للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْيَهُودُ كُونُوا هُودًا وَقَالَتْ النَّصَارَى كُونُوا نَصَارَى إذْ لَمْ يُخَيِّرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَقَتْلُ الْقَاطِعِ يَغْلِبُ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ لَا الْحَدِّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْآدَمِيِّ يُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّضْيِيقِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِلَا مُحَارَبَةٍ، ثَبَتَ لَهُ الْقَوَدُ فَكَيْفَ يُحْبَطُ حَقُّهُ بِقَتْلِهِ فِيهَا. فَلَا يُقْتَلُ بِغَيْرِ كُفْءٍ كَوَلَدِهِ وَلَوْ مَاتَ بِغَيْرِ قَتْلٍ فِدْيَةٌ تَجِبُ فِي تَرِكَتِهِ فِي الْحُرِّ أَمَّا فِي الرَّقِيقِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا وَيُقْتَلُ بِوَاحِدٍ مِمَّنْ قَتَلَهُمْ وَلِلْبَاقِينَ دِيَاتٌ فَإِنْ قَتَلَهُمْ مُرَتِّبًا قُتِلَ بِالْأَوَّلِ. وَلَوْ عَفَا وَلِيُّ الْقَتِيلِ بِمَالٍ وَجَبَ الْمَالُ وَقُتِلَ الْقَاتِلُ حَدًّا لِتَحَتُّمِ قَتْلِهِ وَتُرَاعَى الْمُمَاثَلَةُ فِيمَا قُتِلَ بِهِ وَلَا يَتَحَتَّمُ غَيْرُ قَتْلٍ وَصَلْبٍ كَأَنْ قَطَعَ يَدَهُ فَانْدَمَلَ لِأَنَّ التَّحَتُّمَ تَغْلِيظٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَاخْتُصَّ بِالنَّفْسِ كَالْكَفَّارَةِ.

(وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

لِلْأَوَّلَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الصَّلْبَ مَعَ الْقَتْلِ لَكِنَّ الْقَتْلَ مَعَ الصَّلْبِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ، بَلْ الْمَذْكُورُ فِيهَا الصَّلْبُ فَقَطْ دُونَ الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ مُرَادًا فَالْمَبْدُوءُ بِهِ فِيهَا هُوَ الْأَغْلَظُ نَظَرًا لِمَا فُهِمَ اهـ.

قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا} [البقرة: ١٣٥] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ عَلَى التَّنْوِيعِ أَيْ قَالَتْ الْيَهُودُ لِبَعْضِهِمْ كُونُوا هُودًا أَيْ اُثْبُتُوا عَلَيْهَا وَكَذَا النَّصَارَى قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: كُونُوا نَصَارَى أَيْ اُثْبُتُوا عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ. قَوْلُهُ: (إذْ لَمْ يُخَيَّرْ أَحَدٌ. . . إلَخْ) أَحَدٌ نَائِبُ فَاعِلِ يُخَيَّرْ، وَالْمُرَادُ لَمْ يَقَعْ التَّخْيِيرُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْيَهُودِ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَلَمْ يَقَعْ كَذَلِكَ مِنْ النَّصَارَى. بَلْ قَالَتْ الْيَهُودُ: كُونُوا هُودًا وَقَالَتْ النَّصَارَى: كُونُوا نَصَارَى.

قَوْلُهُ: (وَقَتْلُ الْقَاطِعِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يُغَلَّبُ فِيهِ. . . إلَخْ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِيهِ شَائِبَتَيْنِ. وَفَرَّعَ عَلَى جَانِبِ الْقِصَاصِ فُرُوعًا.

قَوْلُهُ: فَلَا يُقْتَلُ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ مَاتَ بِغَيْرِ قَتْلٍ وَقَوْلُهُ: وَيُقْتَلُ بِوَاحِدٍ، وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهِ حَدًّا قَوْلَهُ: وَلَوْ عَفَا الْمُسْتَحِقُّ، وَقَوْلُهُ: وَتُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ مُفَرَّعٌ عَلَى كَوْنِهِ قِصَاصًا.

