للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: ١٩] وَقَالَ: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: ١٩٦] .

وَتُسَمَّى كُتُبًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَانْدَرَجَتْ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البقرة: ١٠١] وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ وَتُحَرَّمُ ذَبِيحَتُهُ وَمُنَاكَحَتُهُ احْتِيَاطًا وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ وَلَا شُبْهَةُ كِتَابٍ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالشَّمْسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ كَمَنْ يَقُولُ: إنَّ الْفُلْكَ حَيٌّ نَاطِقٌ وَإِنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ آلِهَةٌ فَلَا يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ وَلَوْ بَلَغَ ابْنُ ذِمِّيٍّ وَلَمْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ. وَإِنْ بَذَلَهَا عُقِدَتْ لَهُ، وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا عَلَى زَمِنٍ وَشَيْخٍ وَهَرَمٍ وَأَعْمَى وَرَاهِبٍ وَأَجِيرٍ لِأَنَّهَا كَأُجْرَةِ الدَّارِ وَعَلَى فَقِيرٍ عَجَزَ عَنْ كَسْبٍ فَإِذَا تَمَّتْ سَنَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِرَ وَكَذَا حُكْمُ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَالُ بِقَوْلِهِ: (وَأَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ فِي كُلِّ حَوْلٍ) عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ» وَهُوَ ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَشَرَةٌ قَبْلَ التَّوْرَاةِ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ) أَيْ سَوَاءٌ اخْتَارَ دِينَ الْكِتَابِ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا أَمَّا إذَا اخْتَارَ دِينَ الْوَثَنِيِّ فَلَا تُعْقَدُ لَهُ.

قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ ذَبِيحَتُهُ) أَيْ مَنْ ذَكَرَ مِمَّنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ وَمِثْلُهُ زَاعِمٌ التَّمَسُّكَ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ أَوْ صُحُفِ شِيثٍ أَوْ الزَّبُورِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَلَغَ ابْنُ ذِمِّيٍّ) أَيْ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْأَوْصَافِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَشْخَاصِ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ طَلَبٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْعَقْدَ وَلَمْ يَتْبَعْ عَقْدَ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا كَانَ يَبْلُغُ الْمَأْمَنَ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْصُومًا تَبَعًا لِأَبِيهِ. وَمِثْلُ الْبُلُوغِ الْإِفَاقَةُ مِنْ الْجُنُونِ فَهُوَ كَذَلِكَ فِي التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَذَلَهَا) أَيْ امْتَثَلَ بَذْلَهَا بِأَنْ الْتَزَمَهَا.

قَوْلُهُ: (وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا) مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ أَمَّا إنْ عَقَدَ عَلَى الْأَشْخَاصِ فَوَاجِبَةٌ جَزْمًا.

قَوْلُهُ: (وَرَاهِبٌ) أَيْ عَابِدٌ.

