كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ كَلْبٍ وَشَاةٍ، فَلَوْ لَمْ نَرَ ذَلِكَ وَوَلَدَتْ سَخْلَةً تُشْبِهُ الْكَلْبَ. قَالَ الْبَغَوِيّ لَا تَحْرُمُ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الْخَلْقُ عَلَى خِلَافِ صُورَةِ الْأَصْلِ، وَمِنْ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ السِّمْعُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ، وَالْبَغْلُ لِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ كَمَا مَرَّ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَمَا ذَاكَ إلَّا مِنْ كَرِيمِ فِعَالِهِ وَإِلَّا فَمَا فِي مِلْكِنَا مَا نُشَاكِلُهْ فَقَالَ سُلَيْمَانُ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ. وَمِمَّا يَنْفَعُ لِتَرْحِيلِهِ أَنْ يُكْتَبَ فِي إنَاءٍ مَدْهُونٍ طَاهِرٍ وَيُمْحَى بِالْمَاءِ وَيُرَشَّ فِي مَوْضِعِ النَّمْلِ، وَهَذَا مَا تَكْتُبُ: إنَّ سُلَيْمَانَ يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَأْمُرُكُمْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُ مَسْجِدًا مِنْ الشَّعْرِ طُولُهُ طُولُ الدُّنْيَا وَعَرْضُهُ عَرْضُ الْآخِرَةِ. وَإِلَّا فَعَلَيْكُمْ بِالْهَرَبِ وَعَلَيْنَا الطَّلَبُ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: ٤١] بِحَقِّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمُبَارَكَةِ الْوَحْيِ الْعِجْلَ السَّاعَةَ. اهـ. .
قَوْلُهُ (كَخُنْفُسَاءَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا مَمْدُودٌ دُوَيْبَّةٌ سَوْدَاءُ مُنْتِنَةُ الرِّيحِ وَكُنْيَتُهَا أُمُّ الْفَسْوِ لِكَثْرَةِ فَسْوِهَا وَهِيَ تَتَوَلَّدُ مِنْ عُفُونَةِ الْأَرْضِ وَهِيَ طَوِيلَةُ الظُّهْرِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَقْرَبِ صَدَاقَةٌ وَلِهَذَا يُقَالُ لَهَا جَارِيَتُهَا. وَمِنْ شَأْنِهَا أَنَّهَا تَهْرُبُ مِنْ الْكَرَفْسِ فَإِذَا وَضَعَ بِمَوْضِعٍ رَحَلَتْ مِنْهُ. وَحُكِيَ أَنَّ رَجُلًا رَأَى خُنْفُسَاءَ فَقَالَ: مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِخَلْقِ هَذِهِ أَلِحُسْنِ شَكْلِهَا، أَوْ طِيبِ رِيحِهَا. فَابْتُلِيَ بِقُرْحَةٍ عَجَزَ فِيهَا الْأَطِبَّاءُ فَتَرَكَ عِلَاجَهَا ثُمَّ سَمِعَ يَوْمًا صَوْتَ طَبِيبٍ مِنْ الطَّرَّاقِينَ يُنَادِي فِي الدَّرْبِ فَقَالَ ائْتُونِي بِهِ يَنْظُرُ إلَيَّ فَقَالُوا: وَمَا يَصْنَعُ هَذَا وَعَجَزَ عَنْك حُذَّاقُ الْأَطِبَّاءِ؟ فَقَالَ لَا بُدَّ لِي مِنْهُ فَأَحْضَرُوهُ فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ قَالَ ائْتُونِي بِخُنْفُسَاءَ فَضَحِكُوا مِنْهُ فَتَذَكَّرَ الْعَلِيلُ مَا صَدَرَ مِنْهُ فَقَالَ: أَحْضِرُوا لَهُ مَا طَلَبَ فَإِنَّهُ عَلَى بَصِيرَةٍ فَجَاءُوهُ بِوَاحِدَةٍ فَأَحْرَقَهَا وَذَرَّ رَمَادَهَا عَلَى الْقُرْحَةِ. فَبَرَأَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَنِي أَنَّ أَخَسَّ الْمَخْلُوقَاتِ أَعَزُّ الْأَدْوِيَةِ وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا سُدًى سُبْحَانَهُ، وَالِاكْتِحَالُ بِمَا فِي جَوْفِهَا يَجْلُو الْغِشَاوَةَ، وَيُحِدُّ الْبَصَرَ، وَيُزِيلُ الْبَيَاضَ اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَدُودٍ) أَيْ إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ مُفْرَدُهُ دُودَةٌ وَجَمْعُهُ دِيدَانٌ وَيُصَغَّرُ عَلَى دُوَيْدَةٍ.
قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ نَزْوِ الْكَلْبِ عَلَى الشَّاةِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الْخَلْقُ إلَخْ وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ تَرْكَهَا وَذَهَبَ جَمْعٌ إلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ أَشْبَهَ بِالْحَلَالِ خِلْقَةً حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَيَجُوزُ شُرْبُ لَبَنِ فَرَسٍ وَلَدَتْ بَغْلًا، وَشَاةٍ كَلْبًا لِأَنَّهُ مِنْهَا لَا مِنْ الْفَحْلِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَالْبَغْلُ) وَشِدَّةُ شَبَهِهِ لِأُمِّهِ لَا لِأَبِيهِ وَهُوَ عَقِيمٌ لَا يُولَدُ لَهُ. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَنَّ الْبِغَالَ كَانَتْ تَتَنَاسَلُ وَكَانَتْ أَسْرَعَ الدَّوَابِّ فِي نَقْلِ الْحَطَبِ لِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَدَعَا عَلَيْهَا فَقَطَعَ اللَّهُ نَسْلَهَا، قِيلَ وَأَوَّلُ مَنْ أَنْتَجَهَا قَارُونُ اهـ. دَمِيرِيٌّ قَالَ ح ل فِي السِّيرَةِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ بَغْلَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ ذَكَرًا لَا أُنْثَى قِيلَ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ بَغْلَةٌ غَيْرَهَا. وَقَدْ قَالَ لَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ حَمَلْنَا الْحُمُرَ عَلَى الْخَيْلِ لَكَانَ لَنَا مِثْلُ هَذِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أَيْ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ النَّهْيَ: وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ امْتَنَّ بِهَا كَالْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَلَا يَقَعُ الِامْتِنَانُ بِالْمَكْرُوهِ. اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا وَأَمَّا بَغْلَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَغْلَةٌ شَهْبَاءُ يُقَالُ لَهَا: دُلْدُلٌ أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ مَعَ مَارِيَةَ. وَهَذِهِ أَوَّلُ بَغْلَةٍ رُكِبَتْ فِي الْإِسْلَامِ وَفِي لَفْظٍ رُئِيَتْ فِي الْإِسْلَامِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْكَبُهَا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الْأَسْفَارِ، وَعَاشَتْ حَتَّى ذَهَبَتْ أَسْنَانُهَا، فَكَانَ يُدَقُّ لَهَا الشَّعِيرُ وَعَمِيَتْ، وَقَاتَلَ عَلَيْهَا عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ الْخَوَارِجَ بَعْدَ أَنْ رَكِبَهَا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَكِبَهَا بَعْدَ عَلِيٍّ ابْنُهُ الْحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ ابْنُهُ الْحُسَيْنُ ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَسُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ هَلْ كَانَتْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرًا وَالتَّاءُ لِلْوَحْدَةِ أَجَابَ بِالْأَوَّلِ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ ذَكَرًا وَرَمَاهَا رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهَا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَنِي إلَى زَوْجَتِهِ أَمِّ سَلَمَةَ فَأَتَيْتُهُ بِصُوفٍ وَلِيفٍ ثُمَّ فَتَلْت أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسَنًا وَعِذَارًا ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَأَخْرَجَ عَبَاءَةً فَثَنَاهَا، ثُمَّ رَبَّعَهَا عَلَى ظَهْرِهَا ثُمَّ سَمَّى وَرَكِبَ ثُمَّ أَرْدَفَنِي خَلْفَهُ» . اهـ وَيَجُوزُ الْإِرْدَافُ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا كَانَتْ مُطِيقَةً وَلَا يَجُوزُ إذَا لَمْ تُطِقْهُ وَإِذَا أَرْدَفَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِصَدْرِهَا وَيَكُونُ الرَّدِيفُ وَرَاءَهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِبُهَا بِتَقْدِيمِهِ لِجَلَالَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَأَفَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute