وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ فِي إزْهَاقِ الرُّوحِ. (إلَّا بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ) وَبَاقِي الْعِظَامِ مُتَّصِلًا كَانَ أَوْ مُنْفَصِلًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ. أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ. وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ بَاقِي الْعِظَامِ. وَالنَّهْيُ عَنْ الذَّبْحِ بِالْعِظَامِ قِيلَ تَعَبُّدِيٌّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَاهُ لَا تَذْبَحُوا بِهَا فَإِنَّهَا تُنَجَّسُ بِالدَّمِ. وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ تَنَجُّسِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهَا طَعَامَ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ) أَنَّهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ نَعَمْ مَا قَتَلَتْهُ الْجَارِحَةُ بِظُفْرِهَا أَوْ نَابِهَا حَلَالٌ. كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَخَرَجَ بِمُحَدِّدٍ مَا لَوْ قُتِلَ بِمُثْقَلٍ كَبُنْدُقَةٍ، وَسَوْطٍ وَسَهْمٍ بِلَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْحَدَّ لُغَةً الْمَنْعُ وَهُوَ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ السِّلَاحِ إلَى الْبَدَنِ. وَمِثْلُهُ نُحَاسٌ وَإِنَّمَا قَالَ كَمُحَدَّدِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِلَّا لَفُهِمَ إجْزَاءُ الْحَدِيدِ، بِلَا تَحْدِيدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَمِمَّا لَهُ حَدٌّ الْمَحَارُ فَيَحِلُّ الذَّبْحُ بِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسِنٍّ وَلَا عَظْمٍ وَكَذَلِكَ الشَّعَرُ إذَا كَانَ لَهُ حَدٌّ وَذُبِحَ بِهِ، لَا عَلَى وَجْهِ الْخَنْقِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر وَنَصُّهُ. وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ الْمُحَدَّدِ مَا لَوْ ذَبَحَ بِخَيْطٍ يُؤَثِّرُ مُرُورُهُ عَلَى حَلْقِ نَحْوِ الْعُصْفُورِ كَتَأْثِيرِ السِّكِّينِ فِيهِ فَيَحِلُّ الْمَذْبُوحُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا بِالسِّنِّ) دَخَلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْخُبْزُ إذَا كَانَ مُحَدَّدًا فَيَحِلُّ الذَّبْحُ بِهِ وَإِنْ حَرُمَ مِنْ جِهَةِ تَنْجِيسِهِ سم ز ي. قَوْلُهُ: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ) أَيْ مَا أَسَالَ أَيْ مَذْبُوحُ مَا أَنْهَرَ إلَخْ. لِأَنَّهُ الَّذِي يُؤْكَلُ شَبَّهَ الْإِسَالَةَ بِالْإِنْهَارِ وَاسْتَعَارَ الْإِنْهَارَ لِلْإِسَالَةِ. وَاشْتَقَّ مِنْ الْإِنْهَارِ أَنْهَرَ بِمَعْنَى أَسَالَ فَيَكُونُ اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً تَبَعِيَّةً وَكَلِمَةُ مَا مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ فَكُلُوهُ أَوْ شَرْطِيَّةٌ وَالْفَاءُ الْمَفْهُومُ مِنْ أَنْهَرَ وَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ اشْتَرَطَ التَّسْمِيَةَ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّسْمِيَةَ سُنَّةٌ وَعِبَارَةٌ شَرْحُ م ر. وَأَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ وَحْدَهُ عِنْدَ الْفِعْلِ. مِنْ ذَبْحٍ أَوْ إرْسَالِ سَهْمٍ أَوْ جَارِحَةٍ لِلِاتِّبَاعِ وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَرْكِهَا، فَلَوْ تَرَكَهَا وَلَوْ عَمْدًا حَلَّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥] وَهُمْ لَا يَذْكُرُونَهَا. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] . فَالْمُرَادُ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ يَعْنِي مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: ٣] . وَسِيَاقُ الْآيَةِ دَالٌّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١] وَالْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا فِسْقًا هِيَ الْإِهْلَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: ١٤٥] وَالْإِجْمَاعُ عَامٌّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ أَكَلَ ذَبِيحَةَ مُسْلِمٍ لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا لَيْسَ بِفِسْقٍ اهـ. بِحُرُوفِهَا.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ) بِنَصْبِهِمَا لِأَنَّهُمَا خَبَرَا لَيْسَ وَهُمَا مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ فَاعِلِ أَنْهَرَ الْمُسْتَتِرِ فِيهِ أَيْ لَيْسَ الْمُنْهِرُ السِّنَّ، وَالْإِنْهَارُ الْإِسَالَةُ شَبَّهَ خُرُوجَ الدَّمِ بِجَرْيِ الْمَاءِ فِي النَّهْرِ. اهـ. شَرْحُ التَّوْضِيحِ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ وَجْهِ اسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا السِّنُّ إلَخْ أَيْ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ قَرِيبٍ مِنْ زَمَنِ التَّكَلُّمِ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَمَّا السِّنُّ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الظُّفْرُ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الظُّفْرَ لَيْسَ مِنْ الْعَظْمِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْلِ الشَّارِحِ بَاقِي الْعِظَامِ ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: الْحَبَشَةِ أَيْ السُّودَانِ.
قَوْلُهُ: (تَعَبُّدِيٌّ) وَالتَّعَبُّدِيُّ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ مَعْقُولِ الْمَعْنَى لِمَا فِيهِ مِنْ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِعِلَّتِهِ. قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهَا طَعَامَ إخْوَانِكُمْ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَالُوا مِنْ حِلِّ التَّذْكِيَةِ بِالْخُبْزِ إذَا كَانَ مُحَدَّدًا وَهُوَ طَعَامُ الْإِنْسِ، وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْجِنِّ وَإِنْ تَنَجَّسَ. فَلْيُطْلَبْ فَرْقٌ وَاضِحٌ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَبُّدِ الْقَائِلِ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَا إيرَادَ اهـ لِكَاتِبِهِ أج وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَظْمِ وَالْخُبْزِ الْمُحَدَّدِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُهُ بِخِلَافِ الْعَظْمِ فَإِنَّهُ يُرْمَى بِنَجَاسَتِهِ.
قَوْلُهُ: (كَبُنْدُقَةٍ) وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِحُرْمَةِ الرَّمْيِ بِالْبُنْدُقِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخَائِرِ لَكِنْ أَفْتَى النَّوَوِيُّ بِجَوَازِهِ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ الصَّيْدُ لَا يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا كَالْإِوَزِّ. فَإِنْ مَاتَ كَالْعَصَافِيرِ حَرُمَ وَلَوْ أَصَابَتْهُ الْبُنْدُقَةُ فَذَبَحَتْهُ بِقُوَّتِهَا، أَوْ قَطَعَتْ رَقَبَتَهُ حَرُمَ اهـ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ زي. وَهَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِحِلِّ الرَّمْيِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِحِلِّ الْمَرْمِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute