قَطْعِهِمَا ثَانِيًا قُطِعَتْ الْيَدُ الْيُسْرَى وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: ٣٣] وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ وَقُطِعَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى لِلْمَالِ كَالسَّرِقَةِ وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ وَالرِّجْلُ قِيلَ: لِلْمَالِ وَقِيلَ لِلْمُجَاهَرَةِ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ سَرِقَةٍ ثَانِيَةٍ وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ: قَالَ الْعِمْرَانِيُّ وَهُوَ أَشْبَهُ.
ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ أَخَافُوا السَّبِيلَ) أَيْ الطَّرِيقَ بِوُقُوفِهِمْ فِيهَا (وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا) مِنْ الْمَارَّةِ (وَلَمْ يَقْتُلُوا) مِنْهُمْ أَحَدًا (حُبِسُوا) فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمْ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ وَالْإِيحَاشِ كَمَا هُوَ فِي الرَّوْضَةِ حِكَايَةً عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ. وَأَقَرَّهُ (وَعُزِّرُوا) بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ ضَرْبٍ وَغَيْرِهِ لِارْتِكَابِهِمْ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ. تَنْبِيهٌ: عَطْفُ الْمُصَنِّفِ التَّعْزِيرَ عَلَى الْحَبْسِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ إذْ الْحَبْسُ مِنْ جِنْسِ التَّعْزِيرِ وَلِلْإِمَامِ تَرْكُهُ إنْ رَآهُ
مَصْلَحَةً
وَبِمَا تَقَرَّرَ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ فَقَالَ: الْمَعْنَى أَنْ يُقَتَّلُوا إنْ قَتَلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا مَعَ ذَلِكَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ إنْ أَرْعَبُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا فَحَمَلَ كَلِمَةَ أَوْ عَلَى التَّنْوِيعِ لَا التَّخْيِيرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: ١٣٥] أَيْ قَالَتْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ تَعَدَّى وَلَزِمَ الْقَوَدُ فِي رِجْلِهِ إنْ تَعَمَّدَ، وَإِلَّا فَدِيَتُهَا وَلَا يَسْقُطُ قَطْعُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَلَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَدَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَا يَضْمَنُ وَأَجْزَأَهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ قَطْعَهُمَا مِنْ خِلَافٍ نَصٌّ تُوجِبُ مُخَالَفَتُهُ الضَّمَانَ وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى اجْتِهَادٌ يَسْقُطُ بِمُخَالَفَتِهِ الضَّمَانُ اهـ. وَقَوْلُهُ: وَيَدُهُ الْيُمْنَى قَالَ ع ش: عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الضَّمَانِ مَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ مَعًا أَوْ رِجْلَيْهِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ الْيَدَ الْيُسْرَى وَالرِّجْلَ الْيُمْنَى اهـ.
قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ) وَهُوَ أَنْ لَا يَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ: (لِلْمَالِ) الْحَقُّ أَنَّهَا لَهُ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْمُحَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَ قَطْعُهَا وَلَوْ كَانَ لِلْمَالِ فَقَطْ لَمْ يَسْقُطْ. اهـ. ح ل.
قَوْلُهُ: (قَالَ الْعِمْرَانِيُّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا نِسْبَةً إلَى الْعُمْرَانِيَّةِ نَاحِيَةٍ بِالْمَوْصِلِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَشْبَهُ) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (أَخَافُوا السَّبِيلَ) أَيْ أَخَافُوا الْمَارِّينَ فِي السَّبِيلِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا) أَيْ بِشُرُوطِ السَّرِقَةِ سم.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقْتُلُوا) أَيْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ قَتْلٌ، أَيْ وَلَا قَطْعُ طَرَفٍ مَعْصُومٍ ح ل.
قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمْ) هَذَا هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَفْضَلُ وَيَمْتَدُّ الْحَبْسُ إلَى ظُهُورِ تَوْبَتِهِمْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَعِبَارَتُهُ وَحَبْسُهُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ أَوْلَى حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَلَزِمَهُ رَدُّ الْمَالِ، أَوْ بَدَلِهِ فِي صُورَةِ أَخْذِهِ.
قَوْلُهُ: (وَعُزِّرُوا) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ الَّتِي تَمْنَعُ الْخُلُوَّ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ يَجِبُ تَعْزِيرُهُ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا سم. لَكِنَّ الشَّارِحَ جَعَلَهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَعِبَارَةُ س ل. وَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ ظَاهِرُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلِلْإِمَامِ تَرْكُهُ) أَيْ التَّعْزِيرِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً هَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَلَا يَتَحَتَّمُ غَيْرُ قَتْلٍ وَصَلْبٍ فَإِنَّ التَّعْزِيرَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَيْرِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى أَخْذِ الْمَالِ) أَلْ لِلْعَهْدِ أَيْ نِصَابِ السَّرِقَةِ.
قَوْلُهُ: (إنْ أَرْعَبُوا) أَيْ خَوَّفُوا. قَوْلُهُ: (عَلَى التَّنْوِيعِ) أَيْ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّهُ إذَا بَدَأَ بِالْأَغْلَظِ كَمَا هُنَا كَانَتْ لِلتَّنْوِيعِ، فَإِنْ بَدَأَ بِالْأَخَفِّ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ} [المائدة: ٨٩] . . . إلَخْ كَانَتْ لِلتَّخْيِيرِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ فِي آيَةِ الْمُحَارَبَةِ بَدَأَ بِالْأَخَفِّ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ بَعْدَهُ إنَّمَا هُوَ الصَّلْبُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ الْقَتْلُ فِي التَّأْوِيلِ وَالتَّقْدِيرِ.
قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إمَّا تَوْقِيفٌ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَوْ لُغَةٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ مِثْلِهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ. وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ فِيهِ بِالْأَغْلَظِ فَكَانَ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَلَوْ أُرِيدَ التَّخْيِيرُ لَبَدَأَ بِالْأَخَفِّ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ اهـ. وَقَوْلُهُ: فَكَانَ مُرَتَّبًا يُتَأَمَّلُ مَعْنَى التَّرْتِيبِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي التُّحْفَةِ وَلَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَعِبَارَةِ ع ش.
قَوْلُهُ: بَدَأَ فِيهِ بِالْأَغْلَظِ قَدْ يُشْكِلُ بِأَنَّ الصَّلْبَ مَعَ الْقَتْلِ أَغْلَظُ مِنْ الْقَتْلِ وَحْدَهُ فَلَا يَتِمُّ مَا ذُكِرَ بِالنِّسْبَةِ