جَارِحَةٍ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ) كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ جُرْحُهَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ. بِأَنْ أَدْرَكَهُ مَيْتًا أَوْ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ. أَمَّا الِاصْطِيَادُ بِمَعْنَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْجَوَارِحِ بَلْ يَحْصُلُ بِكُلِّ طَرِيقٍ تَيَسَّرَ. وَالْجَارِحَةُ كُلُّ مَا يُجْرَحُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِجُرْحِهِ الطَّيْرَ بِظُفْرِهِ أَوْ نَابِهِ. وَقَوْلُهُ: (مُعَلَّمَةٍ) بِالْجَرِّ صِفَةٌ لِجَارِحَةٍ (وَ) مِنْ (جَوَارِحِ الطَّيْرِ) كَالْبَازِ وَالصَّقْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: ٤] أَيْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ.
(وَشَرَائِطُ تَعْلِيمِهَا) أَيْ جَارِحَةُ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ (أَرْبَعَةٌ) الْأَوَّلُ (أَنْ تَكُونَ) الْجَارِحَةُ مُعَلَّمَةً بِحَيْثُ (إذَا أُرْسِلَتْ) أَيْ أَرْسَلَهَا صَاحِبُهَا (اسْتَرْسَلَتْ) أَيْ هَاجَتْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: ٤] قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا أَمَرْت الْكَلْبَ فَائْتَمَرَ وَإِذَا نَهَيْته فَانْتَهَى فَهُوَ مُكَلَّبٌ. (وَ) الثَّانِي (إذَا زُجِرَتْ) أَيْ زَجَرَهَا صَاحِبُهَا فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ وَبَعْدَهُ. (انْزَجَرَتْ) أَيْ وَقَفَتْ (وَ) الثَّالِثُ (إذَا قَتَلْت) صَيْدًا (لَمْ تَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ) أَيْ مِنْ لَحْمِهِ أَوْ نَحْوِهِ كَجِلْدِهِ وَحِشْوَتِهِ شَيْئًا قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ عَقِبِهِ وَمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ اشْتِرَاطِ جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي جَارِحَةِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ. هُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ كَغَيْرِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ كَالرَّوْضَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
ذَلِكَ الْإِوَزَّ مِنْ الْمُبَاحِ، الَّذِي لَا مَالِكَ لَهُ. فَإِنْ وُجِدَ بِهِ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ كَخَضْبٍ وَقَصِّ جَنَاحٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لُقَطَةً كَغَيْرِهِ مِمَّا وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: لُقَطَةً كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ الْعِرَاقَ بَعِيدٌ، وَأَصْحَابَهُ غَيْرُ مَوْجُودِينَ عِنْدَنَا.
وَأَيْضًا الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِرُجُوعِهِ لِبِلَادِهِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَكْلُ الْمُصَادِ) هَذَا لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ: لِمَنْ تَحِلُّ ذَكَاتُهُ لَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ أَكْلَ الْمُصَادِ يَجُوزُ مُطْلَقًا حَتَّى لِمَنْ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ إذَا كَانَ الصَّائِدُ غَيْرَهُ فَلَعَلَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ: لِمَنْ تَحِلُّ بِمَعْنَى مَنْ تَأَمَّلْ وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: أَيْ أَكْلُ الْمُصَادِ لَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ أَكْلُ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَفْسِيرِ الِاصْطِيَادِ، الَّذِي فَسَّرَهُ بِالْمُصَادِ وَلَوْ أَبْقَى كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَجَعَلَ الْمَصِيدَ مَعْلُومًا مِنْ حِلِّ الِاصْطِيَادِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَنْسَبَ بَلْ صَوَابًا. وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِهِ الْمَذْكُورِ اهـ.
قَوْلُهُ: (بِالشَّرْطِ الْآتِي) أَيْ جِنْسِ الشَّرْطِ فَيَشْمَلُ الشُّرُوطَ الْأَرْبَعَةَ الْآتِيَةَ فِي قَوْلِهِ: وَشَرَائِطُ تَعْلِيمِهَا قَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِيَجُوزُ. وَقَوْلُهُ: أَيْ جِنْسِ الشَّرْطِ إلَخْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالشَّرْطِ الْآتِي أَنْ لَا يُدْرِكَ فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يُدْرَكَ حَيًّا إلَخْ. لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَبْحِهِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (سُمِّيَ بِذَلِكَ لِجَرْحِهِ إلَخْ) فِيهِ قُصُورٌ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْمَيِّتَ بِقَتْلِ الْجَارِحَةِ حَلَالٌ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جَرْحٍ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْجَارِحَةُ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْجَرْحِ وَهُوَ الْكَسْبُ لِأَنَّهَا تَكْسِبُ الصَّيْدَ عَلَى صَاحِبِهَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ} [الأنعام: ٦٠] أَيْ مَا كَسَبْتُمْ قَوْلُهُ: (مُعَلَّمَةً) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهَا عَنْ جَوَارِحِ الطَّيْرِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهَا أَيْضًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الصِّفَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ تَعُودُ لِمَا بَعْدَهَا أَيْضًا عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ.
قَوْلُهُ: (وَالطَّيْرِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ بِتَمَامِهَا لَا تُشْتَرَطُ فِي الطَّيْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَوْلُهُ: (مُعَلَّمَةً) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِيهِ أَخْذَ مُعَلَّمَةٍ فِي شَرَائِطِ التَّعْلِيمِ. فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ قَوْلِهِ مُعَلَّمَةً لِأَنَّ التَّعْلِيمَ مَحَلُّ الشُّرُوطِ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْهَا وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ مُعَلِّمِهَا مَجُوسِيًّا. قَوْلُهُ: (أَيْ أَرْسَلَهَا صَاحِبُهَا) الْمُرَادُ مَنْ هِيَ مَعَهُ وَلَوْ غَاصِبَهَا فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. قَوْلُهُ: (مُكَلِّبِينَ) أَيْ مُعَلِّمِينَ وَهُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ اسْمُ فَاعِلٍ حَالٌ مِنْ تَاءِ عَلَّمْتُمْ أَيْ حَالَ كَوْنِكُمْ مُرْسِلِينَ لَهَا. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: إنَّهُ بِفَتْحِ اللَّامِ مِنْ التَّكْلِيبِ وَهُوَ الْإِغْرَاءُ وَفِي شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ مُكَلِّبِينَ أَيْ مُؤْتَمِرِينَ بِالْأَمْرِ، مَنْهِيِّينَ بِالنَّهْيِ وَمِنْ لَازِمِ هَذَا أَنْ يَنْطَلِقَ بِانْطِلَاقِهِ. اهـ. قَوْلُهُ: فَهُوَ مُكَلَّبٌ أَيْ مُعَلَّمٌ.
قَوْلُهُ: (لَمْ تَأْكُلْ) أَيْ وَلَمْ تُقَاتِلْ صَاحِبَهَا حِينَ أَخَذِهِ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (وَحِشْوَتِهِ) حِشْوَةِ الْبَطْنِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا أَمْعَاؤُهُ اهـ. مُخْتَارٌ.
قَوْلُهُ: (أَوْ عَقِبَهُ) أَمَّا إذَا أَكَلْت مِنْهُ بَعْدَ مَا سَكَنَ غَضَبُهَا فَلَا يَضُرُّ وَعِبَارَةُ سم أَيْ لَا بَعْدَ انْصِرَافِهَا وَطُولِ الزَّمَنِ عُرْفًا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ) حَيْثُ قَالَ: أَيْ جَارِحَةِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ هَذَا بَعْدَ الشَّرْطِ الرَّابِعِ لِأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: