتِهِ بِتَخْلِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي سَنِّ التَّخْلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي خَادِمِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي، لَكِنَّ الْمُحْرِمَ يُخَلِّلُ بِرِفْقٍ لِئَلَّا يَتَسَاقَطَ مِنْهُ شَعْرٌ كَمَا قَالُوهُ فِي تَخْلِيلِ شَعْرِ الْمَيِّتِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ سِمَاكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ لِابْنِ عَبَّاسٍ: «فَمَا أَنْهَارُ الْجَنَّةِ فِي أُخْدُودٍ؟ قَالَ: لَا، لَكِنَّهَا تَجْرِي عَلَى أَرْضِهَا مُسْتَمْسِكَةً لَا تَفِيضُ هَهُنَا وَلَا هَهُنَا» . وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي أُخْدُودٍ كَالْجَدَاوِلِ وَمَجَارِي الْأَنْهَارِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ، بَلْ سَائِحَةٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَعَ عِظَمِهَا وَارْتِفَاعِ حَافَّاتِهَا، فَلَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ فِي عُمْقِهَا. قَالَ الْقَاضِي: الْحَوْضُ عَلَى ظَاهِرِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَحَدِيثُهُ مُتَوَاتِرٌ فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، وَتَرَدَّدَ الْبَعْضُ فِي تَكْفِيرِ مُنْكَرِهِ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِنَبِيِّنَا، الْمُخْتَصُّ بِنَبِيِّنَا إنَّمَا هُوَ الْحَوْضُ الَّذِي بِجَنْبِ الْجَنَّةِ النَّازِلِ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ الْكَوْثَرِ، وَإِلَّا فَكُلُّ نَبِيٍّ لَهُ حَوْضٌ.

قَوْلُهُ: (نَسْأَلُ اللَّهَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي حَوْضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي هُوَ خَارِجُ الْجَنَّةِ الَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَوْ قَبْلَ النَّارِ، فَذَكَرَهُ فِي الْكَوْثَرِ الَّذِي هُوَ فِي الْجَنَّةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ ظَمَأٌ. اهـ. ق ل: وَأُجِيبَ: بِأَنَّ مَاءَ الْحَوْضِ مِنْ مَاءِ الْكَوْثَرِ؛ لِأَنَّ لَهُ مِيزَانًا مُتَّصِلًا بِالْكَوْثَرِ يَصُبُّ فِي الْحَوْضِ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْ الْحَوْضِ فَقَدْ شَرِبَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الْكَوْثَرِ، فَقَوْلُهُ: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَاءِ الْمَصْبُوبِ مِنْهُ فِي الْحَوْضِ. أَوْ يُقَالُ: أَرَادَ بِالشُّرْبِ لَازِمَهُ وَهُوَ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَهُوَ لَا يَظْمَأُ بَعْدَ تِلْكَ الشَّرْبَةِ. اهـ اج قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ: الْمُرَادُ بِالْكَوْثَرِ الْحَوْضُ، وَعِبَارَتُهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: هُوَ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي وَهُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي آنِيَتُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ» . وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: يُطْلَقُ عَلَى الْحَوْضِ كَوْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَمُدُّ مِنْهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَوْضَ بَعْدَ الصِّرَاطِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الصِّرَاطِ لَحَالَتْ النَّارُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ الَّذِي يَنْصَبُّ فِيهِ مِنْ الْكَوْثَرِ.

وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَوْضَ إذَا كَانَ عِنْدَ الْجَنَّةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الشُّرْبِ مِنْهُ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُمْ يُحْبَسُونَ هُنَاكَ لِأَجْلِ الْمَظَالِمِ الَّتِي بَيْنَهُمْ حَتَّى يَتَحَالَوْا مِنْهَا، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِمَوْقِفِ الْقِصَاصِ أَيْ يُسَامِحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَقِيلَ: لَهُ حَوْضَانِ حَوْضٌ قَبْلَ الصِّرَاطِ وَحَوْضٌ بَعْدَهُ. اهـ. شَرْحُ الْجَوْهَرَةِ لِلْمُصَنِّفِ.

قَوْلُهُ: (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ إلَخْ) أَيْ إلَّا الْمُحْرِمَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُخَلِّلُ بِرِفْقٍ م ر. وَيُفَارِقُ سَنَّ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لِلصَّائِمِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُؤَدِّي لِلْوُصُولِ لِلْجَوْفِ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيلَ أَقْرَبُ لِنَتْفِ الشَّعْرِ اهـ. سم ع ش. قَوْلُهُ: (وَكُلُّ شَعْرٍ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ. قَوْلُهُ: (بِالْأَصَابِعِ) أَيْ مِنْ الْيَدِ الْيُمْنَى.

قَوْلُهُ: (مِنْ أَسْفَلِهِ) الْأَوْلَى مِنْ أَسْفَلِهَا. إذْ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ مُؤَنَّثٌ وَهِيَ اللِّحْيَةُ ق ل. وَأَقُولُ: بَلْ الْأَوْلَى التَّذْكِيرُ إذْ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ مُذَكَّرٌ وَهُوَ الشَّعْرُ، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ. اهـ اج. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ مِنْ أَسْفَلِهِ أَيْ عَلَى الْأَفْضَلِ، وَيَحْصُلُ بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ كَانَتْ، وَكَذَا يُقَالُ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ كَمَا قَالَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: «أَمَرَنِي رَبِّي» أَيْ أَمْرَ نَدْبٍ.

قَوْلُهُ: (مِنْ لِحْيَةِ غَيْرِ الرَّجُلِ) الْأَوْلَى مِنْ غَيْرِ لِحْيَةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَشْمَلُ غَيْرَ اللِّحْيَةِ وَالْعَارِضَيْنِ مِنْ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ الدَّاخِلِ فِي حَدِّ الْوَجْهِ وَلَوْ مِنْ الرَّجُلِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) هُوَ رَأْيٌ ضَعِيفٌ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَ م ر، وَتَبِعَهُ ز ي عَدَمُ التَّخَيُّلِ لِلْمُحْرِمِ. اهـ اج، وَبَعْدَ ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ التَّخْلِيلُ مَكْرُوهًا أَوْ حَرَامًا؟ . فِيهِ تَفْصِيلٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>