للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ، أَوْ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ وَبِهِ أَخَذَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْمَنْصُوصُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ، وَعَلَيْهِ إذَا عَقَدَهَا بِهِ جَازَ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهُ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَقْدُهَا بِمَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ لِأَنَّ قِيمَتَهُ قَدْ تَنْقُصُ عَنْهُ آخِرَ الْمُدَّةِ وَمَحَلُّ كَوْنِ أَقَلِّهَا دِينَارًا عِنْدَ قُوَّتِنَا. وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ الدَّارِمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُهَا بِأَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ. نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ.

وَقَالَ الْقَفَّالُ: اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْتَقِرُّ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ أَوْ تَجِبُ بِانْقِضَائِهِ وَبَنَى عَلَيْهِمَا إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ هَلْ تَسْقُطُ، فَإِنْ قُلْنَا: بِالْعَقْدِ لَمْ تَسْقُطْ وَإِلَّا سَقَطَتْ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْإِسْرَارِ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِ الْجِزْيَةِ، وَيَنْدُبُ لِلْإِمَامِ مُمَاكَسَةُ الْكَافِرِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ حَتَّى تَزِيدَ عَلَى دِينَارٍ (وَ) عَلَى هَذَا (يُؤْخَذُ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ دِينَارَانِ وَمِنْ الْمُوسِرِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ) وَمِنْ الْفَقِيرِ دِينَارًا (اسْتِحْبَابًا) اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مُتَصَرِّفٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ لَهُمْ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ بِدُونِهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ. تَنْبِيهٌ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَأَمَّا إذَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ. كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

التَّحْرِيرِ اهـ.

قَوْلُهُ: (إنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ) أَيْ فَلَا تُعْقَدُ إلَّا بِهِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ الْمَذْهَبِ) كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ اسْمُ كِتَابٍ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ قَوْلُهُ: فِي كُلِّ حَوْلٍ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ حَوْلٌ إلَّا بِتَمَامِهِ.

قَوْلُهُ: (تَجِبُ بِالْعَقْدِ) مُعْتَمَدٌ.

قَوْلُهُ: (لَمْ تَسْقُطْ) بَلْ يُؤْخَذُ الْقِسْطُ مِنْ التَّرِكَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.

قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ مُمَاكَسَةُ الْكَافِرِ) أَيْ غَيْرِ الْفَقِيرِ، وَالْمُمَاكَسَةُ طَلَبُ زِيَادَةٍ عَلَى الدِّينَارِ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَظُنَّ إجَابَتَهُمْ بِالْأَكْثَرِ مِنْ دِينَارٍ وَلَا عَدَمَهَا فَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إجَابَتَهُمْ لِلْعَقْدِ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ وَجَبَتْ الْمُمَاكَسَةُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدُ اهـ.

وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ عِنْدَ قُوَّتِنَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ مُمَاكَسَةٌ أَيْ طَلَبُ زِيَادَةٍ عَلَى دِينَارٍ مِنْ رَشِيدٍ وَلَوْ وَكِيلًا حِينَ الْعَقْدِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ حَتَّى يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ كَدِينَارَيْنِ مُتَوَسِّطٍ لِمُتَوَسِّطٍ وَأَرْبَعَةٍ لِغَنِيٍّ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُهَا إلَّا كَذَلِكَ أَيْ بِأَرْبَعَةٍ فِي الْغَنِيِّ وَدِينَارَيْنِ فِي الْمُتَوَسِّطِ. بَلْ حَيْثُ أَمْكَنَتْهُ الزِّيَادَةُ بِأَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إجَابَتَهُمْ عَلَيْهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَالْمُمَاكَسَةُ تَكُونُ عِنْدَ الْعَقْدِ إنْ عَقَدَ عَلَى الْأَشْخَاصِ فَحَيْثُ عَقَدَ عَلَى شَيْءٍ امْتَنَعَ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْأَخْذِ إنْ عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ كَصِفَةِ الْغَنِيِّ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ وَحِينَئِذٍ فَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ مُمَاكَسَتُهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ مُتَوَسِّطٍ آخِرَ الْحَوْلِ وَلَوْ بِقَوْلِهِ: مَا لَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ دِينَارَيْنِ فَأَكْثَرَ وَمِنْ كُلِّ غَنِيٍّ كَذَلِكَ أَرْبَعَةً مِنْ الدَّنَانِيرِ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا يُؤْخَذُ إلَخْ) : الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ الْآتِي هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْعَقْد أَنْ يَقُولَ: وَعَلَى هَذَا يَعْقِدُ لِلْمُتَوَسِّطِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُتَوَسِّطِ) الْمُرَادُ بِالْمُتَوَسِّطِ وَبِالْمُوسِرِ مَا فِي الْعَاقِلَةِ ز ي وَهُوَ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ كِفَايَتِهِ آخِرَ السَّنَةِ عِشْرُونَ دِينَارًا وَكَذَا الْمُتَوَسِّطُ وَهُوَ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ كِفَايَتِهِ الْعُمْرَ الْغَالِبَ دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا وَفَوْقَ رُبُعِ دِينَارٍ. اهـ. وَهَذَا أَعْنِي مَا قَالَهُ زي: هُوَ الْمُقَرَّرُ عَنْ الْمَشَايِخِ وَإِنْ كَانَ فِي شَرْحِ م ر خِلَافُهُ. وَهُوَ أَنَّهُ عَنَى النَّفَقَةَ وَنَقَلَ الْأَوَّلَ: عَنْ م ر فِي غَيْرِ شَرْحِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَالْأَوْجَهُ: ضَبْطُ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ بِأَنَّهُ هُنَا وَفِي الضِّيَافَةِ كَالنَّفَقَةِ بِأَنْ يَزِيدَ دَخْلُهُ عَلَى خَرْجِهِ بِجَامِعِ أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ لَا بِالْعَاقِلَةِ إذْ لَا مُوَاسَاةَ هُنَا وَلَا بِالْعُرْفِ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ س ل وَالْقَوْلُ: قَوْلُ مُدَّعِي التَّوَسُّطِ وَالْفَقْرِ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ أَوْ عَهِدَ لَهُ مَالٌ وَكَذَا مَنْ غَابَ وَأَسْلَمَ ثُمَّ حَضَرَ وَقَالَ: أَسْلَمْت مِنْ وَقْتِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ.

قَوْلُهُ: (اسْتِحْبَابًا) رَاجِعٌ لِلْمُتَوَسِّطِ وَالْغَنِيِّ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إجَابَتَهُمْ لِلْأَكْثَرِ مِنْ دِينَارٍ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ نَدْبُ الْمُمَاكَسَةِ وَهَذَا إذَا عَقَدَ عَلَى الْأَشْخَاصِ أَمَّا إذَا عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ فَالْمُمَاكَسَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْأَخْذِ مَعًا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْإِمَامَ تَارَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>