للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُ شَهِيدًا دَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ الْقَتْلَ وَالْقِتَالَ كَمَا أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ لَمَّا كَانَ شَهِيدًا كَانَ لَهُ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ وَفِي الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ حَتَّى لَوْ صَالَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ أَوْ الْمُسْتَعَارُ عَلَى مَالِكِهِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ، الْمُضْطَرُّ إذَا قَتَلَهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ دَفْعًا فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ كَمَا قَالَهُ الزَّبِيلِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَلَوْ صَالَ مُكْرَهًا عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ بَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ إنْ بَقِيَ رُوحُهُ بِمَالِهِ. كَمَا يَتَنَاوَلُ الْمُضْطَرُّ طَعَامَهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعُ الْمُكْرَهِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُفَرَّعٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: فَقَتَلَ وَالْقَتْلُ لَيْسَ قَيْدًا كَمَا عَلِمْت فَلَوْ زَادَ الْقَطْعَ وَالْجُرْحَ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ قِصَاصٍ. . . إلَخْ وَالْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْغُرَّةُ فِي الْجَنِين مَثَلًا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: بَهِيمَةٍ وَالْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْعَبْدُ.

قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ مَنْ قُتِلَ. . . إلَخْ) أَوَّلُ الْخَبَرِ. «مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ» . . . إلَخْ. فَحَذَفَ الشَّارِحُ أَوَّلَهُ فَفِيهِ أَرْبَعَةٌ. وَقَوْلُهُ مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ أَيْ إذَا حَمَلَ أَيْ الصَّائِلُ عَنْ الرِّدَّةِ أَوْ الزِّنَا وَفِيهِ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ، عَلَى الدَّفْعِ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ. كَمَا قَالَهُ ح ل وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ عَقِبَ الْحَدِيثِ مَا نَصُّهُ وَيُقَاسُ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ لَوَفَّى بِالْمُرَادِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى غَيْرِهِ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ. فَهُوَ دَلِيلٌ لِبَعْضِ الْمُدَّعِي كَمَا قَالَهُ ق ل فَتَأَمَّلْ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (دُونَ دَمِهِ) أَيْ لِأَجْلِ الدَّفْعِ عَنْ دَمِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: دُونَ فِي أَصْلِهَا ظَرْفُ مَكَان بِمَعْنَى أَسْفَلَ وَتَحْتَ وَهُوَ نَقِيضُ فَوْقَ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَى لِأَجْلِ. قَوْلِهِ: (وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ. . . إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلِأَنَّهُ بِالْوَاوِ وَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ عِلَّةً لِقَوْلِهِ: وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ: وَالضَّمَانُ وَلَمْ يَقُلْ بَدَلَهُ وَالْإِثْمُ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (فَقَتَلَهُ) أَيْ الْمَالِكُ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ وَالْمُسْتَعِيرُ) فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ بِصِيَالِهِ عَلَى سَيِّدِهِ لَمْ يَنْتَقِلْ الضَّمَانُ فِيهِ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ لِلسَّيِّدِ إذْ لَوْ انْتَقَلَ إلَيْهِ لَمْ يَضْمَنَاهُ مَعَ أَنَّهُمَا ضَامِنَانِ فَعَدَمُ انْتِقَالِ الضَّمَانِ عَنْهُمَا وَعَدَمُ ضَيَاعِهِمَا عَلَى الْمَالِكِ مَعَ أَنَّهُمَا صَالَا عَلَيْهِ وَقَدْ قَتَلَهُمَا وَلَمْ يَضْمَنْهُمَا دَلِيلٌ عَلَى هَدَرِهِمَا فِي حَقِّهِ لِصِيَالِهِمَا عَلَيْهِ وَإِلَّا لَسَقَطَ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ، لِمُبَاشَرَةِ الْمَالِكِ لِقَتْلِهِمَا اهـ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ) حَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُسْتَثْنَى ثَلَاثُ مَسَائِلَ: مَسْأَلَةُ الْمُضْطَرِّ، وَمَسْأَلَةُ الْمُكْرَهِ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ، وَمَا إذَا لَمْ يُرَتِّبْ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَعِصْمَةُ الصَّائِلِ. قَوْلُهُ: (الْمُضْطَرُّ) أَيْ الصَّائِلُ الْمُضْطَرُّ إذَا قَتَلَهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ وَهُوَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ) أَيْ وَإِنْ رَتَّبَ؛ لِأَنَّ الصَّائِلَ مَعْذُورٌ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ حَيْثُ رُتِّبَ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَالَ مُكْرَهًا) أَيْ صَالَ صُورَةً فَإِنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةً صِيَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَعَدِّيًا وَلَا آثِمًا بَلْ صُورَةً وَلَوْ قَالَ: وَلَوْ أُكْرِهَ. . . إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ نَعَمْ لَوْ صَالَ مُكْرَهًا عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَهُ دَفْعُ صَائِلٍ وَهُوَ هُنَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَقَاتَلَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَلَهُ قِتَالُهُ وَقَوْلُهُ: مُكْرَهًا أَيْ إذَا كَانَ الْإِكْرَاهُ بِفَاحِشَةٍ أَوْ قَتْلٍ كَأَنْ قَالَ لَهُ: إنْ لَمْ تُتْلِفْ مَالَ هَذَا وَإِلَّا قَتَلْتُك كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: إنْ بَقِيَ رُوحُهُ. . . إلَخْ لَا بِإِتْلَافِ مَالٍ كَأَتْلِفْ مَالَ هَذَا وَإِلَّا أَتْلَفْت مَالَك فَلَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ تَمْكِينُ الْمُكْرَهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ) أَيْ لِعُذْرِهِ بِالْإِكْرَاهِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ) وَهُوَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا قَالَ الْمُكْرِهُ لِلْمُكْرَهِ: إنْ لَمْ تُتْلِفْ مَالَ فُلَانٍ وَإِلَّا قَتَلْتُك. أَوْ قَطَعْت يَدَك أَوْ جَرَحْتُك جُرْحًا شَدِيدًا، وَأَمَّا إذَا قَالَ: إذَا لَمْ تُتْلِفْ مَالَ فُلَانٍ أَتْلَفْت مَالَك أَوْ ضَرَبْتُك ضَرْبًا شَدِيدًا فَلَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمَالُ الَّذِي يُرَادُ إتْلَافُهُ عَظِيمًا.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ ذَا رُوحٍ غَيْرَ آدَمِيٍّ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْآدَمِيِّ وَكُلٌّ مِنْ الْمُكْرِهِ وَالْمُكْرَهِ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ وَقَرَارُهُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ وَفِي النَّفْسِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ مَالًا كَرَقِيقٍ؛ لِأَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ بِخِلَافِ إتْلَافِ الْمَالِ غَيْرِ ذِي الرُّوحِ. اهـ. ح ل وم ر.

قَوْلُهُ: (كَمَا يُنَاوِلُ الْمُضْطَرَّ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ أَوَّلٌ وَ " طَعَامَهُ " مَفْعُولٌ ثَانٍ وَيُسْتَفَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>