قَاضٍ أَصَمَّ مُسْمِعَيْنِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا أَهْلَ شَهَادَةٍ وَلَا يَضُرُّهُمَا الْعَمَى لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ وَالْإِسْمَاعَ تَفْسِيرٌ. وَنَقْلُ اللَّفْظِ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُعَايَنَةٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَأَنْ يَتَّخِذَ دِرَّةً لِلتَّأْدِيبِ وَسِجْنًا لِأَدَاءِ حَقٍّ وَلِعُقُوبَةٍ. وَيَكُونُ جُلُوسُهُ (فِي مَوْضِعٍ) فَسِيحٍ (بَارِزٍ لِلنَّاسِ) أَيْ ظَاهِرٍ لَهُمْ لِيَعْرِفَهُ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ مُسْتَوْطِنٍ وَغَرِيبٍ مَصُونًا مِنْ أَذَى حَرٍّ، وَبَرْدٍ بِأَنْ يَكُونَ فِي الصَّيْفِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ وَفِي الشِّتَاءِ فِي كِنٍّ لَائِقًا بِالْحَالِ فَيَجْلِسُ فِي كُلِّ فَصْلٍ مِنْ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَغَيْرِهِمَا بِمَا يُنَاسِبُهُ وَيُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ حَاجِبًا كَمَا قَالَ: (لَا حَاجِبَ لَهُ) أَيْ لِلْقَاضِي (دُونَهُمْ) أَيْ الْخُصُومِ أَيْ حَيْثُ لَا زَحْمَةَ وَقْتَ الْحُكْمِ لِخَبَرِ: «مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ حَجَبَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ لِلْحُكْمِ بِأَنْ كَانَ فِي وَقْتِ خَلَوَاتِهِ أَوْ كَانَ ثَمَّ زَحْمَةٌ لَمْ يُكْرَهْ نَصْبُهُ وَالْبَوَّابُ وَهُوَ مَنْ يَقْعُدُ بِالْبَابِ لِلْإِحْرَازِ وَيَدْخُلُ عَلَى الْقَاضِي لِلِاسْتِئْذَانِ كَالْحَاجِبِ فِيمَا ذُكِرَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا مَنْ وَظِيفَتُهُ تَرْتِيبُ الْخُصُومِ وَالْإِعْلَامُ بِمَنَازِل النَّاسِ أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالنَّقِيبِ فَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِهِ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِاسْتِحْبَابِهِ.
تَنْبِيهٌ: مِنْ الْآدَابِ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى مُرْتَفِعٍ: كَدِكَّةٍ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَى النَّاسِ وَعَلَيْهِمْ الْمُطَالَبَةُ وَأَنْ يَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ بِفِرَاشٍ وَوِسَادَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ وَلِيَكُونَ أَهْيَبَ لِلْخُصُومِ وَأَرْفَقَ بِهِ فَلَا يَمَلُّ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَأَنْ لَا يَتَّكِئَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَنْ يَدْعُوَ عَقِبَ جُلُوسِهِ بِالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ. وَالْأَوْلَى مَا رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَإِنْ تَفَاوَتَتْ حِصَصُهُمْ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهَا.
