للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْلَى، لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ آدَمِيٍّ وَهَذَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهَا حَبْسٌ فَإِنَّهَا تُحْبَسُ، وَلَوْ فَاتَ التَّمَتُّعُ عَلَى الزَّوْجِ، لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لَهُ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَهُوَ كَذَلِكَ.

وَيَثْبُتُ الزِّنَا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ لِآيَةِ: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: ١٥] ، أَوْ إقْرَارٍ حَقِيقِيٍّ وَلَوْ مَرَّةً، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْبَيِّنَةِ التَّفْصِيلُ فَتَذْكُرُ بِمَنْ زَنَى لِجَوَازِ أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا وَالْكَيْفِيَّةَ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ الْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَتَتَعَرَّضُ لِلْحَشَفَةِ، أَوْ قَدْرِهَا وَقْتَ الزِّنَا، فَتَقُولُ رَأَيْنَاهُ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ، أَوْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُغَرَّبُ فِي الْحَالِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ كَالْخِيَاطَةِ وَالْكِتَابَةِ.

قَوْلُهُ: (إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ) كَالْبِنَاءِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْحَبْسَ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ التَّغْرِيبُ حَقُّ اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا تُحْبَسُ) مَعَ أَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُسْتَأْجَرَةَ لِلزَّوْجِ، لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ صَارَتْ كَأَنَّهَا مُسْتَأْجَرَةً لَهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ فَاتَ التَّمَتُّعُ) غَايَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ) أَيْ حَيْثُ قَالُوا: إنَّ الْعَبْدَ حَدُّهُ نِصْفُ الْحُرِّ. وَغَرَضُهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ الرَّقِيقَ الْكَافِرَ لَا يُحَدُّ، لِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِلْأَحْكَامِ حُكْمًا تَبَعًا لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ تُحَدُّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهَا جِزْيَةٌ، لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِزَوْجِهَا، أَوْ لِأَهْلِهَا.

قَوْلُهُ: (بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ) وَيُزَادُ اللِّعَانُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَلَا يَثْبُتُ الزِّنَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَلَا بِحَبَلِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ خَلِيَّةٌ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ: وَإِذَا ظَهَرَ بِالْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ حَمْلٌ لَا زَوْجَ لَهَا وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الَّتِي لَا يُعْرَفُ لَهَا زَوْجٌ وَتَقُولُ أُكْرِهْتُ، أَوْ وُطِئْتُ بِشُبْهَةٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَدٌّ كَمَا قَالَهُ: أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَظْهَرِ رِوَايَتَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهَا تُحَدُّ إذَا كَانَتْ مُقِيمَةً لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الشُّبْهَةِ وَالْغَصْبِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ كَمَجِيئِهَا مُسْتَغِيثَةً وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ بِهِ صِدْقُهَا، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ عَدَمُ تَحَقُّقِنَا مِنْهَا مَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُطِئَتْ وَهِيَ نَائِمَةٌ، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ " أَنَّ امْرَأَةً لَا زَوْجَ لَهَا أُتِيَ بِهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ وَجَدُوهَا حَامِلًا فَقَالَ عُمَرُ لِلْحَاضِرِينَ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ مَا هِيَ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ، ثُمَّ اسْتَفْهَمَهَا عَنْ شَأْنِهَا، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي امْرَأَةٌ أَرْعَى الْغَنَمَ، وَإِذَا دَخَلْتُ فِي صَلَاتِي فَرُبَّمَا غَلَبَ عَلَيَّ الْخُشُوعُ فَأَغِيبُ عَنْ إحْسَاسِي فَرُبَّمَا أَتَى أَحَدٌ مِنْ الْعُتَاةِ فَغَشِيَنِي مِنْ غَيْرِ عِلْمِي أَيْ وَطِئَنِي قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا} [الأعراف: ١٨٩] إلَخْ فَقَالَ لَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَذَلِكَ ظَنِّي بِكِ وَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ، وَقَدْ حَكَيْت ذَلِكَ لِزَوْجَتِي أُمِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَتْ: إنَّ الْوَلَدَ لَا يَتَخَلَّقُ إلَّا مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا، وَإِذَا كَانَتْ غَائِبَةَ الْعَقْلِ فَلَا شُعُورَ لَهَا بِلَذَّةِ جِمَاعِ ذَلِكَ الرَّجُلِ حَتَّى يَخْرُجَ مَاؤُهَا وَتَخَلُّقُ الْوَلَدِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ خَصَائِصِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَتْ: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا شَعَرَتْ بِوَطْءِ الرَّجُلِ لَهَا فَخَرَجَ مَاؤُهَا وَلَكِنْ اسْتَحْيَتْ مِنْ النَّاسِ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً عِنْدَ عُمَرَ فَدَرَأَ الْحَدَّ عَنْهَا. إلَّا إنَّهُ سَلَّمَ لَهَا قَوْلَهَا مُطْلَقًا فَقُلْت لَهَا: وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ احْتَلَمَتْ بَعْدَ نَزْعِ الرَّجُلِ مِنْهَا فَاخْتَلَطَ مَنِيُّهَا بِمَنِيِّهِ الْبَاقِي فِي رَحِمِهَا فَتَخَلَّقَ مِنْ ذَلِكَ الْوَلَدُ، أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ وَرَثَةِ أُمِّ عِيسَى فِي الْمَقَامِ فَكَمَا قَامَ نَفْخُ الْمَلَكِ فِي ذَيْلِ قَمِيصِ مَرْيَمَ مَقَامَ مَاءِ الزَّوْجِ كَذَلِكَ قَامَ نَفْخُ مَلَكٍ، أَوْ شَيْطَانٍ فِي ذَيْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مَقَامَ مَاءِ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ عَادَةً فَقَالَتْ: هَذَا بَعِيدٌ اهـ. وَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِك الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إنَّهَا تُحَدُّ فَهُوَ لِعَدَمِ إبْدَائِهَا شُبْهَةً يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ عَنْهَا عِنْدَهُ فَاعْلَمْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَرَّةً) . غَايَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِأَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ إلَّا بِتَعَدُّدِ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ، لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ شَاهِدٍ، وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ لِلْمُقِرِّ بِالزِّنَا: «لَعَلَّكَ لَمَسْتَ لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ لَعَلَّكَ فَاخَذْتَ فَصَارَ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ زَنَيْتُ» . قَوْلُهُ: (فَتَذْكُرُ بِمَنْ زَنَى) أَيْ فَتُصَرِّحُ بِاَلَّتِي زَنَى بِهَا كَأَنْ تَقُولَ: أَدْخَلَ حَشَفَتَهُ فِي فَرْجِ فُلَانَةَ عَلَى سَبِيلِ الزِّنَا. وَلَا بُدَّ أَنْ تَذْكُرَ الْإِحْصَانَ، أَوْ عَدَمَهُ كَمَا فِي الْعُبَابِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (وَالْكَيْفِيَّةَ) أَيْ كَيْفِيَّةَ مَا وُجِدَ مِنْهُ هَلْ هُوَ إيلَاجٌ أَوْ غَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (وَتَتَعَرَّضُ لِلْحَشَفَةِ) تَفْصِيلٌ لِلْكَيْفِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَقْتَ الزِّنَا) وَكَذَا مَكَانُهُ لَا بُدَّ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَحِلُّ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ وَفِي مَكَان دُونَ مَكَان.

قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>