قَوْلُهُ: (فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ الرَّابِعُ. قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى دِينَارٍ وَلَوْ لِغَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمُمَاكَسَةُ سُنَّةً بِأَنْ احْتَمَلَ أَنْ يُجِيبُوهُ فِي دَعْوَى التَّوَسُّطِ أَوْ الْغِنَى وَأَنْ لَا يُجِيبُوهُ فَيَجُوزُ تَرْكُ الْمُمَاكَسَةِ وَيَعْقِدُ بِدِينَارٍ وَيُصَدِّقُهُمْ فِي دَعْوَى الْفَقْرِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُمَاكَسَةُ وَاجِبَةً بِأَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُمْ يُجِيبُونَهُ فِي دَعْوَى الْغِنَى أَوْ التَّوَسُّطِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْمُمَاكَسَةِ وَيَعْقِدُ بِدِينَارٍ وَيُصَدِّقُهُمْ فِي دَعْوَى الْفَقْرِ لِأَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ الْعَقْدُ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ بِدُونِهِ، وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ إجَابَتِهِمْ لِمَا ذُكِرَ كَانَتْ الْمُمَاكَسَةُ مُبَاحَةً، وَالدِّينَارُ هُوَ الْمَضْرُوبُ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ فَلَا يَجُوزُ لَنَا الْعَقْدُ بِغَيْرِهِ وَإِنْ سَاوَاهُ وَيَجُوزُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَخْذُ غَيْرِهِ عَنْهُ عِوَضًا بِقِيمَتِهِ وَلَوْ مَغْشُوشًا غَيْرَ رَابِحٍ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ زِيَادَةٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا عَقَدَ عَلَيْهِ إلَّا بِنَحْوِ عَقْدٍ كَهِبَةٍ كَمَا فِي ق ل. عَلَى الْجَلَالِ وَفِي ع ش عَلَى م ر. وَالْمُرَادُ بِالدِّينَارِ الْمِثْقَالُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ يُسَاوِي الْآنَ نَحْوَ تِسْعِينَ نِصْفٍ فِضَّةً وَأَكْثَرَ وَهَذَا بِالنَّظَرِ لِمَا كَانَ وَالدِّينَارُ الْمُتَعَامَلُ بِهِ الْآنَ يَنْقُصُ زِنَتُهُ عَنْ الْمِثْقَالِ الشَّرْعِيِّ رُبُعًا وَالْعِبْرَةُ بِالْمِثْقَالِ الشَّرْعِيِّ زَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ) أَيْ مُحْتَلِمٍ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: أَرَادَ بِالْحَالِمِ مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الرِّجَالِ احْتَلَمَ أَوْ لَا اهـ. قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَأَوَّلَ بِذَلِكَ لِيَشْمَلَ مَنْ بَلَغَ بِالسِّنِّ وَإِنْ لَمْ يَرَ مَنِيًّا وَأَمَّا الْبُلُوغُ بِالِاحْتِلَامِ فَلَا يَكْفِي فِيهِ إمْكَانُهُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ بِالْفِعْلِ كَمَا أَشَارَ إلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ: وَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الرَّجُلِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ عَدْلَهُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا م ر أَيْ بَدَلَهُ وَاقْتَصَرَ ق ل. عَلَى الْفَتْحِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الْمَعَافِرِ) قِيلَ هُوَ مُفْرَدٌ عَلَى صُورَةِ الْجَمْعِ. كَحَضَاجِرَ وَبَلَادِرَ وَقِيلَ: جَمْعُ مَعْفَرٍ كَمَقَاعِدَ جَمْعُ مَقْعَدٍ، وَهُوَ اسْمُ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ مَعَافِرُ أَبُو قَبِيلَةٍ مِنْ الْيَمَنِ ثُمَّ سُمِّيَتْ الْقَبِيلَةُ بِهِ ثُمَّ سُمِّيَتْ الثِّيَابُ بِاسْمِ مَنْ يَنْسِجُهَا، مِنْ هَؤُلَاءِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِيَّةِ نِسْبَةً لِمَعَافِرَ وَعِبَارَةُ أج: مِنْ الْمَغَافِرِ بِالْغِينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ حَيُّ مِنْ هَمْدَانَ لَا يَنْصَرِفُ فِي مَعْرِفَةٍ وَلَا نَكِرَةٍ لِأَنَّهُ جَاءَ عَلَى مِثَالِ مَا لَا يَنْصَرِفُ مِنْ الْجَمْعِ. وَإِلَيْهِمْ تُنْسَبُ الثِّيَابُ الْمَعَافِرِيَّةُ.

تَقُولُ: ثَوْبٌ مَعَافِرِيٌّ فَتَصْرِفُهُ لِأَنَّك أَدْخَلْت عَلَيْهِ يَاءَ النِّسْبَةِ وَلَمْ تَكُنْ فِي الْوَاحِدِ. اهـ. ابْنُ شَرَفٍ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>