للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَشَدُّ كَرَاهَةً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَقَالَ: (وَيُسَوِّي) أَيْ الْقَاضِي (بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ) وُجُوبًا عَلَى الصَّحِيحِ (فِي ثَلَاثَةٍ) بَلْ سَبْعَةِ (أَشْيَاءَ) كَمَا سَتَعْرِفُهُ الْأَوَّلُ (فِي الْمَجْلِسِ) فَيُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِيهِ بِأَنْ يُجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْلَى وَلَا يَرْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ عَنْ الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ أَيْضًا بِدَلِيلِ تَحْلِيفِهِ إذَا وَجَبَتْ يَمِينٌ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الزَّبِيلِيِّ وَأَقَرَّهُ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ حَسَنٌ وَالْبَلْوَى بِهِ عَامَّةٌ وَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يُوَكِّلُ فِرَارًا مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ رَفْعِ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فِي الْمَجْلِسِ كَأَنْ يَجْلِسَ الْمُسْلِمُ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ الذِّمِّيِّ، لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى السُّوقِ، فَإِذَا هُوَ بِنَصْرَانِيٍّ يَبِيعُ دِرْعًا فَعَرَفَهَا عَلِيٌّ فَقَالَ: هَذِهِ دِرْعِي بَيْنِي وَبَيْنَك قَاضِي الْمُسْلِمِينَ فَأَتَيَا إلَى الْقَاضِي شُرَيْحٍ فَلَمَّا رَأَى الْقَاضِي عَلِيًّا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا لَجَلَسْت مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْك وَلَكِنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجَالِسِ» اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيُّ؟ فَقَالَ: الدِّرْعُ دِرْعِي فَقَالَ شُرَيْحٌ لِعَلِيٍّ: هَلْ مِنْ بَيِّنَةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: صَدَقَ شُرَيْحٌ، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ أَحْكَامُ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ فَأَعْطَاهُ عَلِيٌّ الدِّرْعَ وَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَقَدْ رَأَيْته يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَيُشْبِهُ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ، حَتَّى فِي التَّقْدِيمِ فِي الدَّعْوَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا قَلَّتْ خُصُومُ الْمُسْلِمِينَ. وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ اتَّفَقَتْ قَضِيَّةٌ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: أَنْ يَتَّخِذَ أَيْ يَعُدَّهُ وَيُهَيِّئَهُ لِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وُجُوبًا عَلَى الصَّحِيحِ) : مُقَابِلُهُ النَّدْبُ.

قَوْلُهُ: (كَمَا سَتَعْرِفُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ السَّبْعَةِ.

قَوْلُهُ: (وَالْجُلُوسُ بَيْنَ يَدَيْهِ) وَكَوْنُ الْجُلُوسِ عَلَى الرُّكَبِ أَوْلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَرْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ) يَعْنِي أَنَّ الشَّخْصَ إذَا وَكَّلَ فِي خُصُومَةٍ وَحَضَرَ مَعَ الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ فَلَا يُرْفَعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ. بِدَلِيلِ تَحْلِيفِهِ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى التَّحْلِيفِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمِثْلُهُمَا وَكِيلَاهُمَا فِي الْخُصُومَةِ. وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَثِيرًا مِنْ التَّوْكِيلِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ وَرْطَةِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ جَهْلٌ قَبِيحٌ اهـ.

قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِالْمُوَكِّلِ فِي الدَّعْوَى. قَوْلُهُ: (الزَّبِيلِيِّ) بِالزَّايِ أَوْ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَهُوَ الصَّوَابُ أَيْ مَعَ كَسْرِ الْبَاءِ نِسْبَةٌ إلَى زَبِيلٍ قَرْيَةٌ بِالرَّمْلَةِ أَوْ بِالدَّالِ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَضْمُومَةٍ نِسْبَةٌ إلَى دَبِيلٍ مَدِينَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ السِّنْدِ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي اللُّبِّ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: دَبِيلٌ كَأَمِيرٍ مَوْضِعٌ بِالسِّنْدِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي اللُّبِّ وَلَا فِي الْقَامُوسِ الزَّبِيلِيُّ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا وَلَا ذَكَرَا أَنَّ زَبِيلًا اسْمُ بَلَدٍ أَوْ مَكَان يُنْسَبُ إلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي إهْمَالِ الدَّالِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النِّسْبَةِ إلَى دَيْبَلٍ أَوْ دَبِيلٍ بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْمُثَنَّاةِ السَّاكِنَةِ التَّحْتِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ ارْتِفَاعِ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ.

قَوْلُهُ: (جَوَازُ) هَذَا جَوَازٌ بَعْدَ امْتِنَاعٍ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ فَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْوُجُوبُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ) أَيْ وَكَانَ إذْ ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَ شُرَيْحٌ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ وَقَوْلُهُ فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيُّ أَيْ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى مِنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ بِأَنَّ الدِّرْعَ لَهُ لِيَظْهَرَ قَوْلُ شُرَيْحٍ مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيُّ وَكَانَ شُرَيْحٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَكَانَ مِنْ أَعْلَمْ النَّاسِ بِالْقَضَاءِ وَكَانَ أَحَدَ السَّادَاتِ الطُّلْسِ وَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، الَّذِي يُضْرَبُ بِحِلْمِهِ الْمَثَلُ وَالرَّابِعُ شُرَيْحٌ هَذَا، وَالْأَطْلَسُ الَّذِي لَا شَعْرَ فِي وَجْهِهِ.

قَوْلُهُ: (بَيْنِي وَبَيْنَك) أَيْ يَفْصِلُ بَيْنِي وَبَيْنَك إلَخْ.

قَوْلُهُ: (صَدَقَ شُرَيْحٌ) أَتَى بِهَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنَاسِبٍ فِي الْجَوَابِ لِأَجْلِ أَنْ يَسْمَعَهُ خَصْمُهُ الَّذِي هُوَ النَّصْرَانِيُّ فَيَعْرِفُ أَنَّ قُضَاةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْحَقِّ.

قَوْلُهُ: (فَأَعْطَاهُ عَلِيٌّ الدِّرْعَ) لَعَلَّ الْمَعْنَى تَرْكُهُ لَهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَخْذِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَعَلِيٌّ لَمْ يَنْزِعْهُ مِنْهُ وَلَا أَثْبَتَهُ لَهُ أَيْ لَا بِالْبَيِّنَةِ وَلَا بِالْيَمِينِ أَيْ الْمَرْدُودَةِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (عَتِيقٍ) أَيْ جَيِّدٍ وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ عَرَبِيَّانِ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ) عَطْفٌ عَلَى لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ.

قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ الرَّفْعُ الصَّادِقُ بِالرَّفْعِ الْمَعْنَوِيِّ. قَوْلُهُ: (لِكَثْرَةِ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ لِكَثْرَةِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ لِلذِّمِّيِّينَ بِتَقْدِيمِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>