للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الْفَصْلَ لِئَلَّا يَبْطُلَ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ. (وَالسَّابِعُ) فِي طَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ فَلَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ اخْتَلَفَ بِفَضِيلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا

تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ وَلَا يَبِيعَ بِنَفْسِهِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ قَلْبُهُ عَمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ. وَلِأَنَّهُ قَدْ يُحَابِي فَيَمِيلُ قَلْبُهُ إلَى مَنْ يُحَابِيهِ، إذَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حُكُومَةٌ وَالْمُحَابَاةُ فِيهَا رِشْوَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَكِيلٌ مَعْرُوفٌ، كَيْ لَا يُحَابِيَ أَيْضًا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُرِهَ وَالْمُعَامَلَةُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ أَشَدُّ كَرَاهَةً.

(وَلَا يَجُوزُ) لِلْقَاضِي (أَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

السَّلَامِ بِالْمَرَّةِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَهُ لَهُ: سَلِّمْ لِأُجِيبَكُمَا أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ.

قَوْلُهُ: (فِي طَلَاقَةِ الْوَجْهِ) أَيْ أَوْ عُبُوسَتِهِ م ر.

قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ) : لَوْ قَدَّمَ هَذَا التَّنْبِيهَ أَوْ أَخَّرَهُ عَنْ الْمَتْنِ الْآتِي لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْهَدِيَّةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسَنُّ: تَرْكُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ الْمَعْرُوفِ فَإِنْ اشْتَرَى بِلَا مُحَابَاةٍ كَانَ الشِّرَاءُ مَكْرُوهًا وَإِنْ كَانَ بِمُحَابَاةٍ فَمَا حُوبِيَ بِهِ يَحْرُمُ قَبُولُهُ لِأَنَّهُ هَدِيَّةٌ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ.

قَوْلُهُ: (رِشْوَةٌ) أَيْ إنْ كَانَ لِأَجْلِ الْحُكْمِ بِالْبَاطِلِ أَوْ تَرْكِ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ، وَقَوْلُهُ: أَنَّ هَدِيَّةً أَيْ إنْ كَانَ لِأَجْلِ الْإِكْرَامِ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الْإِحْدَى الْمَذْكُورَةُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ) شُرُوعٌ فِي بَعْضِ الْآدَابِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ الْقَاضِي عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِجْمَالِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ تَحْرِيمُ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ فَصَّلَهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ أَهْدَى إلَخْ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَحَرُمَ قَبُولُهُ هَدِيَّةَ مَنْ لَا عَادَةَ لَهُ بِهَا قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَوْ لَهُ عَادَةٌ، وَزَادَ عَلَيْهَا قَدْرًا أَوْ صِفَةً بِقَيْدٍ زِدْته فِيهِمَا فِي مَحَلِّهَا أَيْ وِلَايَتِهِ وَقَبُولِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا هَدِيَّةُ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ عِنْدَهُ وَإِنْ اعْتَادَهَا قَبْلَ وِلَايَتِهِ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْمُهْدِي خُصُومَةٌ فِي الْحَالِ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُهَا: عَلَى قُرْبٍ امْتَنَعَ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُهْدِي مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَمْ لَا كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِالْهَدِيَّةِ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لِلْمُهْدِي خُصُومَةٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَادَةٌ بِالْهَدِيَّةِ امْتَنَعَ قَبُولُهَا أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَمْ لَا. وَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِالْهَدِيَّةِ وَزَادَ عَلَيْهَا قَدْرًا أَوْ جِنْسًا أَوْ صِفَةً حَرُمَ قَبُولُهَا أَيْضًا عَلَى تَفْصِيلٍ فِي هَذِهِ يَأْتِي فِي الشَّرْحِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ وَلَمْ يَزِدْ لَا جِنْسًا وَلَا قَدْرًا وَلَا صِفَةً جَازَ قَبُولُهَا وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَأَبْعَاضِ الْقَاضِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَمَا فِي الشَّرْحِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ ضَعِيفٌ. قَالَ فِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَاخْتَصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِبَاحَةِ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ فَهِيَ حَلَالٌ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا» بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ فَإِنَّهُ رِشْوَةٌ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ الزَّيْغِ عَنْ الشَّرْعِ وَالْمَيْلِ مَعَ الْهَوَى لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مَرْفُوعًا «مَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ فَوَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ إنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ فَقَدْ بَلَّغْت» أَيْ حُكْمَ اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْت بِهِ فِي هَذَا إلَيْكُمْ.

تَنْبِيه: يُنْدَبُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ حَيْثُ لَا شُبْهَةَ قَوِيَّةٌ فِيهَا وَحَيْثُ لَمْ يَظُنَّ الْمُهْدَى إلَيْهِ، أَنَّ الْمُهْدِيَ أَهْدَاهُ حَيَاءً أَوْ فِي مُقَابِلٍ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْقَبُولُ مُطْلَقًا فِي الْأُولَى وَإِلَّا إذَا أَثَابَهُ بِقَدْرِ مَا فِي ظَنِّهِ بِالْقَرَائِنِ فِي الثَّانِي وَيَنْبَغِي لِلْمُهْدَى إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي الْهَدِيَّةِ عَقِبَ وُصُولِهَا بِمَا أُهْدِيَتْ لِأَجْلِهِ إظْهَارًا لِكَوْنِ الْهَدِيَّةِ فِي حَيِّزِ الْقَبُولِ وَأَنَّهَا وَقَعَتْ الْمَوْقِعَ وَوَصَلَتْ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَإِشَارَةً إلَى تَوَاصُلِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُهْدَى إلَيْهِ حَتَّى إنَّ مَا أَهْدَاهُ إلَيْهِ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى وَأَغْلَى وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي التَّأَلُّفِ وَنَحْوِهِ. فَالْأَوْلَى فِعْلُ ذَلِكَ مَعَ مَنْ يَعْتَقِدُ صَلَاحَهُ أَوْ عِلْمَهُ أَوْ يَقْصِدُ جَبْرَ خَاطِرِهِ أَوْ دَفْعَ شَرِّهِ أَوْ نُفُوذَ شَفَاعَتِهِ عِنْدَهُ فِي مُهِمَّاتِ النَّاسِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ صِيغَةٌ بَلْ يَكْفِي الْبَعْثُ وَالْأَخْذُ اهـ.

وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْحُكَّامِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ لَهُ خُصُومَةٌ وَكَذَا مِمَّنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ. إنْ لَمْ يُعْهَدْ مِنْهُ وَإِذَا قَبِلَهَا لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>