للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا وَبَقِيَ مُدَّةً ثُمَّ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لَا نَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِمَا مَضَى لِعَدَمِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ لَهُ، وَالْخُنْثَى كَذَلِكَ إذَا بَانَتْ ذُكُورَتُهُ وَلَمْ تُعْقَدْ الْجِزْيَةُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ صَحَّحَ الْأَخْذَ مِنْهُ وَمَنْ صَحَّحَ عَدَمَهُ.

(وَ) الْخَامِسَةُ (أَنْ يَكُونَ) الْمَعْقُودُ مَعَهُ (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ الَّذِينَ لَمْ يُعْلَمْ دُخُولُهُمْ فِي ذَلِكَ الدِّينِ بَعْدَ نَسْخِهِ لِأَصْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: ٢٩] إلَى أَنْ قَالَ: {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: ٢٩] . (أَوْ مِمَّنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ) كَالْمَجُوسِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْهُمْ وَقَالَ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَلِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابٍ وَكَذَا تُعْقَدُ لِأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ لِدِينِهِ وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ. وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبُوا الْمُبْدَلَ مِنْهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ وَلَا مُنَاكَحَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمِيتَاتِ وَالْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ وَتُعْقَدُ أَيْضًا لِمَنْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِ تَهَوُّدِهِ أَوْ تَنَصُّرِهِ فَلَمْ نَعْرِفْ أَدَخَلُوا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ بَعْدَهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ كَالْمَجُوسِ وَبِذَلِكَ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ، وَأَمَّا الصَّابِئَةُ وَالسَّامِرَةُ فَتُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ إنْ لَمْ تُكَفِّرْهُمْ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَلَمْ يُخَالِفُوهُمْ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ وَإِلَّا فَلَا تُعْقَدُ لَهُمْ وَكَذَا تُعْقَدُ لَهُمْ لَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ وَتُعْقَدُ لِزَاعِمِ التَّمَسُّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ، وَصُحُفِ شِيثٍ وَهُوَ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ. وَزَبُورِ دَاوُد لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ صُحُفًا فَقَالَ:

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْجِزْيَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَحَرْبِيٍّ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (طَالَبْنَاهُ بِجِزْيَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ) : أَيْ وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا فِي زَمَنِ الْخُنُوثَةِ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهَا عَلَى صُورَةِ الْهِبَةِ ح ل فَلَوْ طَلَبَ الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةُ عَقْدَ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ أَعْلَمَهُمَا الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ رَغِبَا فِي بَذْلِهَا فَهِيَ هِبَةٌ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: إنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا هِبَةٌ بِالْمَعْنَى الْعَامِّ الشَّامِلِ لِلْهَدِيَّةِ فَلَا تَحْتَاجُ لِقَبُولٍ فَحَرِّرْ ذَلِكَ. وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَّضِحِ وَإِنْ عُقِدَتْ لَهُ كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْلَمْ دُخُولَهُمْ) أَيْ دُخُولَ أَوَّلِ آبَائِهِمْ أَيْ أَوَّلِ جَدٍّ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بِأَنْ عَلِمَ دُخُولَهُمْ فِيهِ قَبْلَ نَسْخِهِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ هَذَا إنْ كَانَ إسْرَائِيلِيًّا وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُشْتَرَطُ دُخُولُهُ فِيهِ قَبْلَ النَّسْخِ فَيَضُرُّ الشَّكُّ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِسْرَائِيلِيَّ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَصْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ) أَيْ لِوُجُودِ أَصْلٍ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَذَلِكَ الْأَصْلُ: هُوَ الْكِتَابُ فَإِنَّهُ قَالَ: لِوُجُودِ الْكِتَابِ. فَإِضَافَةُ أَصْلٍ لِأَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِضَرْبِ الْجِزْيَةِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ اهـ.

قَوْلُهُ: (كَالْمَجُوسِ) فَإِنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ نَبِيٌّ يُقَالُ لَهُ زَرَادُشْتُ وَكَانَ لَهُ كِتَابٌ فَلَمَّا بَدَّلُوهُ رُفِعَ. وَمَعْنَى كَوْنِهِمْ لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا بَاقِيًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. زَرَادُشْتُ بِفَتْحِ الزَّايِ فَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ فَدَالٌ مَضْمُومَةٌ مُهْمَلَةٌ فَشِينٌ سَاكِنَةٌ مُعْجَمَةٌ فَتَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا تُعْقَدُ إلَخْ) هَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَكِنْ أُتِيَ بِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ) رَاجِعٌ لِلْمَجُوسِ أَيْ إنَّ الْمَجُوسَ تُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ وَيُصْبِحُ رُجُوعُهُ لِقَوْلِهِ: وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبُوا الْمُبَدَّلَ.

قَوْلُهُ: (فِي الْمِيتَاتِ) جَمْعُ مَيِّتٍ.

قَوْلُهُ: (لِمَنْ شَكَكْنَا) أَيْ لِأَوْلَادِ مَنْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِ تَهَوُّدِهِ أَوْ تَنَصُّرِهِ أَيْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ كَانَ قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا عَلِمْنَا تَمَسُّكَ الْجَدِّ بِالدِّينِ بَعْدَ نَسْخِهِ. كَمَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بِعْثَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا تُعْقَدُ الْجِزْيَةُ لِفَرْعِهِ لِتَمَسُّكِهِ بِدِينٍ سَقَطَتْ حُرْمَتُهُ نَعَمْ يَجُوزُ عَقْدُ الْأَمَان لَهُمْ لِأَنَّ بَابَ الْأَمَانِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (وَبِذَلِكَ) أَيْ بِصِحَّةِ عَقْدِهَا.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الصَّابِئَةُ) الصَّابِئَةُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّصَارَى نِسْبَةً إلَى صَابِئٍ عَمِّ نُوحٍ وَالسَّامِرَةُ فِرْقَةٌ مِنْ الْيَهُودِ نِسْبَةً لِلسَّامِرِيِّ عَابِدِ الْعِجْلِ وَهُوَ الَّذِي صَنَعَهُ.

قَوْلُهُ: (فِي أُصُولِ دِينِهِمْ) وَهِيَ مُوسَى وَالتَّوْرَاةُ وَعِيسَى وَالْإِنْجِيلُ وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي الْفُرُوعِ فَأَصْلُ دِينِ كُلِّ أُمَّةٍ نَبِيُّهَا وَكِتَابُهَا.

قَوْلُهُ: (لَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ) أَيْ لَمْ نَعْلَمْ هَلْ كَفَّرَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَوْ لَا.

قَوْلُهُ: (بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ) وَهِيَ عَشَرَةٌ: وَصُحُفِ شِيثٍ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ خَمْسُونَ، وَكَذَا تُعْقَدُ لِمُتَمَسِّكٍ بِصُحُفِ إدْرِيسَ وَهِيَ عَشَرَةٌ. وَسَكَتَ عَنْ صُحُفِ مُوسَى وَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>