للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية البجيرمي]

قُضْبَانَ الْكَرَفْسِ؛ لِيُنَفِّرَ الْخُفَّاشَ عَنْ فِرَاخِهِ لِأَنَّهُ يَهْرُبُ مِنْ رَائِحَةِ الْكَرَفْسِ، وَلَوْلَاهُ لَقَتَلَ فِرَاخَهُ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا وَإِذَا كَبُرَتْ فِرَاخُهُ عَلَّمَهَا ذَلِكَ. وَمِنْ أَمْرِهِ إذَا قُلِعَتْ عَيْنُهُ عَادَتْ. وَإِذَا عَمِيَ أَكَلَ مِنْ شَجَرَةٍ يُقَالُ لَهَا عَيْنُ شَمْسٍ، فَيَعُودُ بَصَرُهُ لِمَا فِي تِلْكَ الشَّجَرَةِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لِلْعَيْنِ وَمَا رُئِيَ قَطُّ آكِلًا وَلَا مُجْتَمِعًا بِأُنْثَاهُ، وَإِذَا أَرَادَ شَخْصٌ حَجَرَ الْيَرَقَانِ لَطَّخَ فَرْخَهُ بِزَعْفَرَانٍ أَيْ يَدْهُنُ بِهِ مَنَاقِيرَ أَوْلَادِهِ لِيَعْتَقِدَ ذَلِكَ الْعُصْفُورُ أَنَّ بِأَوْلَادِهِ ذَلِكَ الْمَرَضَ أَيْ الْيَرَقَانَ فَيَذْهَبُ فَيَأْتِيَ بِحَجَرِ الْيَرَقَانِ الَّذِي هُوَ نَافِعٌ جِدًّا وَيَمُرَّ بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ حَجَرٌ فِيهِ خُطُوطٌ بَيْنَ الْحُمْرَةِ وَالسَّوَادِ إذَا حَمَلَهُ ذُو الْيَرَقَانِ أَوْ غَسَلَهُ وَشَرِبَ مَاءَهُ عَلَى الْفُطُورِ زَالَ عَنْهُ. قِيلَ: وَقَدْ زَهِدَ الْخُطَّافُ مَا لِلنَّاسِ مِنْ الْأَقْوَاتِ وَاقْتَاتَ بِالْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ. وَلِهَذَا أَحَبَّهُ النَّاسُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ بِسُوءٍ قَالَ النَّبِيُّ: «ازْهَدْ مَا فِي الدُّنْيَا يُحِبُّك اللَّهُ وَازْهَدْ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّك النَّاسُ» أَمَّا كَوْنُ زُهْدِ الدُّنْيَا سَبَبًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَنْ أَطَاعَهُ. وَطَاعَتُهُ لَا تَجْتَمِعُ مَعَ مَحَبَّةِ الدُّنْيَا وَأَمَّا كَوْنُ زُهْدِ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ سَبَبًا لِمَحَبَّتِهِمْ لِأَنَّهُمْ مُحِبُّونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَنْ نَزَعَ مَحْبُوبًا مِنْ مُحِبِّهِ أَبْغَضَهُ. وَمَنْ تَنَزَّهَ عَنْهُ وَتَرَكَهُ لِمُحِبِّهِ أَحَبَّهُ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ فِي وَصْفِ الْخُطَّافِ:

كُنَّ زَاهِدًا فِيمَا حَوَتْهُ يَدُ الْوَرَى ... تُضْحِي إلَى كُلِّ الْأَنَامِ جَلِيسًا

أَوَ مَا تَرَى الْخُطَّافَ حَرَّمَ زَادَهُمْ ... فَأَضْحَى مُقِيمًا فِي الْبُيُوتِ رَئِيسًا

سَمَّاهُ رَئِيسًا لِأَنَّهُ يَأْلَفُ الْبُيُوتَ الْعَامِرَةَ دُونَ الْخَارِبَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ؛ قِيلَ: لَمَّا خَرَجَ آدَم مِنْ الْجَنَّةِ اشْتَكَى الْوَحْشَةَ فَآنَسَهُ اللَّهُ بِالْخُطَّافِ وَأَلْهَمَهَا سُكْنَى الْبُيُوتِ أُنْسًا لِبَنِيهِ فَهِيَ لَا تُفَارِقُ بَنِي آدَمَ أُنْسًا لَهُمْ وَمَعَهَا أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَهِيَ {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} [الحشر: ٢١] إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَتَمُدُّ صَوْتَهَا بِقَوْلِهِ: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: ٢٤] حُكِيَ أَنَّ خُطَّافًا رَاوَدَ خُطَّافَةً عَلَى قُبَّةِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ، قَالَ لَهَا: تَمْتَنِعِينَ عَلَيَّ وَلَوْ شِئْت لَقَلَبْت الْقُبَّةَ عَلَى سُلَيْمَانَ فَدَعَاهُ سُلَيْمَانُ وَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا تُؤَاخِذْ الْعُشَّاقَ بِأَقْوَالِهِمْ قَالَ: صَدَقْت. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّ كَلَامَ الْعُشَّاقِ الَّذِينَ أَفْرَطَ حُبُّهُمْ يُسْتَلَذُّ بِسَمَاعِهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، كَمَا حُكِيَ أَنَّ فَاخِتَةَ كَانَ يُرَاوِدُهَا زَوْجُهَا فَتَمْنَعُهُ مِنْ نَفْسِهَا فَقَالَ: مَا الَّذِي يَمْنَعُك عَنِّي وَلَوْ أَرَدْت أَنْ أَقْلِبَ لَك مُلْكَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ظَهْرًا لِبَطْنٍ لَفَعَلْتُ لِأَجْلِك فَسَمِعَهُ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَاسْتَدْعَاهُ وَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى مَا قُلْت؟ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَنَا مُحِبٌّ وَالْمُحِبُّ لَا يُلَامُ وَكَلَامُ الْعُشَّاقِ يُطْوَى وَلَا يُحْكَى. قَالَ الشَّاعِرُ:

أُرِيدُ وِصَالَهُ وَيُرِيدُ هَجْرِي ... فَأَتْرُكُ مَا أُرِيدُ لِمَا يُرِيدُ

وَرُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَرَّ بِعُصْفُورٍ يَدُورُ حَوْلَ عُصْفُورَةٍ فَقَالَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَصْحَابِهِ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا لَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ وَيَقُولُ تَزَوَّجِينِي أُسْكِنْك أَيَّ قُصُورِ دِمَشْقَ إنْ شِئْتِ. قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنَّ غُرَفَ دِمَشْقَ مَبْنِيَّةٌ بِالصَّخْرِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْكُنَهَا لَكِنَّ كُلَّ خَاطِبٍ كَذَّابٌ. وَرُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى عُصْفُورًا يُخَاطِبُ عُصْفُورَةً وَقَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ وَخَفَضَهَا إلَى الْأَرْضِ فَقَالَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِجُلَسَائِهِ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ هَذَا الْعُصْفُورُ لِهَذِهِ الْعُصْفُورَةِ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: يَقُولُ وَاَلَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ بِقُدْرَتِهِ وَبَسَطَ الْأَرْضَ بِحِكْمَتِهِ مَا أُرِيدُ مِنْك شَهْوَةَ لَذَّةٍ، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِك نَسَمَةً تُوَحِّدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَالْخَطَاطِيفُ أَنْوَاعٌ مِنْهَا مَا يَأْلَفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>