للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» وَلِأَنَّ الْقَصْدَ تَأْدِيبُهَا.

وَالزَّانِيَةُ إذَا خَرَجَتْ وَحْدَهَا هَتَكَتْ جِلْبَابَ الْحَيَاءِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ لَمْ يُجْبَرْ. كَمَا فِي الْحَجِّ، لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيبَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ وَلَا يَأْثَمُ بِامْتِنَاعِهِ. كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ فَيُؤَخَّرُ تَغْرِيبُهَا إلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ مَنْ يَخْرُجُ مَعَهَا، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي حَدِّ غَيْرِ الْحُرِّ قَالَ (وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ) الْمُكَلَّفَيْنِ وَلَوْ مُبَعَّضَيْنِ (حَدُّهُمَا نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ) وَهُوَ خَمْسُونَ جَلْدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] وَالْمُرَادُ الْجَلْدُ، لِأَنَّ الرَّجْمَ قَتْلٌ، وَالْقَتْلُ لَا يَتَنَصَّفُ.

وَرَوَى مَالِكٌ وَأَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِعَبْدٍ وَأَمَةٍ زَنَيَا فَجَلَدَهُمَا خَمْسِينَ خَمْسِينَ إذْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْأُنْثَى بِجَامِعِ الرِّقِّ. وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ لَعَمَّ الْمُكَاتَبَ، وَأَمَّ الْوَلَدِ وَالْمُبَعَّضَ. وَيُغَرَّبُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ نِصْفَ سَنَةٍ. كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ نِصْفُ الْحُرِّ وَلِعُمُومِ الْآيَةِ فَأَشْبَهَ الْجَلْدَ.

تَنْبِيهٌ: مُؤْنَةُ الْمُغَرَّبِ فِي مُدَّةِ تَغْرِيبِهِ عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ حُرًّا وَعَلَى سَيِّدِهِ إنْ كَانَ رَقِيقًا. وَإِنْ زَادَتْ عَلَى مُؤْنَةِ الْحُرِّ وَلَوْ زَنَى الْعَبْدُ الْمُؤَجَّرُ حُدَّ. وَهَلْ يُغَرَّبُ فِي الْحَالِ وَيَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ، أَوْ يُؤَخَّرُ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ؟ وَجْهَانِ: حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَقْرُبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ طُولِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقِصَرِهَا قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ ذَلِكَ فِي الْأَجِيرِ الْحُرِّ أَيْضًا انْتَهَى. وَالْأَوْجَهُ: أَنَّهُ لَا يُغَرَّبَ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ كَمَا لَا يُحْبَسُ لِغَرِيمِهِ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْحَبْسِ بَلْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

ثِقَاتٌ وَثِقَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَمْسُوحٌ ثِقَةٌ، وَعَبْدُهَا الثِّقَةُ إذَا كَانَتْ ثِقَةً وَكَذَا سَفَرُهَا وَحْدَهَا إذَا أَمِنَتْ الطَّرِيقَ وَالْمَقْصِدَ كَمَا فِي الْحَجِّ بَلْ أَوْلَى وَالْمُرَادُ بِصُحْبَةِ مَنْ ذُكِرَ مَعَهَا صُحْبَتُهُ ذَهَابًا، وَإِيَابًا لَا إقَامَةً.

قَوْلُهُ: (مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) اُنْظُرْ أَيَّ فَائِدَةٍ فِي " ذِي " مَعَ أَنَّ مَحْرَمًا اسْمٌ لِلشَّخْصِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحْرَمِ الْمَحْرَمِيَّةُ.

قَوْلُهُ: (جِلْبَابَ) أَيْ سُتْرَةَ فَإِضَافَتُهُ إلَى الْحَيَاءِ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ أَيْ: الْحَيَاءَ الَّذِي كَالْجِلْبَابِ بِجَامِعِ الْمَنْعِ فِي كُلٍّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِأُجْرَةٍ) فَتَجِبُ عَلَيْهَا إنْ قَدَرَتْ، وَإِلَّا فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ أُخِّرَ التَّغْرِيبُ إلَى أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الْأُجْرَةِ، وَقِيلَ تَكُونُ عَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَعِبَارَةُ م ر: فَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً فَفِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ أُخِّرَ التَّغْرِيبُ إلَى أَنْ تُوسِرَ كَأَمْنِ طَرِيقٍ اهـ. قَالَ الزِّيَادِيُّ وَيُتَّجَهُ فِي الْقِنَّةِ أَنَّهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ سَوَاءٌ غَرَّبَ السَّيِّدُ، أَوْ الْإِمَامُ كَالْحُرَّةِ الْمُعْسِرَةِ.

قَوْلُهُ: (الْمُكَلَّفَيْنِ) نَعْتٌ مَقْطُوعٌ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَعْنِي الْمُكَلَّفَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ النَّعْتَ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ إلَّا إذَا تَعَيَّنَ الْمَنْعُوتُ بِدُونِهِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: ٢٥] بِالتَّزْوِيجِ وَالْمُرَادُ بِإِحْصَانِهِنَّ صَيْرُورَتُهُنَّ عَفِيفَاتٍ بِسَبَبِ التَّزْوِيجِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْبَيْضَاوِيِّ، لِأَنَّ الْإِحْصَانَ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ لَا يُوصَفُ بِهِ الرَّقِيقُ فَالْإِحْصَانُ لَيْسَ قَيْدًا، لِأَنَّ الْبِكْرَ تُحَدُّ أَيْضًا وَتُغَرَّبُ.

قَوْلُهُ: {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: ٢٥] أَيْ الْحَرَائِرِ وَقَوْلُهُ: مِنْ الْعَذَابِ شَامِلٌ لِلتَّغْرِيبِ، لِأَنَّهُ عَذَابٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ " وَلِعُمُومِ الْآيَةِ " اهـ.

قَوْلُهُ: (خَمْسِينَ خَمْسِينَ) كَرَّرَهُ مَرَّتَيْنِ، لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الْخَمْسِينَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْحَدَّ شَامِلٌ لِلتَّغْرِيبِ. قَوْلُهُ: (وَلِعُمُومِ الْآيَةِ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ حَمَلَهَا أَوَّلًا عَلَى الْجَلْدِ وَقَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ الْجَلْدَ إلَخْ. فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ عَلَى فَرْضِ عُمُومِ الْآيَةِ يَكُونُ بِالنَّصِّ لَا بِالشَّبَهِ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ إحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ وَهُمَا عُمُومٌ فِي الْحَدِيثِ وَقَوْلِهِ: فَأَشْبَهَ الْجَلْدَ.

قَوْلُهُ: (عَلَى نَفْسِهِ) وَهَذَا شَامِلٌ لِلزَّوْجَةِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُمْكِنَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فَإِنْ صَحِبَهَا وَتَمَتَّعَ بِهَا فَيَنْبَغِي وُجُوبُ نَفَقَتِهَا سم. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُغَرَّبِ مَالٌ فَيَقْتَرِضُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُوسِرَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ قَرْضًا لَا تَبَرُّعًا.

قَوْلُهُ: (عَلَى مُؤْنَةِ الْحُرِّ) صَوَابُهُ عَلَى مُؤْنَةِ الْحَضَرِ فَإِنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ نَفَقَتَهُ الزَّائِدَةَ عَلَى مُؤْنَةِ الْحَضَرِ فِي بَيْتِ الْمَالِ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ) أَيْ الْمُؤَجَّرَ حُرًّا كَانَ، أَوْ رَقِيقًا لَا يُغَرَّبُ إلَخْ مُعْتَمَدٌ وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُغَرَّبُ فِي الْحَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>