قَوْلُهُ: (يَغْلِبُ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ) وَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ الْوَلِيِّ لِلْقَتْلِ وَهَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (يَغْلِبُ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ) قَدْ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا مَرَّ مِنْ تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ تَقْدِيمًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ فِي الزَّكَاةِ حَقَّ آدَمِيٍّ فَإِنَّهَا تَجِبُ لِلْأَصْنَافِ فَلَعَلَّ تَقْدِيمَهَا لَيْسَ مُتَمَحِّضًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ لِاجْتِمَاعِ الْحَقَّيْنِ فَقُدِّمَتْ عَلَى مَا فِيهِ حَقٌّ وَاحِدٌ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ) أَيْ الشَّخْصُ الْمَقْتُولُ بِلَا مُحَارَبَةٍ ثَبَتَ لَهُ أَيْ لِلْمَقْتُولِ أَيْ لِوَارِثِهِ الْقَوَدُ عَلَى قَاتِلِهِ. وَقَوْلُهُ: فِيهَا أَيْ فِي الْمُحَارَبَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ) أَيْ الْقَاتِلُ بِغَيْرِ قَتْلٍ.

قَوْلُهُ: (فِي الْحُرِّ) أَيْ الْمَقْتُولُ بِالْحُرِّ.

قَوْلُهُ: (فَتَجِبُ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ مَاتَ الْقَاتِلُ أَمْ لَا إذْ لَا مُكَافَأَةَ. قَالَ سم: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الْقَاتِلُ بِالْحُرِّ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا أَيْضًا وَلَمْ يَمُتْ بِهِ قُتِلَ بِالرَّقِيقِ الْمَقْتُولِ لِلْمُكَافَأَةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَتَلَهُمْ مُرَتَّبًا) وَالتَّرْتِيبُ وَالْمَعِيَّةُ بِالزُّهُوقِ. اهـ. عَشْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَتُرَاعَى الْمُمَاثَلَةُ فِيمَا قُتِلَ بِهِ) أَيْ مِنْ مُحَدَّدٍ وَغَرَقٍ وَسَيْفٍ إلَّا إنْ قُتِلَ بِمَا يَحْرُمُ فِعْلُهُ كَلِوَاطٍ وَإِيجَارِ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ بَلْ بِالسَّيْفِ وَالْمُرَادُ قَطْعُ رَقَبَتِهِ لَا ذَبْحُهُ وَدَلِيلُ الْمُمَاثَلَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» اهـ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: بِمَا يَحْرُمُ فِعْلُهُ. لَا يُقَالُ: يُشْكِلُ بِجَوَازِ الِاقْتِصَاصِ بِنَحْوِ التَّجْوِيعِ وَالتَّغْرِيقِ مَعَ تَحْرِيمِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: نَحْوُ التَّجْوِيعِ وَالتَّغْرِيقِ إنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ النَّفْسِ، وَالْإِتْلَافُ هُنَا مُسْتَحَقٌّ فَلَمْ يَمْتَنِعْ بِخِلَافِ نَحْوِ الْخَمْرِ وَاللِّوَاطِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ وَإِنْ أَمْكَنَ الْإِتْلَافُ بِهِ فَلِذَا امْتَنَعَ هُنَا تَأَمَّلْ سم عَلَى حَجّ. وَقَوْلُهُ: كَلِوَاطٍ أَيْ فِي صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ وَظَاهِرُ شَرْحِ م ر أَنَّ الْكَبِيرَ لَا قَوَدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَكَّنَ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الْفَرْقِ وَقَوْلُهُ: وَإِيجَارِ خَمْرٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بِالْغَمْسِ فِي خَمْرٍ لَمْ يُفْعَلْ بِهِ مِثْلُهُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ حَرَامٌ لَا يُبَاحُ بِحَالٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَكَانَ كَشُرْبِ الْبَوْلِ اهـ. اُنْظُرْ تَمَامَهُ فِي ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (كَأَنْ قَطَعَ يَدَهُ فَانْدَمَلَ) أَيْ إذَا قَطَعَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ يَدَ شَخْصٍ مُكَافِئٍ لَهُ عَمْدًا وَانْدَمَلَ الْقَطْعُ وَعَفَا عَنْهُ الْمُسْتَحِقُّ لَمْ يَتَحَتَّمْ قَطْعُ يَدِهِ. بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَى الْقَطْعُ وَمَاتَ الْمَقْطُوعُ بِذَلِكَ فَهُوَ قَاتِلٌ فَيَتَحَتَّمُ حِينَئِذٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>