للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ جَازَ لَهُ قَبُولُهَا إنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ بِقَدْرِ الْعَادَةِ السَّابِقَةِ. وَالْأَوْلَى إذَا قَبِلَهَا أَنْ يَرُدَّهَا أَوْ يُثِيبَ عَلَيْهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ أَمَّا إذَا زَادَتْ عَلَى الْعَادَةِ، فَكَمَا لَوْ لَمْ يُعْهَدْ مِنْهُ ذَلِكَ كَذَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَقَضِيَّتُهُ: تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ. لَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمُهَذَّبِ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الْهَدِيَّةِ جَازَ قَبُولُهَا لِدُخُولِهَا فِي الْمَأْلُوفِ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الذَّخَائِرِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ الزِّيَادَةُ أَيْ بِجِنْسٍ أَوْ قَدْرٍ حَرُمَ قَبُولُ الْجَمِيعِ وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ فَقَطْ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنْ زَادَتْ فِي الْمَعْنَى، كَأَنْ أَهْدَى مَنْ عَادَتُهُ قُطْنٌ حَرِيرًا هَلْ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ يَصِحُّ مِنْهَا بِقَدْرِ الْمُعْتَادِ فِيهِ نَظَرٌ، اسْتَظْهَرَ الْإِسْنَوِيُّ الْأَوَّلَ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ لِلزِّيَادَةِ وَقْعٌ، وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِهَا وَالضِّيَافَةُ وَالْهِبَةُ كَالْهَدِيَّةِ وَالْعَارِيَّةِ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَحُكْمُهَا كَالْهَدِيَّةِ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا أَنَّ الصَّدَقَةَ كَالْهَدِيَّةِ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَمَا بَحَثَهُ ظَاهِرٌ وَقَبُولُ الرِّشْوَةِ حَرَامٌ وَهِيَ مَا يُبْذَلُ لِلْقَاضِي لِيَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أَوْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

م ر وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا امْتَنَعَ بِسَبَبِ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ.

قَوْلُهُ: (هَدِيَّةُ أَبْعَاضِهِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ لِلْقَاضِي كَأَبِيهِ وَابْنِهِ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ يُهْدَى إلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ مَرَّةً. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى إذَا قَبِلَهَا أَنْ يَرُدَّهَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَرُدَّهَا أَوْ يُثِيبَ عَلَيْهَا إذَا قَبِلَهَا لِأَنَّ الْقَبُولَ قَيْدٌ فِي الْإِثَابَةِ فَقَطْ لَا فِي الرَّدِّ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّهَا لَا يَكُونُ قَابِلًا لَهَا. قَوْلُهُ: (لَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ: إلَخْ) قَوْلٌ ثَانٍ وَكَلَامُ الذَّخَائِرِ ثَالِثٌ وَمَا قَبْلَهُمَا أَوَّلُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. الْمُعْتَمَدُ كَلَامُ الذَّخَائِرِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ الْمُهَذَّبِ) كَذَا فِي خَطِّهِ وَصَوَابُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الرُّويَانِيَّ أَقْدَمُ مِنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ. وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّ الْمُهْدِيَ إنْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ بَعْدَ الْمَنْصِبِ فَفِيهِ احْتِمَالَاتٌ ثَلَاثٌ: الْأَوَّلُ تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْجِنْسِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْجِنْسِ جَازَ قَبُولُ الْجَمِيعِ. وَالثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ تَتَمَيَّزَ الزِّيَادَةُ جِنْسًا أَوْ قَدْرًا فَتَحْرُمُ وَحْدَهَا أَوْ لَا تَتَمَيَّزُ فَيَحْرُمُ الْجَمِيعُ. وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِ تَغْيِيرِ جِنْسِ الْهَدِيَّةِ بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يُهَادِيَ بِالْقُطْنِ فَهَادَاهُ بَعْدَ الْمَنْصِبِ بِالْحَرِيرِ فَهَلْ يَحْرُمُ الْجَمِيعُ أَوْ مُقَابِلُ مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الْقُطْنِ مِنْ الْحَرِيرِ احْتِمَالَانِ رَجَحَ الْإِسْنَوِيُّ مِنْهُمَا الْأَوَّلَ وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ لِلزِّيَادَةِ وَقْعٌ وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ.

