لِيَمْتَنِعَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَذَلِكَ لِخَبَرِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ» .
فُرُوعٌ: لَيْسَ لِلْقَاضِي حُضُورُ وَلِيمَةِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَالَةَ الْخُصُومَةِ، وَلَا حُضُورُهُ وَلِيمَتِهِمَا. وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، لِخَوْفِ الْمَيْلِ وَلَهُ تَخْصِيصُ إجَابَةِ مَنْ اعْتَادَ تَخْصِيصَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَيُنْدَبُ لَهُ إجَابَةُ غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ إنْ عَمَّمَ الْمُولِمُ النِّدَاءَ لَهَا وَلَمْ يَقْطَعْهُ كَثْرَةُ الْوَلَائِمِ عَنْ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَيَتْرُكُ الْجَمِيعَ، وَلَا يُضِيفُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَلَا يَلْتَحِقُ فِيمَا ذُكِرَ الْمُفْتِي وَالْوَاعِظُ وَمُعَلِّمُو الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ إذْ لَيْسَ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْإِلْزَامِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَشْفَعَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ، وَيَزِنَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُمَا وَأَنْ يُعِيدَ الْمَرْضَى، وَيَشْهَدَ الْجَنَائِزَ وَيَزُورَ الْقَادِمِينَ، وَلَوْ كَانُوا مُتَخَاصِمِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ.
(وَيَجْتَنِبُ الْقَاضِي الْقَضَاءَ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ (فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ) وَأَهْمَلَ مَوَاضِعَ كَمَا سَتَعْرِفُهَا. وَضَابِطُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُكْرَهُ لِلْقَاضِي الْقَضَاءُ فِيهَا كُلُّ حَالٍ يَتَغَيَّرُ فِيهَا خُلُقُهُ وَكَمَالُ عَقْلِهِ: الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ (عِنْدَ الْغَضَبِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لَا. وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ نَعَمْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْحُكْمِ فِي الْحَالِ وَقَدْ يَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ عَلَى الْفَوْرِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ. (وَ) الثَّانِي عِنْدَ (الْجُوعِ وَ) الثَّالِثُ عِنْدَ (الْعَطَشِ) الْمُفْرِطَيْنِ وَكَذَا عِنْدَ الشِّبَعِ الْمُفْرِطِ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ (وَ) الرَّابِعُ عِنْدَ (شِدَّةِ الشَّهْوَةِ) أَيْ التَّوَقَانِ إلَى النِّكَاحِ. (وَ) الْخَامِسُ عِنْدَ (الْحُزْنِ) الْمُفْرِطِ فِي مُصِيبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. (وَ) السَّادِسُ عِنْدَ (الْفَرَحِ الْمُفْرِطِ) وَلَوْ قَالَ الْمُفْرِطَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَيْدٌ فِي الْحُزْنِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ.
(وَ) السَّابِعُ عِنْدَ (الْمَرَضِ) الْمُؤْلِمِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (وَ) الثَّامِنُ مِنْ (مُدَافَعَةِ) أَحَدِ (الْأَخْبَثَيْنِ) أَيْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَلَوْ ذَكَرَ أَحَدٌ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِإِفَادَةِ الِاكْتِفَاءِ بِهِ وَكَرَاهَتِهِ عِنْدَ مُدَافَعَتِهِمْ بِالْأَوْلَى وَكَذَا يُكْرَهُ عِنْدَ مُدَافَعَةِ الرِّيحِ. كَمَا ذَكَرَهُ الدَّمِيرِيُّ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ (وَ) التَّاسِعُ عِنْدَ (النُّعَاسِ) أَيْ غَلَبَتِهِ كَمَا قُيِّدَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (وَ) الْعَاشِرُ عِنْدَ شِدَّةِ (الْحَرِّ وَ) شِدَّةِ (الْبَرْدِ) وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ الْخَوْفِ الْمُزْعِجِ، وَعِنْدَ الْمَلَالِ وَقَدْ جَزَمَ بِهِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَإِنَّمَا كُرِهَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَاقِلَتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. قَسْطَلَّانِيٌّ مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (تَخْصِيصُ إجَابَةِ مَنْ اعْتَادَ إلَخْ) أَيْ وَيُفَصَّلُ فِيهَا كَمَا يُفَصَّلُ فِي الْهَدِيَّةِ فَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ الضِّيَافَةُ بِشَيْءٍ عَلَى الْعَادَةِ السَّابِقَةِ حَلَّ ذَلِكَ وَإِلَّا حَرَامٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْتَحِقُ فِيمَا ذُكِرَ إلَخْ) الْعِبَارَةُ فِيهَا حَذْفٌ أَيْ لَا يَلْتَحِقُ بِالْقَاضِي فِيمَا ذَكَرَ الْمُفْتِي إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَمُعَلَّمِي الْقُرْآنِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَفِي بَعْضِهَا وَمُعَلِّمُو الْقُرْآنِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَشْفَعَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ) أَيْ عِنْدَ خَصْمِهِ بِالصَّبْرِ مُدَّةً مَثَلًا فَالْمُرَادُ بِالْأَحَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي سَامِحْهُ مِنْ بَعْضِ الْحَقِّ، أَوْ كُلِّهِ لِوَجْهِ اللَّهِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ وَيَزِنُ أَيْ يَدْفَعُ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْزُونًا أَوْ مَكِيلًا.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُمَا) أَيْ الْخَصْمَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى فَالنَّفْعُ فِيهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَطْ. وَيُجَابُ بِأَنَّ فِي الْأُولَى يَنْتَفِعُ بِالثَّوَابِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لَا) رَدٌّ عَلَى الْبُلْقِينِيُّ حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَ الْغَضَبُ لَا كَرَاهَةَ، وَفِي الْخَصَائِصِ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْفَتْوَى وَالْقَضَاءُ فِي حَالِ الْغَضَبِ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الْغَضَبِ مَا يُخَافُ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ غَضَبَهُ لِلَّهِ لَا لِحَظِّ نَفْسِهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ الْحُكْمِ لَهُ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَتَعْلِيلُهُ: بِأَنَّهُ مَعْصُومٌ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَتُقْبَلَ وَيُحْكَمَ عَلَى عَدُوِّهِ لِعُمُومِ عِصْمَتِهِ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا جَازَ لِسَامِعِهِ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ عَلَى فُلَانٍ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْإِقْرَارُ مِنْهُ لِعِصْمَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الرُّويَانِيِّ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ وَتَبِعُوهُ وَكَانَ لَهُ قَتْلُ مَنْ اتَّهَمَهُ بِالزِّنَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ دِحْيَةَ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ) الْأَوْلَى لِأَنَّ السَّبَبَ وَقَوْلُهُ: وَمُدَافَعَةُ الْأَخْبَثَيْنِ لَوْ قَالَ: وَمُدَافَعَةُ الْحَدَثِ لَكَانَ أَخْصَرَ.
قَوْلُهُ: (كَمَا قُيِّدَ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْقَيْدِ أَوْ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