للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعُوذُ بِك مِنْ أَنْ أَضِلَّ، أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ» قَالَ فِي الْأَذْكَارِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: وَسَمِعْت أَنَّ الشَّعْبِيَّ كَانَ يَقُولُهُ إذَا خَرَجَ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيَزِيدُ فِيهِ: " أَوْ أَعْتَدِي أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ اللَّهُمَّ أَعِنِّي بِالْعِلْمِ وَزَيِّنِي بِالْحِلْمِ وَأَكْرِمْنِي بِالتَّقْوَى حَتَّى لَا أَنْطِقَ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا أَقْضِيَ إلَّا بِالْعَدْلِ ". وَأَنْ يَأْتِيَ الْمَجْلِسَ رَاكِبًا وَيَسْتَعْمِلَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْعِمَامَةِ وَالطَّيْلَسَانِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَأَنْ يُشَاوِرَ الْفُقَهَاءَ عِنْدَ اخْتِلَافِ وُجُوهِ النَّظَرِ وَتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِي حُكْمٍ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَغْنِيًا عَنْهَا، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ تَصِيرَ سُنَّةً لِلْحُكَّامِ. أَمَّا الْحُكْمُ الْمَعْلُومُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ فَلَا. وَالْمُرَادُ بِالْفُقَهَاءِ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الَّذِينَ يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي الْإِفْتَاءِ فَيَدْخُلُ الْأَعْمَى وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ، وَيَخْرُجُ الْفَاسِقُ وَالْجَاهِلُ (وَلَا يَقْعُدُ لِلْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ اتِّخَاذُهُ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ صَوْنًا لَهُ عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطِ الْوَاقِعَيْنِ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ عَادَةً. وَلَوْ اتَّفَقَتْ قَضِيَّةٌ أَوْ قَضَايَا وَقْتَ حُضُورٍ فِيهِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا بَأْسَ بِفَصْلِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ خُلَفَائِهِ فِي الْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا إذَا احْتَاجَ لِجُلُوسٍ فِيهِ لِعُذْرٍ مِنْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ. فَإِنْ جَلَسَ فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ دُونَهَا مَنَعَ الْخُصُومَ مِنْ الْخَوْضِ فِيهِ بِالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِهِمَا. بَلْ يَقْعُدُونَ خَارِجَهُ وَيَنْصِبُ مَنْ يُدْخِلُ عَلَيْهِ خَصْمَيْنِ خَصْمَيْنِ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ فِيهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ جُلُوسُهُ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ) بِبِنَاءِ الْأَوَّلِ لِلْمَعْلُومِ وَالثَّانِي لِلْمَجْهُولِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ وَهِيَ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ وَقَوْلُهُ: أَزِلَّ بِالزَّايِ لَا بِالذَّالِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ أَجْهَلَ أَيْ أَسْفَهَ وَأَجْتَرِئَ عَلَى النَّاسِ أَوْ يُفْعَلَ بِي ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: أَوْ أَجْهَلَ أَيْ أَفْعَلَ فِعْلَ الْجَهَلَةِ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ أَيْ يَفْعَلُ النَّاسُ بِي أَفْعَالَ الْجَهَالَةِ مِنْ إيصَالِ الضَّرَرِ إلَيَّ.

قَوْلُهُ: (وَيَزِيدُ فِيهِ) أَيْ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُشَاوِرَ الْفُقَهَاءَ) الْأُمَنَاءَ وَلَوْ أَدْوَنَ مِنْهُ. وَفِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا لِلْمُنَاوِيِّ: وَاخْتَصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوُجُوبِ الْمُشَاوَرَةِ عَلَيْهِ لِذَوِي الْأَحْلَامِ الْعُقَلَاءِ فِي الْأَمْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] أَيْ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ وَحْيٌ بِمَا يَصِحُّ أَنْ يُشَاوِرَ فِيهِ لِيَصِيرَ سُنَّةً وَلِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِمْ وَوُجُوبُ الْمُشَاوَرَةِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَقِيلَ إنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِمَا نَقَلَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ وَصَرَفَ الشَّافِعِيُّ الْأَمْرَ إلَى النَّدْبِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْأُمِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْآيَةَ وَقَالَ الْحَسَنُ: إنْ كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَغَنِيًّا عَنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ إذَا نَزَلَ بِالْحَاكِمِ أَمْرٌ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَوْ يُشْكِلُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ جَاهِلًا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِمُشَاوَرَتِهِ وَلَا عَالِمًا غَيْرَ أَمِينٍ وَلَكِنَّهُ يُشَاوِرُ مَنْ جَمَعَ الْعِلْمَ وَالْأَمَانَةَ وَفِي الْمُشَاوَرَةِ رِضَا الْخَصْمِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «مَا رَأَيْت أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ غَنِيَّانِ عَنْهَا وَلَكِنْ جَعَلَهَا اللَّهُ رَحْمَةً فِي أُمَّتِي فَمَنْ شَاوَرَ مِنْهُمْ لَمْ يَعْدَمْ رُشْدًا وَمَنْ تَرَكَ الْمَشُورَةَ مِنْهُمْ لَمْ يَعْدَمْ عَنَاءً» وَقَدْ قِيلَ: الِاسْتِشَارَةُ حِصْنٌ مِنْ النَّدَامَةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ اخْتِلَافِ وُجُوهِ النَّظَرِ) أَيْ طُرُقِهِ وَقَوْلُهُ: وَتَعَارُضِ؛ عَطْفُ سَبَبٍ.

قَوْلُهُ: (مُسْتَغْنِيًا عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْمُشَاوَرَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ) أَيْ فَلَا يُشَاوِرْهُمْ فِيهِ كَقِيَاسِ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ فَالْفَارِقُ بَيْنَ الضَّرْبِ وَالتَّأْفِيفِ وَهُوَ أَنَّ الضَّرْبَ إيذَاءٌ بِالْفِعْلِ وَالتَّأْفِيفَ إيذَاءٌ بِالْقَوْلِ مَثَلًا مَقْطُوعٌ بِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ حُرْمَةُ الضَّرْبِ، أَيْ لَا يَنْفِيهَا فَلَوْ حَكَمَ بِعَدَمِ تَعْزِيرِ مَنْ ضَرَبَ أَبَاهُ لِكَوْنِ الضَّرْبِ لَيْسَ حَرَامًا بَطَلَ حُكْمُهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (صَوْنًا لَهُ عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ) وَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِ الْمَجَانِينِ وَالصِّغَارِ وَالْحُيَّضِ وَالْكُفَّارِ. شَرْحُ م ر وَمَا يَقَعُ فِي بِلَادٍ كَثِيرٍ مِنْ الْأَرْيَافِ أَنَّ الذِّمِّيَّ قَابِضُ الْمَالِ يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مَنْ يَشْرَبُ الدُّخَّانَ وَفِي ذَلِكَ. فَلَا يَتَوَقَّفُ فِي تَحْرِيمِهِ وَيَجِبُ إنْكَارُهُ وَإِخْرَاجُهُ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُلْتَزِمِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>