للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَثٍّ فِي جَيْبِهِ تَمَامُ نِصَابٍ، وَإِنْ جَهِلَهُ السَّارِقُ، لِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ، وَالْجَهْلُ بِجِنْسِهِ لَا يُؤَثِّرُ كَالْجَهْلِ بِصِفَتِهِ وَبِنِصَابٍ ظَنَّهُ فُلُوسًا لَا يُسَاوِيهِ لِذَلِكَ وَلَا أَثَرَ لِظَنِّهِ، وَالرَّابِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ (مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ) فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَا لَيْسَ مُحْرَزًا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «لَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ إلَّا فِيمَا أَوَاهُ الْمَرَاحُ» وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعْظُمُ بِمُخَاطَرَةِ أَخْذِهِ مِنْ الْحِرْزِ فَحُكِمَ بِالْقَطْعِ زَجْرًا بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَّأَهُ الْمَالِكُ وَمَكَّنَهُ بِتَضْيِيعِهِ. وَالْإِحْرَازُ يَكُونُ بِلِحَاظٍ لَهُ بِكَسْرِ اللَّامِ دَائِمًا، أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ مَعَ لِحَاظٍ لَهُ، وَالْمُحَكَّمُ فِي الْحِرْزِ الْعُرْفُ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَدَّ فِي الشَّرْعِ وَلَا اللُّغَةِ فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَخْرَجَاهُ مَعًا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُكَلَّفٍ، أَوْ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ الْآمِرِ قُطِعَ الْمُكَلَّفُ إنْ أَمَرَ الْأَعْجَمِيَّ أَوْ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ، لِأَنَّهُمَا كَالْآلَةِ لَهُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ إذَا اشْتَرَكَا فَإِنْ امْتَازَ كُلٌّ بِمَا سَرَقَهُ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ.

قَوْلُهُ: (فِي إخْرَاجِهِ) أَيْ الدُّونِ قَوْلُهُ: (رَثٍّ) أَيْ خَلَقٍ أَيْ بَالٍ وَفِي الْمُخْتَارِ الرَّثُّ بِالْفَتْحِ الْبَالِي وَجَمْعُهُ رِثَاثٌ بِالْكَسْرِ وَقَدْ رَثَّ يَرِثُّ بِالْكَسْرِ رَثَاثَةً بِالْفَتْحِ.

قَوْلُهُ: (فِي جَيْبِهِ تَمَامُ نِصَابٍ) أَيْ مُنْضَمًّا إلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ " تَمَامُ ".

قَوْلُهُ: (وَالْجَهْلُ بِجِنْسِهِ) أَيْ أَوْ بِوُجُودِهِ فَالْأَوَّلُ رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَ الْغَايَةِ وَالثَّانِي لِلْغَايَةِ اهـ. وَكَانَ الْأَوْلَى " وَالْجَهْلُ بِهِ "، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ مَجْهُولٌ فَلَا يَظْهَرُ التَّقْيِيدُ بِالْجِنْسِ وَقِيَاسُهُ عَلَى الصِّفَةِ، تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَبِنِصَابٍ) أَيْ وَيُقْطَعُ بِنِصَابٍ إلَخْ قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْخُذَهُ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ أَوْ بِنِصَابٍ انْصَبَّ مِنْ وِعَاءٍ بِثَقْبِهِ لَهُ وَإِنْ انْصَبَّ شَيْئًا فَشَيْئًا اهـ. وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، وَمِثْلُ الثَّقْبِ قَطْعُ الْجَيْبِ كَمَا قَالَهُ زي: وَلِذَلِكَ يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا شَخْصٌ يُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَلَمْ يَدْخُلْ حِرْزًا اهـ. وَلَوْ أَخَذَهُ مَالِكُهُ بَعْدَ انْصِبَابِهِ قَبْلَ الدَّعْوَى بِهِ هَلْ يَسْقُطُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ شَرْطُهُ الدَّعْوَى وَقَدْ تَعَذَّرَتْ فِيهِ نَظَرٌ، فَلْيُرَاجَعْ سم، عَلَى حَجّ وَالْأَقْرَبُ سُقُوطُ الْقَطْعِ.

قَوْلُهُ: أَوَاهُ الْمَرَاحُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ مِنْ آوَاهُ أَوْ قَصْرِهَا وَالْمَرَاحُ مَأْوَى الْمَاشِيَةِ لَيْلًا.

قَوْلُهُ: (بِمُخَاطَرَةِ) أَيْ بِسَبَبِ خَوْفِ أَخْذِهِ أَيْ الْخَوْفِ الْحَاصِلِ بِأَخْذِهِ.

قَوْلُهُ: (جَرَّأَهُ) الْمَالِكُ أَيْ سَلَّطَهُ وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَقَوْلُهُ: وَمَكَّنَهُ، عَطْفٌ عَلَى جَرَّأَهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَقَوْلُهُ: بِتَضْيِيعِهِ: الْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهِيَ صِلَةٌ لِ مَكَّنَهُ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ تَضْيِيعِ الْمَالِكِ إيَّاهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَضَعْهُ فِي حِرْزِ مِثْلِهِ فَتَكُونُ صِلَةُ مَكَّنَهُ مَحْذُوفَةً أَيْ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (بِلِحَاظٍ) أَيْ مُلَاحِظٍ يُلَاحِظُهُ أَيْ بِمُلَاحَظَتِهِ وَالنَّظَرِ إلَيْهِ وَاللِّحَاظُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ الْمُرَاعَاةُ مَصْدَرُ لَاحَظَهُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُلَاحِظُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَمَّا بِفَتْحِهَا فَهُوَ مُؤَخَّرُ الْعَيْنِ مِنْ جَانِبِ الْأُذُنِ بِخِلَافِ الَّذِي مِنْ جَانِبِ الْأَنْفِ فَيُسَمَّى الْمُوقَ اهـ وَلَا يَقْدَحُ فِي دَوَامِ اللِّحَاظِ الْفَتَرَاتُ الْعَارِضَةُ عَادَةً فَإِذَا أَخَذَهُ السَّارِقُ حِينَئِذٍ قُطِعَ فَلَوْ وَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي ذَلِكَ هَلْ كَانَ ثَمَّ مُلَاحَظَةٌ مِنْ الْمَالِكِ، أَوْ لَا فَيَنْبَغِي تَصْدِيقُ السَّارِقِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الْقَطْعِ، كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ مَعَ لِحَاظٍ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ دَائِمًا وَأَبَدًا. وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَلَى تَفْصِيلٍ يُعْلَمُ مِنْ الْمَنْهَجِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: أَوْ حَصَانَةٍ مَعَ لِحَاظٍ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَحَلَّ إنْ كَانَ حَصِينًا مُنْفَصِلًا عَنْ الْعِمَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْمُلَاحَظَةِ بَلْ الشَّرْطُ كَوْنُ الْمُلَاحِظِ يَقْظَانًا قَوِيًّا سَوَاءٌ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا، أَوْ مَغْلُوقًا أَوْ نَائِمًا مَعَ إغْلَاقِ الْبَابِ، وَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ فِي الْعِمَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ قُوَّةُ الْمُلَاحِظِ، وَلَا تَيَقُّظُهُ بَلْ الشَّرْطُ كَوْنُ الْبَابِ مَغْلُوقًا مَعَ وُجُودِ هَذَا الْمُلَاحِظِ أَوْ قَفْلِهِ مَعَ يَقَظَتِهِ زَمَنَ أَمْنٍ نَهَارًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا فَإِنْ كَانَ الْمُلَاحِظُ مُتَيَقِّظًا كَانَتْ مُحْرَزَةً، وَإِلَّا فَلَا. فَعُلِمَ أَنَّهَا قَدْ تَكْفِي الْحَصَانَةُ وَحْدَهَا وَقَدْ تَكْفِي الْمُلَاحَظَةُ وَحْدَهَا وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ، وَقَدْ يُمَثَّلُ لِانْفِرَادِ الْحَصَانَةِ بِالرَّاقِدِ عَلَى الْمَتَاعِ كَمَا قَالَهُ ع ش: وَبِالْمَقَابِرِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْعِمَارَةِ فَإِنَّهَا حِرْزٌ لِلْكَفَنِ.، وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ الشَّرْطُ الرَّابِعُ كَوْنُهُ مُحْرَزًا وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْإِحْرَازُ بِمُلَاحَظَةٍ لِلْمَسْرُوقِ مِنْ قَوِيٍّ مُسْتَيْقِظٍ أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ وَحْدَهَا، أَوْ مَعَ مَا قَبْلَهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي لِأَنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَ الْحِرْزَ وَلَمْ تَضْبِطْهُ اللُّغَةُ فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَهُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ وَالْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمُحْرَزِ ضَائِعٌ بِتَقْصِيرِ مَالِكِهِ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ الثَّوْبُ إذَا نَامَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُحْرَزٌ مَعَ انْتِفَائِهِمَا، لِأَنَّ النَّوْمَ عَلَيْهِ الْمَانِعَ مِنْ أَخْذِهِ غَالِبًا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ مُلَاحَظَتِهِ وَمَا هُوَ حِرْزٌ لِنَوْعٍ حِرْزٌ لِمَا دُونَهُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْ تَابِعِهِ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْإِصْطَبْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>