اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: ١] وَالْخَيْلُ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَقَوْمٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» وَفِيهِمَا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَتْ: «نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ» وَأَمَّا خَبَرُ خَالِدٍ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: مُنْكَرٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: مَنْسُوخٌ. وَبَقَرُ وَحْشٍ وَهُوَ أَشْبَهُ شَيْءٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بَعْرُهُ يَقْطَعُ الرُّعَافَ إذَا اُسْتُنْشِقَ بِهِ وَيُزِيلُ أَثَرَ الْجُدَرِيِّ وَأَكْلُ لَحْمِهِ يَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَفِي الْإِنْعَاظِ وَبَوْلُهُ إذَا شَرِبَهُ السَّكْرَانُ أَفَاقَ مِنْ سَاعَتِهِ وَقُرَادُهُ إذَا رُبِطَ عَلَى كُمِّ الْعَاشِقِ فَيَزُولُ عِشْقُهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْبَقَرُ) اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْهَاءُ لِلْوَحْدَةِ وَالْجَمْعُ بَقَرَاتٌ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الْبَقَرَةَ بَاقُورَةً سُمِّيَتْ بَقَرَةً لِشَقِّهَا الْأَرْضَ بِالْحِرَاثَةِ وَهِيَ أَجْنَاسٌ مِنْهَا الْجَوَامِيسُ وَهِيَ ضَأْنُ الْبَقَرِ وَكُلُّ حَيَوَانٍ إنَاثُهُ أَرَقُّ صَوْتًا مِنْ ذُكُورِهِ إلَّا الْبَقَرَ فَإِنَّ الْأُنْثَى أَضْخَمُ وَأَجْهَرُ صَوْتًا وَهِيَ تَتَلَوَّى وَتَتَقَلَّقُ تَحْتَ الذَّكَرِ لِصَلَابَةِ ذَكَرِهِ لَا سِيَّمَا إذَا أَخْطَأَ الْمَجْرَى اهـ. وَإِذَا اُسْتِيقَتْ أُنْثَاهُ إلَى الذَّكَرِ نَفَرَتْ وَأَتْعَبَتْ الرِّعَاءَ، وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ: رَأَيْت بِالرَّيِّ بَقَرًا تَبْرُكُ كَمَا تَبْرُكُ الْإِبِلُ وَلَيْسَ لِجِنْسِ الْبَقَرِ ثَنَايَا عُلْيَا فَهِيَ تَقْطَعُ الْحَشِيشَ بِالسُّفْلَى اهـ دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَالْغَنَمُ) وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَائِنَةٌ وَمَاعِزَةٌ. وَالضَّأْنُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَاعِزِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْحَابُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا بِأَوْجُهٍ: مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِذِكْرِ الضَّأْنِ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: ١٤٣] وَمِنْهَا حِكَايَةٌ عَنْ الْخَصْمَيْنِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} [ص: ٢٣] . وَلَمْ يَقُلْ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ عَنْزًا وَلِيَ عَنْزٌ وَاحِدَةٌ. وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: ١٠٧] وَهُوَ الْكَبْشُ وَالْبَرَكَةُ فِي الضَّأْنِ أَكْثَرُ وَمِنْ ذَلِكَ إذَا رَعَتْ شَيْئًا مِنْ الْكَلَإِ يَنْبُتُ فَإِنَّ الْمَعْزَ تَقْلَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ وَالضَّأْنُ تَرْعَى مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَمِمَّا أَهَانَ اللَّهُ بِهِ التَّيْسَ أَنْ جَعَلَهُ مَهْتُوكَ السِّتْرِ مَكْشُوفَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ بِخِلَافِ الْكَبْشِ وَلِهَذَا شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحَلِّلَ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ. وَمِنْهَا أَنَّ رُءُوسَ الضَّأْنِ أَطْيَبُ وَأَفْضَلُ مِنْ رُءُوسِ الْمَاعِزِ. وَكَذَلِكَ لَحْمُهَا، فَإِنَّ أَكْلَ لَحْمِ الْمَاعِزِ يُحَرِّكُ الْمُرَّةَ السَّوْدَاءَ وَيُوَلِّدُ الْبَلْغَمَ وَيُورِثُ النِّسْيَانَ وَيُفْسِدُ الدَّمَ وَلَحْمُ الضَّأْنِ عَكْسٌ اهـ. دَمِيرِيٌّ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إنَّ الْمَعْزَ اسْتَعْصَتْ عَلَى نُوحٍ أَنْ تَدْخُلَ السَّفِينَةَ فَرَفَعَهَا بِذَنَبِهَا فَمِنْ ذَلِكَ انْكَسَرَ ذَنَبُهَا وَصَارَ مَعْقُوصًا وَبَدَا حَيَاهَا، وَأَمَّا النَّعْجَةُ فَذَهَبَتْ حَتَّى دَخَلَتْ السَّفِينَةَ فَمَسَحَ نُوحٌ عَلَى ذَنَبِهَا فَسَتَرَ حَيَاهَا. قَوْلُهُ: (وَالْخَيْلُ) وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَأَصْلُ خَلْقِهَا مِنْ الرِّيحِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ مِنْهَا الْعَتَاقُ أَبَوَاهَا عَرَبِيَّانِ وَالْمُقْرِفُ أَبُوهُ عَجَمِيٌّ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ وَالْهَجِينُ عَكْسُهُ وَمِنْهَا الْبَرَاذِينُ أَبَوَاهَا عَجَمِيَّانِ وَسُمِّيَتْ خَيْلًا لِاخْتِيَالِهَا فِي مَشْيِهَا ق ل رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْإِبِلُ عِزٌّ لِأَهْلِهَا وَالْغَنَمُ بَرَكَةٌ وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ» وَمَعْنَى عَقْدِ الْخَيْرُ بِنَوَاصِيهَا: أَنَّهُ لَازِمٌ لَهَا كَأَنَّهُ مَعْقُودٌ فِيهَا وَالْمُرَادُ بِالنَّاصِيَةِ هُنَا الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَكَنَّى بِالنَّاصِيَةِ عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الْفَرَسِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ مُبَارَكُ النَّاصِيَةِ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ اللَّهْوِ شَيْئًا إلَّا ثَلَاثَةً: لَهْوُ رَجُلٍ مَعَ امْرَأَتِهِ وَإِجْرَاءُ الْخَيْلِ وَالنِّصَالُ» اهـ.
قَوْلُهُ: (وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) وَبِهَذَا رُدَّ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ فِي تَحْرِيمِ الْخَيْلِ بِآيَةِ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: ٨] مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْلَ وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ فَلَوْ دَلَّتْ عَلَى التَّحْرِيمِ لَلَزِمَ تَحْرِيمُ الْحُمُرِ قَبْلَ خَيْبَرَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. عَمِيرَةٌ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مُنْكَرٌ) عِبَارَةُ م ر. وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ يَكُونُ مَنْسُوخًا بِإِحْلَالِهَا يَوْمَ خَيْبَرَ.
قَوْلُهُ: (وَبَقَرُ وَحْشٍ) قَيَّدَ بِالْوَحْشِ لِعَطْفِ الْحِمَارِ عَلَيْهِ لَا لِإِخْرَاجِ الْأَهْلِيِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا قَيَّدَ بِالْوَحْشِ لِأَنَّ بَقَرَ الْأَهْلِ دَاخِلٌ فِي الْأَنْعَامِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute