للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَعَطَّلَ مَنْ ذُكِرَ بِالِاكْتِسَابِ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِهَذِهِ الْعُلُومِ وَعَنْ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ وَعَنْ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ فَيُرْزَقُونَ مَا يَكْفِيهِمْ لِيَتَفَرَّغُوا لِذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ: يُعْطَى الْعُلَمَاءُ وَالْقُضَاةُ مَعَ الْغِنَى، وَقَدْرُ الْمُعْطَى إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بِالْمَصْلَحَةِ وَيَخْتَلِفُ بِضِيقِ الْمَالِ وَسِعَتِهِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَيُعْطَى أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْعَاجِزُ عَنْ الْكَسْبِ لَا مَعَ الْغِنَى، وَالْمُرَادُ بِالْقُضَاةِ غَيْرُ قُضَاةِ الْعَسْكَرِ أَمَّا قُضَاةُ الْعَسْكَرِ وَهُمْ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ فِي مَغْزَاهُمْ فَيُرْزَقُونَ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لَا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ. كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَكَذَا أَئِمَّتُهُمْ وَمُؤَذِّنُوهُمْ وَعُمَّالُهُمْ. يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ مِنْهَا وُجُوبًا وَأَهَمُّهَا كَمَا قَالَهُ فِي التَّنْبِيهِ سَدُّ الثُّغُورِ لِأَنَّ فِيهِ حِفْظًا لِلْمُسْلِمِينَ. تَنْبِيهٌ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ الْإِمَامُ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ أَصْلًا لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا يَدْرِي حِصَّتَهُ مِنْهُ. قَالَ: وَهَذَا غُلُولٌ.

وَالثَّانِي: يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ قُوتَ يَوْمٍ. وَالثَّالِثُ: يَأْخُذُ كِفَايَةَ سَنَةٍ. وَالرَّابِعُ: يَأْخُذُ مَا يُعْطَى وَهُوَ قَدْرُ حِصَّتِهِ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَالْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالْمِيرَاثِ بَيْنَ الْوَارِثِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ حَتَّى لَوْ مَاتُوا قُسِمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِمْ وَهَذَا لَوْ مَاتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ شَيْئًا انْتَهَى.

وَأَقَرَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى هَذَا الرَّابِعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. (وَ) الثَّانِي (سَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى) لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ (وَهُمْ) آلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ) وَمِنْهُمْ إمَامُنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - دُونَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ وَإِنْ كَانَ الْأَرْبَعَةُ أَوْلَادَ عَبْدِ مَنَافٍ لِاقْتِصَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَسْمِ عَلَى بَنِي الْأَوَّلِينَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَعَنْ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الدِّيوَانَ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ أَسْمَاءُ الْمُسْتَحِقِّينَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَكَتَبَ لِلْعَالِمِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلِلطَّالِبِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلِقَارِئِ الْقُرْآنِ مِائَةً. وَذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَلَوْ أَغْنِيَاءَ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بِالثُّغُورِ) أَيْ بِسَدِّهَا. قَوْلُهُ: (فَيُرْزَقُونَ) أَيْ فَيُعْطُونَ مَا يَكْفِيهِمْ. قَوْلُهُ: (يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ) أَيْ مِنْ الْمَصَالِحِ وَقَوْلُهُ: وَأَهَمُّهَا أَيْ الْمَصَالِحِ وَهَذَا مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَيَعُمُّ الْإِمَامُ بِهَذَا السَّهْمِ كُلَّ الْأَفْرَادِ إنْ وَفَّى فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ الْأَهَمَّ فَالْأَهَمَّ أَيْ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ. قَوْلُهُ: (فِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ) أَيْ أَقْوَالٍ: أَيْ فِي جَوَابِ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا غُلُولٌ) بِاللَّامِ أَيْ خِيَانَةٌ لِأَنَّ الظَّفَرَ بِالْحَقِّ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ دُونَ الْعَامَّةِ وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ يَكُونُ الْإِشَارَةُ رَاجِعًا لِجَوَازِ الْأَخْذِ وَلَوْ قُلْنَا بِهِ وَيَكُونُ غَرَضُهُ بِذَلِكَ تَقْوِيَةَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْأَخْذِ وَفِي نُسْخَةٍ غُلُوٌّ بِالْوَاوِ مِنْ غَيْرِ لَامٍ بَعْدَهَا أَيْ تَعَمُّقٌ وَتَشْدِيدٌ فِي الدِّينِ حَيْثُ مَنَعْتُمُوهُ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْهُمَا أَيْ عَنْ الْخِيَانَةِ وَالتَّعَمُّقِ وَيَكُونُ اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ غَرَضُهُ تَضْعِيفَ هَذَا الْقَوْلِ: وَكَيْفَ هَذَا مَعَ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِيهِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ حِصَّتُهُ) أَيْ مَا يَخُصُّهُ لَوْ كَانَ يُعْطِيهِ الْإِمَامُ وَهُوَ مَا يَحْتَاجُهُ أَيْ كِفَايَتُهُ لِأَنَّ حِصَّتَهُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا) يَتَأَمَّلُ هَذَا التَّعْلِيلَ فَإِنَّهُ لَا يُنَاسِبُ إلَّا الرَّدَّ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَالَ إلَخْ رَدٌّ لِعِلَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْ لِأَنَّ الثَّابِتَ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ اخْتِصَاصٌ لَا اشْتِرَاكٌ بِالْمِلْكِ حَتَّى يَمْتَنِعَ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ أَمْوَالَ بَيْتِ الْمَالِ مَا دَامَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَلَيْسَتْ كَالْأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاكِ.

وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: لَيْسَ مُشْتَرَكًا إلَخْ. أَيْ لَيْسَ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ كَالِاشْتِرَاكَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ إلَخْ بِخِلَافِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَمْلُوكًا لِلْمُسْلِمِينَ بَلْ الثَّابِتُ لَهُمْ اخْتِصَاصُهُمْ بِهِ لَا الْمِلْكُ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَالْمِيرَاثِ أَيْ لِكَوْنِهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ وَقَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ مَاتُوا: تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ مِلْكًا وَالضَّمِيرُ فِي مَاتُوا لِلْغَانِمِينَ وَالْوَرَثَةِ وَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْ مُسْتَحِقُّ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ لَوْ مَاتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَرَثَتُهُ شَيْئًا أَيْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ مِثْلَ اشْتِرَاك الْغَنِيمَةِ فَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُمْ وَإِنَّمَا لَهُمْ فِيهِ نَوْعُ اخْتِصَاصٍ وَاسْتِحْقَاقٍ.

قَوْلُهُ: (وَسَهْمٌ لِذَوِي الْقُرْبَى) أَيْ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ وَيَعُمُّ الْإِمَامُ جَمِيعَ أَفْرَادِهِمْ إنْ وَفَّى الْمَالُ وَإِلَّا قَدَّمَ الْأَحْوَجَ وَكَذَا يُقَالُ فِي بَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ.

قَوْلُهُ: (بَنُو هَاشِمٍ) بَدَلٌ مِنْ الْآلِ أَيْ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فَفِي كَلَامِهِمْ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ وَالْأَشْرَافُ الْآنَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لِأَنَّ جَدَّهُمْ سَيِّدَنَا عَلِيًّا هَاشِمِيٌّ.

قَوْلُهُ: (لِاقْتِصَارِهِ) وَقَالَ: «نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>