وَالْبُغَاثَةُ لِأَنَّهَا كَالْحِدَأَةِ وَهِيَ طَائِرٌ أَبْيَضُ بَطِيءُ الطَّيَرَانِ وَالْبَبَّغَاءُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ بِالدُّرَّةِ وَالطَّاوُوسِ وَهُوَ طَائِرٌ فِي طَبْعِهِ الْعِفَّةُ وَحُبُّ الزَّهْوِ بِنَفْسِهِ وَالْخُيَلَاءُ وَالْإِعْجَابُ بِرِيشِهِ وَهُوَ مَعَ حُسْنِهِ يُتَشَاءَمُ بِهِ.
وَوَجْهُ تَحْرِيمِهِ وَمَا قَبْلَهُ خُبْثُهُمَا وَلَا يَحِلُّ مَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ كَخُطَّافِ وَيُسَمَّى عُصْفُورَ الْجَنَّةِ لِأَنَّهُ زَهِدَ مَا أَيْدِي النَّاسِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْجَوَامِيسِ وَمَوَاضِعِ الرَّوْثِ، وَمِنْ شَأْنِهِ جَمْعُ النَّجَاسَةِ وَادِّخَارُهَا، وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ رِيحِ الْوَرْدِ وَمِنْ رِيحِ الطِّيبِ فَإِذَا أُعِيدَ إلَى الرَّوْثِ عَاشَ. وَلَهُ سِتَّةُ أَرْجُلٍ وَسَنَامٌ مُرَبَّعٌ جِدًّا وَهُوَ يَمْشِي الْقَهْقَرَى إلَى خَلْفٍ وَمَعَ هَذِهِ الْمِشْيَةِ يَهْتَدِي إلَى بَيْتِهِ وَإِذَا أَرَادَ الطَّيَرَانَ انْتَفَشَ فَيَظْهَرُ جَنَاحُهُ فَيَطِيرُ، وَمِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَحْرُسُ النُّوَّامَ فَمَنْ قَامَ مِنْهُمْ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ تَبِعَهُ.
وَذَلِكَ مِنْ شَهْوَتِهِ لِلْغَائِطِ، لِأَنَّهُ قُوتُهُ اهـ دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَالْكَلْبِ غَيْرِ الْعَقُورِ) أَيْ يُكْرَهُ قَتْلُهُ وَعَنْ شَيْخِنَا حُرْمَتُهُ وَعَنْ وَالِدِ شَيْخِنَا م ر نُدِبَ قَتْلُهُ ق ل. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ قَتْلَ الْكَلْبِ الَّذِي لَا نَفْعَ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ حَرَامٌ. فَائِدَةٌ:
قِيلَ: كَانَ كَلْبُ أَهْلِ الْكَهْفِ مِنْ جِنْسِ الْكِلَابِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ كَانَ أَسَدًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ كَلْبًا أَغَرَّ وَاسْمُهُ قِطْمِيرٌ وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ أَصْفَرَ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ مَنْ أَحَبَّ أَهْلَ الْخَيْرِ نَالَ بَرَكَتَهُمْ فَهَذَا كَلْبٌ أَحَبَّ أَهْلَ الْخَيْرِ وَصَحِبَهُمْ فَذُكِرَ مَعَهُمْ فِي الْقُرْآنِ وَمَنْ خَافَ شَرَّ كَلْبٍ فَلْيَقْرَأْ {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الرحمن: ٣٣] آيَةَ الرَّحْمَنِ. اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ الرَّخَمَةُ) وَمِنْ طَبْعِ هَذَا الطَّائِرِ أَنَّهُ لَا يَرْضَى مِنْ الْجِبَالِ إلَّا الْمُوحِشَ مِنْهَا وَلَا مِنْ الْأَمَاكِنِ إلَّا أَبْعَدَهَا، مِنْ أَمَاكِنِ أَعْدَائِهِ، وَالْأُنْثَى مِنْهُ لَا تُمَكِّنُ مِنْ نَفْسِهَا غَيْرَ ذَكَرِهَا وَتَبِيضُ بَيْضَةً وَاحِدَةً. اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَالْبُغَاثَةُ) أَيْ الْبُومَةُ وَهِيَ الْمَصَّاصَةُ وَمِنْ طَبْعِهَا أَنْ تَدْخُلَ عَلَى كُلِّ طَائِرٍ فِي وَكْرِهِ وَتُخْرِجَهُ مِنْهُ وَتَأْكُلَ فِرَاخَهُ، وَبَيْضَهُ، وَهِيَ قَوِيَّةُ السَّطْوَةِ فِي اللَّيْلِ لَا يَحْتَمِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الطَّيْرِ وَلَا تَنَامُ فِي اللَّيْلِ فَإِذَا رَآهَا الطُّيُورُ فِي النَّهَارِ قَتَلُوهَا وَنَتَفُوا رِيشَهَا لِلْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ صَارَ الصَّيَّادُونَ يَجْعَلُونَهَا تَحْتَ شِبَاكِهِمْ لِيَقَعَ لَهُمْ الطَّيْرُ، وَلَا تَطِيرُ بِالنَّهَارِ خَوْفًا مِنْ أَنْ تُصَابَ بِالْعَيْنِ لِحُسْنِهَا وَجَمَالِهَا، وَلَمَّا تَصَوَّرَتْ فِي نَفْسِهَا أَنَّهَا أَحْسَنُ الْحَيَوَانِ لَمْ تَظْهَرْ إلَّا بِاللَّيْلِ اهـ. دَمِيرِيٌّ. وَعَنْ سَيِّدِنَا سُلَيْمَانَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - لَيْسَ مِنْ الطُّيُورِ أَنْصَحُ لِبَنِي آدَمَ وَأَشْفَقُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبُومَةِ، تَقُولُ إذَا وَقَفَتْ عِنْدَ خَرِبَةٍ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَنَعَّمُونَ فِي الدُّنْيَا وَيَسْعَوْنَ فِيهَا؟ وَيْلٌ لِبَنِي آدَمَ كَيْفَ يَنَامُونَ وَأَمَامَهُمْ الشَّدَائِدُ؟ تَزَوَّدُوا يَا غَافِلُونَ وَتَهَيَّئُوا لِسَفَرِكُمْ اهـ. ح ل فِي السِّيرَةِ.
