للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ قُلْتَ، فَإِنْ أَهْدَى إلَيْهِ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ فِي الْحَالِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّنْ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ (مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ) أَمْ لَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ لَكِنَّهُ لَمْ يُهْدِ لَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ الْقَضَاءَ، ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ هَدِيَّةً حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِخَبَرِ: «هَدَايَا الْعُمَّالِ سُحْتٌ» وَرُوِيَ «هَدَايَا السُّلْطَانِ سُحْتٌ» ، وَلِأَنَّهَا تَدْعُو إلَى الْمَيْلِ إلَيْهِ، وَيَنْكَسِرُ بِهَا قَلْبُ خَصْمِهِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ سَبَبَهَا الْعَمَلُ ظَاهِرًا وَلَا يَمْلِكُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ لَوْ قَبِلَهَا وَيَرُدُّهَا عَلَى مَالِكِهَا فَإِنْ تَعَذَّرَ وَضْعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهَا إلَيْهِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَرُمَتْ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ هَدِيَّةُ أَبْعَاضِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ، وَلَوْ أَهْدَى إلَيْهِ مَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَمْلِكُهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ مَرْفُوعًا «هَدَايَا الْعُمَّالِ، وَفِي رِوَايَةٍ: الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ» بِضَمِّ الْغَيْنِ وَاللَّامِ أَصْلُهُ الْخِيَانَةُ لَكِنَّهُ شَاعَ فِي الْغُلُولِ فِي الْغَنِيمَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا أَهْدَى الْعَامِلُ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ شَيْئًا فَقَبِلَهُ فَهُوَ خِيَانَةٌ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ دُونَهُمْ وَرَوَى أَبُو يَعْلَى «هَدَايَا الْعُمَّالِ حَرَامٌ كُلُّهَا» قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيهِ أَنَّ هَدَايَا الْعُمَّالِ تُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا إنْ طَلَبَهَا لَهُ الْإِمَامُ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ فِي الْمُهَذَّبِ رَدَّ هَدِيَّةِ مَنْ كَانَ مَالُهُ حَرَامًا أَوْ عُرِفَ بِالظُّلْمِ وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ اشْتَهَى تُفَّاحًا وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ فَرَكِبَ فَتَلَقَّاهُ غِلْمَانُ الدَّيْرِ بِأَطْبَاقِ تُفَّاحٍ فَتَنَاوَلَ وَاحِدَةً فَشَمَّهَا ثُمَّ رَدَّهَا فَقِيلَ لَهُ أَلَمْ يَكُنْ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلِيفَتُهُ يَقْبَلُونَ الْهَدِيَّةَ فَقَالَ: إنَّهَا لِأُولَئِكَ هَدِيَّةٌ وَهِيَ لِلْعُمَّالِ بَعْدَهُمْ رِشْوَةٌ اهـ. وَسَائِرُ الْعُمَّالِ مِثْلُهُ فِي نَحْوِ الْهَدِيَّةِ كَمَشَايِخِ الْبُلْدَانِ لَكِنَّهُ أَغْلَظُ م ر وَع ش وَالضِّيَافَةُ وَالْهِبَةُ كَالْهَدِيَّةِ وَكَذَا الصَّدَقَةُ عَلَى الْأَوْجَهِ ز ي وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي مِمَّنْ حَضَرَ ضِيَافَةَ الْأَكْلِ مِنْهَا إلَّا إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى رِضَا الْمَالِكِ وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْعُمَّالِ وَمِنْهُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ إحْضَارِ طَعَامٍ لِشَادِّ الْبَلَدِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْمُلْتَزِمِ أَوْ الْكَاتِبِ ع ش عَلَى م ر مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: (مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ) أَوْ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَيُخَاصِمُ وَلَوْ بَعْضَهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ م ر خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى هَدِيَّةَ أَبْعَاضِهِ إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ز ي وَأَقَرَّهُ. وَحَاصِلُ مَا فِي الْهَدِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ وَالْمُهْدِيَ إمَّا أَنْ يَكُونَا فِي مَحَلِّ الْوِلَايَةِ أَوْ خَارِجَهَا أَوْ الْقَاضِي دَاخِلًا وَالْمُهْدِي خَارِجًا أَوْ بِالْعَكْسِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى عَادَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ أَوْ لَا وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ خُصُومَةٌ أَوْ لَا فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً وَكُلُّهَا حَرَامٌ، إلَّا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْ فِيهَا، وَلَمْ يَزِدْ الْمُهْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ فِيهِمَا فَقَدْ صَرَّحَ سم: بِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَا تَحْرُمُ قَرَّرَهُ: شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.

قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَمْ لَا) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ لَيْسَ قَيْدًا كَمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَوْ لَا وَلَكِنْ يُقَيَّدُ الثَّانِي بِمَا إذَا أَهْدَى لِلْقَاضِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَإِلَّا بِأَنْ ذَهَبَ الْقَاضِي إلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ فَأَهْدَى لَهُ جَازَ قَبُولُهَا وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ: ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ لَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّهُ فَرْضُ الْكَلَامِ.

قَوْلُهُ: (حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا) جَوَابُ إنْ وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ إذَا كَانَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْإِطْلَاقَ وَقَوْلُهُ: فَلِخَبَرِ هَدَايَا إلَخْ. فِيهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَدُلَّ الْحَدِيثُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ أَيْ مَنْ لَا عَادَةَ لَهُ أَوْ لَهُ عَادَةٌ وَزَادَ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (سُحْتٌ) بِضَمَّتَيْنِ وَإِسْكَانِ الثَّانِي تَخْفِيفٌ وَهُوَ كُلُّ مَالٍ حَرَامٍ لَا يَحِلُّ كَسْبُهُ وَلَا أَكْلُهُ. اهـ. مِصْبَاحٌ. وَسُمِّيَ سُحْتًا لِأَنَّهُ يُسْحِتُ أَيْ يُذْهِبُ الْبَرَكَةَ.

قَوْلُهُ: (السُّلْطَانِ) الْمُرَاد بِهِ مَا يَشْمَلُ نُوَّابَهُ كَالْقَاضِي قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ الْهَدَايَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِصْمَتِهِ وَفِي خَبَرِ أَنَّهَا أُحِلَّتْ لِمُعَاذٍ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُهْدِي.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَيْ الرَّدُّ. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهَا) أَيْ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِ الْقَاضِي وَإِنَّمَا أَفْرَدَ ذَلِكَ بِالذِّكْرِ، لِلْخِلَافِ فِيهِ وَإِلَّا فَلَوْ أَتَى بِهَا بِنَفْسِهِ لِلْقَاضِي حَرُمَ قَبُولُهَا أَيْضًا لَكِنْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، بِخِلَافِ الَّذِي فِي الشَّرْحِ.

قَوْلُهُ: (يُسْتَثْنَى) فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>