للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لِتَغَيُّرِ الْعَقْلِ وَالْخُلُقِ فِيهَا فَلَوْ خَالَفَ وَقَضَى فِيهَا، نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ لِقِصَّةِ زُبَيْرٍ الْمَشْهُورَةِ.

وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَحْكُمُ لِرَقِيقِهِ، وَلَا لِشَرِيكِهِ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا لِلتُّهْمَةِ. وَيَحْكُمُ لِلْقَاضِي وَلِمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ الْإِمَامُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ أَوْ نَائِبُهُ وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ عِنْدَهُ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ أَوْ عَلَى يَمِينِهِ فِي صُورَةِ النُّكُولِ أَوْ سَأَلَ الْحُكْمَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَالْإِشْهَادَ بِهِ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يُنْكِرُ بَعْدَ ذَلِكَ. (وَلَا يَسْأَلُ) الْقَاضِي (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) الْجَوَابَ: أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ (إلَّا بَعْدَ كَمَالِ الدَّعْوَى) الصَّحِيحَةِ.

وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ كُلِّ دَعْوَى سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِدَمٍ أَمْ بِغَيْرِهِ كَغَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ سِتَّةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً غَالِبًا بِأَنْ يُفَصِّلَ الْمُدَّعِي مَا يَدَّعِيهِ كَقَوْلِهِ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً إفْرَادًا أَوْ شَرِكَةً، فَإِنْ أَطْلَقَ مَا يَدَّعِيهِ كَقَوْلِهِ: هَذَا قَتَلَ ابْنِي يُسَنُّ لِلْقَاضِي اسْتِفْصَالُهُ عَمَّا ذُكِرَ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُلْزَمَةً فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى هِبَةِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ حَتَّى يَقُولَ الْمُدَّعِي وَقَبَضْته بِإِذْنِ الْوَاهِبِ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَوْ الْمُقِرَّ التَّسْلِيمُ. وَالثَّالِثُ أَنْ يُعَيِّنَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ: قَتَلَهُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِإِبْهَامِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرَ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ مُكَلَّفًا وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَى حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا دَعْوَى عَلَيْهِمْ. وَالسَّادِسُ أَنْ لَا تُنَاقِضَهَا دَعْوَى أُخْرَى فَلَوْ ادَّعَى عَلَى أَحَدٍ إفْرَادَهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ شَرِكَةً أَوْ انْفِرَادًا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الْأُولَى تُكَذِّبُهَا نَعَمْ إنْ صَدَّقَهُ الْآخَرُ فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارٍ وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَلَالُ) أَيْ السَّآمَةُ وَالتَّعَبُ قَوْلُهُ: (لِقِصَّةِ زُبَيْرٍ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الزُّبَيْرُ أَيْ حَيْثُ قَالَ خَصْمُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك " أَيْ أَمَرْتَ بِسَقْيِ أَرْضِهِ أَوَّلًا لِكَوْنِهِ ابْنَ عَمَّتِك فَتَغَيَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْ بِالْفَتْحِ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ) عِبَارَةُ الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا وَيَقْضِي لِنَفْسِهِ وَلِوُلْدِهِ بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ فُرُوعِهِ وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ لِلرِّيبَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُ قَطْعًا وَإِنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ أَيْ فُرُوعِهِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ سَأَلَ الْحُكْمَ إلَخْ) وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ السُّؤَالِ بِالْحُكْمِ مَا لَوْ سَأَلَهُ: أَنْ يَكْتُبَ لَهُ فِي قِرْطَاسٍ مَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ وَيُسَمَّى مَحْضَرًا وَأَنْ يَكْتُبَ سِجِلًّا بِمَا جَرَى مَعَ الْحُكْمِ بِهِ فَإِنَّهُ لَا تَلْزَمُ إجَابَتُهُ، بَلْ يُسَنُّ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةً لِحُجَّتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ كَالْإِشْهَادِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تُثْبِتُ حَقًّا بِخِلَافِ الْإِشْهَادِ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: وَالْإِشْهَادُ بِهِ أَيْ بِالْحُكْمِ.

قَوْلُهُ: (سِتَّةُ شُرُوطٍ) نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:

لِكُلِّ دَعْوَى شُرُوطٌ سِتَّةٌ جُمِعَتْ ... تَفْصِيلُهَا مَعَ إلْزَامٍ وَتَعْيِينِ

أَنْ لَا يُنَاقِضَهَا دَعْوَى تُغَايِرُهَا ... تَكْلِيفُ كُلٍّ وَنَفْيُ الْحَرْبِ لِلدِّينِ

قَوْلُهُ: (غَالِبًا) وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ أَنْ لَا تَكُونَ مَعْلُومَةً كَالدَّعْوَى بِالْمُتْعَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِقْرَارِ بِمَجْهُولٍ وَالرَّضْخِ فِي الْغَنِيمَةِ. قَوْلُهُ: (يُسَنُّ لِلْقَاضِي اسْتِفْصَالُهُ) أَيْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهَلْ لَهُ رَدُّهُ أَمْ لَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الْخَلِيفِيُّ أَنَّ لَهُ رَدَّهُ أَخْذًا مِنْ التَّعْبِيرِ يُسَنُّ وَإِنْ عَادَ وَفَصَّلَ الدَّعْوَى سُمِعَتْ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (وَقَبَضْته) أَيْ فِي صُورَةِ الْهِبَةِ وَقَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَيْ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا التَّسْلِيمُ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِكَوْنِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْضِهِ مُؤَجَّلًا وَكَوْنِ الْمُقِرِّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ.

قَوْلُهُ: (مُكَلَّفًا) خَبَرٌ ثَانٍ لِيَكُونَ.

قَوْلُهُ: (وَلَا دَعْوَى عَلَيْهِمْ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَإِلَّا سُمِعَتْ الدَّعْوَى عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَمِثْلُهُمَا الْغَائِبُ وَالْمَيِّتُ وَيَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ.

قَوْلُهُ: (وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ) لَا فَائِدَةَ لِاسْتِمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بَعْدَ مُؤَاخَذَتِهِ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَالْأَوْلَى حَذْفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>