قَوْلُهُ: (فِي الْمَأْلُوفِ) أَيْ فِي الْهَدِيَّةِ وَقَوْلُهُ: وَفِي الذَّخَائِرِ رَدٌّ لِكَلَامِ الرُّويَانِيِّ.

قَوْلُهُ: (أَيْ بِجِنْسٍ) وَمِثَالُ تَمَيُّزِ الزِّيَادَةِ بِالْجِنْسِ أَنْ يُهْدِيَ لَهُ إرْدَبَّ قَمْحٍ وَإِرْدَبَّ أَرُزٍّ مَنْ كَانَ يُهْدِي لَهُ إرْدَبَّ قَمْحٍ فَقَطْ وَمِثَالُ تَمَيُّزِهَا بِالْقَدْرِ أَنْ يُهْدِيَ إلَيْهِ إرْدَبَّيْ قَمْحٍ مَنْ كَانَ يُهْدِي لَهُ إرْدَبًّا فَقَطْ قَالَ ق ل وَحَاصِلُهُ: إنَّهُ إنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ بِقَدْرِ مَا كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً جَازَ قَبُولُهَا وَإِلَّا فَيَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرٍ) بِأَنْ كَانَتْ مُتَمَيِّزَةً بِصِفَةٍ بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ إرْدَبَّ قَمْحٍ رَدِيئًا فَأَهْدَى لَهُ أَعْلَى.

قَوْلُهُ: (فِي الْمَعْنَى) أَيْ لَا فِي الْجِنْسِ وَهَذَا هُوَ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الذَّخَائِرِ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِأَجْلِ الْخِلَافِ.

قَوْلُهُ: (كَالْهَدِيَّةِ) فَيَفْصِلُ بَيْنَ مِنْ عَادَتِهِ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَنْ لَا.

قَوْلُهُ: (وَالْعَارِيَّةُ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ) كَسُكْنَى دَارٍ وَرُكُوبِ دَابَّةٍ.

قَوْلُهُ: (الرِّشْوَةِ) . بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ م ر. قَوْلُهُ: (لِيَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ رَشَا لِيَحْكُمَ بِالْحَقِّ جَازَ الدَّفْعُ وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي الْأَخْذُ عَلَى الْحُكْمِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أُعْطِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَمْ لَا وَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ لُقَيْمَةَ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ مَا حَاصِلُهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ أَمْ لَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ إلَى جَوَازِ أَخْذِ الْقَاضِي الْأُجْرَةَ عَلَى الْحُكْمِ لِأَنَّهُ شَغَلَهُ الْحُكْمُ عَنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، وَكَرِهَهُ طَائِفَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ مِنْهُمْ مَسْرُوقٌ وَرَخَّصَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: وَإِذَا كَانَ الْقَاضِي فَقِيرًا فَالْأَفْضَلُ بَلْ الْوَاجِبُ أَخْذُ كِفَايَتِهِ وَإِذَا كَانَ غَنِيًّا فَالْأَفْضَلُ الِامْتِنَاعُ عَنْ أَخْذِ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رِفْقًا بِبَيْتِ الْمَالِ. وَقِيلَ: الْأَخْذُ هُوَ الْأَصَحُّ صِيَانَةً لِلْقَضَاءِ عَنْ الْهَوَانِ، وَنَظَرًا لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ وَيَأْخُذُ بَقِيَّةَ الْكِفَايَةِ لَهُ وَلِعِيَالِهِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: لَا يُعْجِبُنِي وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ مِثْلُ وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِجَوْرٍ أَوْ بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ وَأَخْطَأَ فَالْإِثْمُ سَاقِطٌ، وَالضَّمَانُ لَازِمٌ فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي قَتْلٍ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَعَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>