للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ لِشَرَفِ الْإِسْلَامِ. وَحَيْثُ جَوَّزْنَا أَكْلُ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ يَجُوزُ طَبْخُهَا وَلَا شَيُّهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهِ بَيْنَ أَكْلِهِ نِيئًا وَغَيْرِهِ. وَلَهُ قَتْلُ مُرْتَدٍّ وَأَكْلُهُ وَقَتْلُ حَرْبِيٍّ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ امْرَأَةً وَأَكْلُهُ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَعْصُومَيْنِ. وَإِنَّمَا حَرُمَ قَتْلُ الصَّبِيِّ الْحَرْبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّةِ، فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ لَا لِحُرْمَتِهِمَا بَلْ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلَهُ قَتْلُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْمُحَارِبِ. وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ فِي الْقَتْلِ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ مُسْتَحَقٌّ.

وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ تَأَدُّبًا مَعَهُ، وَحَالُ الضَّرُورَةِ لَيْسَ فِيهَا رِعَايَةُ أَدَبٍ وَحُكْمُ مَجَانِينِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَرِقَّائِهِمْ وَخَنَاثَاهُمْ كَصِبْيَانِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ صَبِيًّا مَعَ بَالِغٍ حَرْبِيَّيْنِ أَكَلَ الْبَالِغَ وَكَفَّ عَنْ الصَّبِيِّ لِمَا فِي أَكْلِهِ مِنْ ضَيَاعِ الْمَالِ. وَلِأَنَّ الْكُفْرَ الْحَقِيقِيَّ أَبْلَغُ مِنْ الْكُفْرِ الْحُكْمِيِّ انْتَهَى. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا شُبِّهَ بِالصَّبِيِّ وَمَحَلُّ الْإِبَاحَةِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إذَا لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ أَيْ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا صَارُوا أَرِقَّاءَ مَعْصُومِينَ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ ذِمِّيٍّ وَمُعَاهِدٍ لِحُرْمَةِ قَتْلِهِمَا وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ طَعَامَ غَائِبٍ أَكَلَ مِنْهُ وَغَرِمَ بَدَلَهُ أَوْ حَاضِرٍ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ بَلْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابْدَأْ بِنَفْسِك» وَإِبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا وَجَبَ بَذْلُهُ لَهُ فَإِنْ آثَرَ الْمُضْطَرُّ مُضْطَرًّا مُسْلِمًا مَعْصُومًا جَازَ بَلْ سُنَّ إنْ كَانَ أَوْلَى بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] وَهُوَ مِنْ شِيَمِ الصَّالِحِينَ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ وَالْبَهِيمَةُ وَبِالْمَعْصُومِ مُرَاقُ الدَّمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ نَفْسَهُ عَلَى هَؤُلَاءِ أَوْ وَجَدَ طَعَامَ حَاضِرٍ غَيْرِ مُضْطَرٍّ لَزِمَهُ بَذْلُهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

حَقِيقَةً وَلَا تَرْجِعُ أَرْوَاحُهُمْ إلَّا بَعْدَ دَفْنِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَيْسَ مَوْتُهُمْ كَمَوْتِ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّ لِرُوحِهِمْ اتِّصَالًا بِأَبْدَانِهِمْ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ طَبْخُهَا) قَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِالْمُحْتَرَمِ وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ وَمَحَلُّ امْتِنَاعِ طَبْخِهِ وَشَيِّهِ حَيْثُ أَمْكَنَ أَكْلُهُ نِيئًا وَإِلَّا جَازَ اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (وَالْمُحَارِبُ) أَيْ قَاطِعُ الطَّرِيقِ.

قَوْلُهُ: (حَرْبِيَّيْنِ) نَعْتٌ مَقْطُوعٌ أَيْ أَعْنِي لِاخْتِلَافِ عَامِلِ الْمَتْبُوعِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ) حَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ طَعَامَ الْغَيْرِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا وَإِذَا كَانَ حَاضِرًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ لِغَائِبٍ، أَكَلَ مِنْهُ وُجُوبًا، وَغَرِمَ الْبَدَلَ الْقِيمَةَ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْبَدَلِ أَمْ لَا اكْتِفَاءً بِالذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا فَيَجِبُ بَذْلُهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ لِوُجُوبِ فِدَائِهِ بِالنَّفْسِ وَلِلْمَالِكِ فِي الْأَوْلَى إيثَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بَلْ يُسَنُّ فَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِلْمَعْصُومِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَوْ فِي الذِّمَّةِ إذَا لَمْ يَحْضُرْ، فَلَوْ سَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجِبْ، حَمْلًا عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ إعْطَائِهِ فَلَهُ قَهْرُهُ، وَأَخْذُهُ مِنْهُ وَإِنْ قَتَلَهُ، لَمْ يَضْمَنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُضْطَرُّ كَافِرًا مَعْصُومًا وَالْمَالِكُ مُسْلِمًا فَيَضْمَنُهُ.

قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا وَجَبَ بَذْلُهُ) وَيُتَصَوَّرُ هَذَا فِي حَقِّ الْخَضِرِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ الْأَصَحُّ أَنَّهُ نَبِيٌّ حَيٌّ وَفِي عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا نَزَلَ اهـ. إيعَابُ شَوْبَرِيٍّ وَالْأَوْجَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ النَّظَرِ لِأَفْضَلِيَّةِ الْمَيِّتِ مَعَ اتِّحَادِهِمَا إسْلَامًا وَعِصْمَةً قِيلَ وَقِيَاسُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ اتِّحَادِهِمَا نُبُوَّةً وَيُتَصَوَّرُ فِي عِيسَى وَالْخَضِرِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا. وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ إذْ هُمَا حَيَّانِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ اهـ. قَالَ ع ش عَلَيْهِ قَدْ يُقَالُ: هَذَا خِلَافُ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى أَفْضَلِيَّةِ أَحَدِهِمَا بَلْ الْحَيُّ يَأْكُلُ مِنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّ النَّبِيَّ حَيٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَمُتْ فَلَا يَجُوزُ لِلْحَيِّ الْأَكْلُ مِنْهُ. وَقِيَاسُ هَذَا أَنَّ غَيْرَ الشَّهِيدِ، وَبَعْضَ الشُّهَدَاءِ مَعَ بَعْضٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الشَّهِيدِ لِمَا صَحَّ مِنْ أَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ. وَاَلَّذِي نَقَلَهُ سم عَنْ م ر. أَنَّهُ مَشَى عَلَى أَنَّ لِلْمُضْطَرِّ الْمُسْلِمِ أَكْلَ مَيْتَةِ الشَّهِيدِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ الشَّهِيدِ وَإِنْ كَانَ حَيًّا لِأَنَّ حَيَاتَهُ لَيْسَتْ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْإِيثَارُ مِنْ شِيَمِ الصَّالِحِينَ أَيْ خِصَالِهِمْ الْحَمِيدَةِ.

قَوْلُهُ: (بِثَمَنِ مِثْلٍ)

<<  <  ج: ص:  >  >>