قَوْلُهُ: (بِالدُّرَّةِ) وَهِيَ فِي قَدْرِ الْحَمَامَةِ فَيَتَّخِذُهَا النَّاسُ لِلِانْتِفَاعِ بِصَوْتِهَا كَمَا يَتَّخِذُونَ الطَّاوُوسَ لِلِانْتِفَاعِ بِصَوْتِهِ وَلَوْنِهِ وَلَهَا قُوَّةٌ عَلَى حِكَايَةِ الْأَصْوَاتِ وَقَبُولِ التَّلْقِينِ. وَتَتَنَاوَلُ مَأْكُولَهَا بِرِجْلِهَا كَمَا يَتَنَاوَلُ الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهَا اسْمُ ذَكَرٍ مِنْ لَفْظِهَا وَمَنْ أَكَلَ لِسَانَهَا صَارَ فَصِيحًا. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَلَيْسَتْ مِنْ طُيُورِ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا تُجْلَبُ مِنْ النُّوبَةِ وَالْيَمَنِ ز ي. قَالَ ح ل فِي السِّيرَةِ وَقَدْ وَقَعَ لِي أَنِّي دَخَلْت مَنْزِلًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ دُرَّةٌ لَمْ أَرَهَا فَإِذَا هِيَ تَقُولُ مَرْحَبًا بِالشَّيْخِ الْبَكْرِيِّ وَتُكَرِّرُ ذَلِكَ، فَعَجِبْت مِنْ فَصَاحَةِ عِبَارَتِهِ. وَحَكَى الْكَمَالُ الْأُدْفُوِيُّ فِي الطَّالِعِ السَّعِيدِ عَنْ الْفَاضِلِ الْأَدِيبِ مُحَمَّدٍ الْقُوصِيِّ، عَنْ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْحَرِيرِيِّ أَنَّهُ رَأَى دُرَّةً تَقْرَأُ سُورَةَ يس، وَعَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ: شَاهَدْت غُرَابًا يَقْرَأُ سُورَةَ السَّجْدَةِ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى مَحَلِّ السُّجُودِ سَجَدَ. وَقَالَ: سَجَدَ لَك سَوَادِي وَآمَنَ بِك فُؤَادِي اهـ. مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (يُتَشَاءَمُ بِهِ) وَكَانَ وَجْهُ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِدُخُولِ إبْلِيسَ الْجَنَّةَ. وَخُرُوجِ آدَمَ مِنْهَا وَسَبَبًا لِخُلُوِّ تِلْكَ الدَّارِ مِنْ آدَمَ مُدَّةَ دَوَامِ الدُّنْيَا كُرِهَتْ إقَامَتُهُ فِي الدُّورِ بِسَبَبِ ذَلِكَ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (خُبْثُهُمَا) أَيْ الطَّاوُوسُ وَمَا قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلُ مُتَعَدِّدًا.
قَوْلُهُ: (كَخُطَّافٍ بِضَمِّ الْخَاءِ) نَوْعٌ مِنْ الْعُصْفُورِ يُعْرَفُ بِعُصْفُورِ الْجَنَّةِ جَمْعُهُ خَطَاطِيفُ يَبْنِي بَيْتَهُ فِي أَبْعَدِ الْمَوَاضِعِ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا بِنَاءً مُحْكَمًا بِالطِّينِ وَاللَّبِنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ طِينًا غَطَسَ فِي الْمَاءِ وَتَمَرَّغَ فِي التُّرَابِ وَطَيَّنَ عُشَّهُ بِمَا عَلَى أَجْنِحَتِهِ. وَيَجْعَلُهُ عَلَى قَدْرِهِ وَقَدْرِ فَرْخِهِ فَقَطْ وَلَا يُلْقِي فِيهِ شَيْئًا مِنْ خُرْئِهِ، بَلْ يُلْقِيهِ خَارِجَهُ وَيَجْعَلُ فِيهِ