قَوْلُهُ: (شَرْطًا فِيهَا) أَيْ حَالَةَ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدْلِ وَمَا بَعْدَهُ شَرْطًا فِيهَا أَيْ فِي كِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ هَكَذَا يُفْهَمُ شَوْبَرِيٌّ. وَقِيلَ: هُوَ مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ شَرَطَ ذَلِكَ شَرْطًا. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَتَّخِذَ مُتَرْجِمِينَ) لِأَنَّ فِي تَبْلِيغِهِمَا الْقَاضِيَ كَلَامَ الْخَصْمَيْنِ شَهَادَةٌ فَلِذَلِكَ شُرِطَ تَعَدُّدُهُمَا بِخِلَافِ إبْلَاغِهِمَا كَلَامَ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدُّدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَرْجِمَ إنْ كَانَ يُتَرْجِمُ كَلَامَ الْخُصُومِ لِلْقَاضِي اُشْتُرِطَ التَّعَدُّدُ وَإِنْ كَانَ يُتَرْجِمْ كَلَامَ الْقَاضِي لِلْخُصُومِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدُّدُ، وَأَمَّا الْمُسْمِعُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدُّدُ مُطْلَقًا قَالَ ز ي: وَاسْتُشْكِلَ اتِّخَاذُ الْمُتَرْجِمِ بِأَنَّ اللُّغَاتِ لَا تَنْحَصِرُ وَيَبْعُدُ حِفْظُ شَخْصٍ لِكُلِّهَا وَيَبْعُدُ أَنْ يَتَّخِذَ الْقَاضِي فِي كُلِّ لُغَةٍ مُتَرْجِمًا لِلْمَشَقَّةِ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يَتَّخِذَ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَاتِ الَّتِي يَغْلِبُ وُجُودُهَا فِي عَمَلِهِ مَعَ أَنَّ فِيهِ عُسْرًا أَيْضًا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَتَّخِذَ قَاضٍ أَصَمَّ) أَيْ صَمَمًا لَا يُبْطِلُ سَمْعَهُ، شَرْحُ م ر وَإِلَّا فَالْأَصَمُّ: لَا يَصِحُّ كَوْنُهُ قَاضِيًا كَمَا مَرَّ اهـ.
قَوْلُهُ: (مُسْمِعَيْنِ) وَقَدْ يُغْنِي عَنْهُمَا الْمُتَرْجِمَانِ قَالَ سم: وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُسْمِعَيْنِ غَيْرَ الْمُتَرْجِمَيْنِ بَلْ إنْ حَصَلَ الْغَرَضَانِ بِاثْنَيْنِ بِأَنْ عَرِفَا لُغَاتِ الْقَاضِي وَالْخُصُومِ كَفَيَا فِي الْغَرَضَيْنِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ لِكُلِّ غَرَضٍ مَنْ يَقُومُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (دِرَّةً) بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَهِيَ سَوْطٌ مُتَّخَذٌ مِنْ جُلُودٍ، وَأَمَّا الْكُرْبَاجُ الْمَعْرُوفُ الْآنَ فَالضَّرْبُ بِهِ حَرَامٌ وَأَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَهَا الْإِمَامُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَدِرَّةُ عُمَرَ كَانَتْ أَهْيَبَ مِنْ سَيْفِ الْحَجَّاجِ اهـ وَيُقَالُ كَانَتْ مِنْ نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا ضَرَبَ بِهَا أَحَدًا عَلَى ذَنْبٍ وَعَادَ إلَيْهِ بَعْدَهَا،. اهـ. ق ل وَفِي الْمِصْبَاحِ الدِّرَّةُ السَّوْطُ وَالْجَمْعُ دِرَرٌ كَسِدْرَةٍ وَسِدَرٍ قَوْلُهُ: (وَسِجْنًا) : وَأُجْرَةُ السِّجْنِ عَلَى الْمَسْجُونِ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَكَانِ الَّذِي شَغَلَهُ وَأُجْرَةُ السَّجَّانِ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ إذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ صُرِفَ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. س ل. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْمَسْجُونِ أَيْ وَلَوْ سُجِنَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَحَلِّ الَّذِي شَغَلَهُ. اهـ. ح ل. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ خَضِرٌ عَنْ تَقْرِيرِ شَيْخِهِ الزِّيَادِيِّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ وَمَحْبُوسٌ ظُلْمًا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى الْحَابِسِ اهـ قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ حَاجِبًا) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي مِنْ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا يُمَكِّنْ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ عَامَّةَ النَّاسِ وَإِنَّمَا يُمَكِّنُ عُظَمَاءَهُمْ أَوْ مَنْ يَدْفَعُ لَهُ رِشْوَةً لِلتَّمْكِينِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (دُونَهُمْ) أَيْ عَنْهُمْ أَيْ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَاضِي. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِمْ) أَيْ وَسَهُلَ عَلَيْهِمْ الْمُطَالَبَةُ لِحُقُوقِهِمْ وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ الْمُطَالَبَةِ الْمُخَاطَبَةُ. قَوْلُهُ: (وَوِسَادَةٍ) لِيَكُونَ أَهْيَبَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ لِلْحَاجَةِ إلَى قُوَّةِ الرَّهْبَةِ، وَالْهَيْبَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute