مِنْ الْأَقْوَاتِ وَنَمْلٍ وَذُبَابٍ.
وَلَا تَحِلُّ الْحَشَرَاتُ وَهُوَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ كَخُنْفُسَاءَ وَدُودٍ، وَلَا مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
سَاحِلَ الْبَحْرِ وَيَبْنِي بَيْتَهُ بِهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَخْضَرُ كَالدُّرَّةِ وَيُسَمِّيهِ أَهْلُ مِصْرَ الْخُضَيْرَ؛ وَحُكْمُ الْخُطَّافِ حُرْمَةُ أَكْلِهِ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ الْخَطَاطِيفِ وَذَبْحِهَا» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ يَتَقَوَّتُ بِالْحَلَالِ غَالِبًا، وَإِذَا نُقِعَ عُشُّهُ بِمَا فِيهِ فِي الْمَاءِ يَوْمًا وَلَيْلَةً نَفَعَ شُرْبُهُ لِلْحَصْبَةِ اهـ. دَمِيرِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَنَمْلٍ) وَالنَّمْلَةُ وَاحِدُ النَّمْلِ وَجَمْعُ الْجَمْعِ نِمَالٌ وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِهَا. وَحَمَلُوهُ عَلَى النَّمْلِ السُّلَيْمَانِيِّ وَهُوَ الْكَبِيرُ لِانْتِفَاءِ أَذَاهُ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَيَحِلُّ قَتْلُهُ لِكَوْنِهِ مُؤْذِيًا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَنَمُّلِهِ أَيْ تَحَرُّكِهِ بِكَثْرَةِ مَا يَحْمِلُ مَعَ قِلَّةِ قَوَامِهِ وَهُوَ لَا جَوْفَ لَهُ وَعَيْشُهُ بِالشَّمِّ مَعَ أَنَّهُ أَحْرَصُ الْحَيَوَانِ عَلَى الْقُوتِ وَالنَّمْلُ لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَلَاقَحُ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ حَقِيرٌ فِي الْأَرْضِ فَيَنْمُو، وَهُوَ عَظِيمُ الْحِيلَةِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا أَنْذَرَ الْبَاقِينَ فَيَأْتُونَ إلَيْهِ، وَمِنْ طَبْعِهِ أَنَّهُ يَحْتَكِرُ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ لِزَمَنِ الشِّتَاءِ. وَإِذَا احْتَكَرَ مَا يَخَافُ إنْبَاتَهُ قَسَمَهُ نِصْفَيْنِ وَإِذَا خَافَ الْعَفَنَ عَلَى الْحَبِّ أَخْرَجَهُ إلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ وَنَشَرَهُ، وَأَكْثَرُ مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لَيْلًا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ وَيُقَالُ: إنَّ حَيَاتَهُ لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِ مَا يَأْكُلُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جَوْفٌ يَنْفُذُ مِنْهُ الطَّعَامُ وَإِنَّمَا عَيْشُهُ بِالشَّمِّ وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ مَا يَحْمِلُ ضِعْفَ بَدَنِهِ مِرَارًا غَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِأَضْعَافِ الْأَضْعَافِ، حَتَّى إنَّهُ يَتَكَلَّفُ حَمْلَ نَوَى التَّمْرِ، وَهُوَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى حَمْلِهِ الْحِرْصُ وَالشَّرَهُ. وَهُوَ يَجْمَعُ غِذَاءَ سِنِينَ لَوْ عَاشَ، وَلَا يَكُونُ عُمُرُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَمِنْ عَجَائِبِهِ اتِّخَاذُ الْقَرْيَةِ تَحْتَ الْأَرْضِ وَفِيهَا مَنَازِلُ وَدَهَالِيزُ وَغُرَفٌ وَطَبَقَاتٌ مُعَلَّقَاتٌ تَمْلَؤُهَا حُبُوبًا وَذَخَائِرَ لِلشِّتَاءِ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمِعَ النَّمْلَةَ وَقَدْ أَحَسَّتْ بِصَوْتِ جُنُودِ سُلَيْمَانَ تَقُولُ لِلنَّمْلِ: {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: ١٨] . فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ سُلَيْمَانُ الرِّيحَ فَوَقَفَتْ حَتَّى دَخَلَ النَّمْلُ مَسَاكِنَهَا ثُمَّ جَاءَ سُلَيْمَانُ إلَى تِلْكَ النَّمْلَةِ وَقَالَ لَهَا حَذَّرْت النَّمْلَ ظُلْمِي قَالَتْ: أَمَا سَمِعْت قَوْلِي: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: ١٨] عَلَى أَنِّي لَمْ أُرِدْ حَطْمَ النُّفُوسِ أَيْ إهْلَاكَهَا إنَّمَا أَرَدْت حَطْمَ الْقُلُوبِ خَشْيَةَ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِالنَّظَرِ إلَيْك عَنْ التَّسْبِيحِ أَيْ فَيَمُتْنَ فَقَدْ جَاءَ مَرْفُوعًا: «آجَالُ الْبَهَائِمِ كُلِّهَا وَخَشَاشِ الْأَرْضِ فِي التَّسْبِيحِ فَإِذَا انْقَضَى تَسْبِيحُهَا قَبَضَ اللَّهُ أَرْوَاحَهَا» وَيُرْوَى: «مَا مِنْ صَيْدٍ يُصَادُ وَلَا شَجَرَةٍ تُقْطَعُ إلَّا بِغَفْلَتِهَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ» وَفِي الْحَدِيثِ: «الثَّوْبُ يُسَبِّحُ فَإِذَا اتَّسَخَ انْقَطَعَ تَسْبِيحُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «إنَّ النَّمْلَ قَالَتْ لَهُ إنَّمَا خَشِيت أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْك فَتَكْفُرَ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا عِظِينِي فَقَالَتْ: هَلْ تَدْرِي لِمَ جُعِلَ مُلْكُك فِي فَصِّ خَاتَمِك؟ قَالَ: لَا قَالَتْ: أُعْلِمُكَ أَنَّ الدُّنْيَا لَا تُسَاوِي قِطْعَةً مِنْ حَجَرٍ» . وَيُذْكَرُ أَنَّ هَذِهِ النَّمْلَةَ الَّتِي خَاطَبَتْ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَهْدَتْ لَهُ نَبْقَةً وَضَعَتْهَا لَهُ فِي كَفِّهِ. وَفِي فَتَاوَى الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ قَالَ الثَّعَالِبِيُّ فِي زَهْرِ الرِّيَاضِ: لَمَّا تَوَلَّى سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَمِيعَ الْمُلْكِ جَاءَهُ جَمِيعُ الْحَيَوَانَاتِ يُهَنِّئُونَهُ إلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً، فَجَاءَتْ تُعَزِّيهِ فَعَاتَبَهَا النَّمْلُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: كَيْفَ أُهَنِّئُهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَحَبَّ عَبْدًا زَوَى عَنْهُ الدُّنْيَا وَحَبَّبَ إلَيْهِ الْآخِرَةَ. وَقَدْ شُغِلَ سُلَيْمَانُ بِأَمْرٍ لَا يَدْرِي مَا عَاقِبَتُهُ فَهُوَ بِالتَّعْزِيَةِ أَوْلَى مِنْ التَّهْنِئَةِ. وَجَاءَهُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ شَرَابٌ مِنْ الْجَنَّةِ. فَقِيلَ لَهُ إنْ شَرِبْته لَمْ تَمُتْ فَشَاوَرَ جُنْدَهُ فَكُلٌّ أَشَارَ بِشُرْبِهِ إلَّا الْقُنْفُذُ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تَشْرَبْهُ فَإِنَّ الْمَوْتَ فِي عِزٍّ، خَيْرٌ مِنْ الْبَقَاءِ فِي سِجْنِ الدُّنْيَا. قَالَ: صَدَقْت فَأَرَاقَ الشَّرَابَ فِي الْبَحْرِ؛ وَرُوِيَ: أَنَّ النَّمْلَةَ الَّتِي خَاطَبَتْ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَهْدَتْ لَهُ نَبْقَةً وَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَنَا نُهْدِي إلَى اللَّهِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ عَنْهُ ذَا غِنًى فَهُوَ قَابِلُهْ وَلَوْ كَانَ يُهْدَى لِلْجَلِيلِ بِقَدْرِهِ لَقَصَّرَ عَنْهُ الْبَحْرُ حَتَّى سَوَاحِلُهْ وَلَكِنَّنَا نُهْدِي إلَى مَنْ نُحِبُّهُ فَيَرْضَى بِهِ عَنَّا وَيُشْكَرُ فَاعِلُهْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute