إلَى الْأُولَى لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُكَذِّبُهَا. (وَلَا يُحَلِّفُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (إلَّا بَعْدَ سُؤَالٍ) أَيْ طَلَبِ (الْمُدَّعِي) تَحْلِيفَهُ، فَلَوْ حَلَّفَهُ قَبْلَ طَلَبِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فَعَلَى هَذَا يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي حَلِّفْهُ وَإِلَّا فَاقْطَعْ طَلَبَك عَنْهُ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ وَلَوْ حَلَفَ بَعْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي وَقَبْلَ إحْلَافِ الْقَاضِي لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ اهـ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ (وَلَا يُلَقِّنُ خَصْمًا) مِنْهُمَا (حُجَّةً) يَسْتَظْهِرُ بِهَا عَلَى خَصْمِهِ أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِإِضْرَارِهِ بِهِ. (وَلَا يُفْهِمُهُ) أَيْ وَاحِدًا مِنْهُمَا (كَلَامًا) يَعْرِفُ بِهِ كَيْفِيَّةَ الدَّعْوَى وَكَيْفِيَّةَ الْجَوَابِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ لِمَا مَرَّ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْخَصْمِ فِي كَلَامِهِ الشَّاهِدُ فَيَجُوزُ لِلْقَاضِي تَعْرِيفُهُ كَيْفِيَّةَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ. كَمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الْمَكَارِمِ الرُّويَانِيُّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِلشَّرَفِ الْغَزِّيِّ فِي ادِّعَائِهِ الْمَنْعَ مِنْهُ فَلَعَلَّهُ انْتَقَلَ نَظَرُهُ مِنْ مَنْعِ التَّلْقِينِ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُلَقِّنُ الشَّاهِدَ الشَّهَادَةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. (وَلَا يَتَعَنَّتُ بِالشُّهَدَاءِ) أَيْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ كَأَنْ يَقُولَ لَهُمْ: لِمَ شَهِدْتُمْ وَمَا هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَرُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى تَرْكِهِمْ الشَّهَادَةَ فَيَتَضَرَّرُ الْخَصْمُ الْمَشْهُودُ لَهُ بِذَلِكَ. (وَلَا يَقْبَلُ) الْقَاضِي (الشَّهَادَةَ) إذَا لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَةَ الشَّاهِدِ (إلَّا مِمَّنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ) عِنْدَ حَاكِمٍ سَوَاءٌ أَطَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِ أَمْ سَكَتَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِشَهَادَةٍ تَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَهُ. وَالتَّعْدِيلُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْعَدَالَةِ فِي فَصْلٍ بَعْدَ ذَلِكَ. فَإِذَا ثَبَتَتْ عَدَالَةُ الشَّاهِدِ ثُمَّ شَهِدَ فِي وَاقِعَةٍ أُخْرَى قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِ وَلَا يَطْلُبُ تَعْدِيلَهُ ثَانِيًا وَإِنْ طَالَ فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا يَطْلُبُ تَعْدِيلَهُ ثَانِيًا لِأَنَّ طُولَ الزَّمَانِ يُغَيِّرُ الْأَحْوَالَ ثُمَّ يَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ فِي طُولِهِ وَقِصَرِهِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْخَادِمِ إنَّ الْخِلَافَ فِي الطُّولِ فِي غَيْرِ الشُّهُودِ الْمُرَتَّبِينَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَمَّا هُمْ فَلَا يَجِبُ طَلَبُ التَّعْدِيلِ قَطْعًا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ انْتَهَى وَهُوَ حَسَنٌ وَقَالَ فِي الْعِدَّةِ: إذَا اسْتَفَاضَ فِسْقُ الشَّاهِدَيْنِ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ.
(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ) لِحَدِيثِ: «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: وَتُسْمَعُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (إلَّا بَعْدَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ) لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْيَمِينِ لَهُ. فَاحْتِيجَ لِإِذْنِهِ فَإِنْ حَلَّفَهُ قَبْلَ سُؤَالِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَهُ بَعْدَ تَحْلِيفِهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَالشَّاهِدَ مَعَ الْيَمِينِ وَلَوْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي وَأَطْلَقَ أَوْ أَرَادَ لَا حَاضِرَةَ، وَلَا غَائِبَةَ. أَوْ كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا بَاطِلَةٌ أَوْ كَاذِبَةٌ أَوْ زُورٌ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ قُبِلَتْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَعْرِفْ أَوْ نَسِيَ ثُمَّ عَرَفَ أَوْ تَذَكَّرَ. وَلَوْ قَالَ: شُهُودِي فَسَقَةٌ وَعَبِيدٌ، ثُمَّ جَاءَ بِعُدُولٍ. فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ أَوْ عِتْقٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا سم. قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَلَفَ إلَخْ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ اشْتِرَاطُ تَحْلِيفِ الْقَاضِي أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ إحْلَافِ الْقَاضِي) فِي الْمِصْبَاحِ أَحْلَفْتُهُ إحْلَافًا وَحَلَّفْته تَحْلِيفًا اهـ. فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ إحْلَافَ لَمْ يَرِدْ.
قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى كَوْنِهِ لَا يَحْلِفُهُ إلَّا بَعْدَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي قَوْلُهُ: (وَالْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ بِالنُّكُولِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُلَقِّنُ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ قُلْ: كَذَا وَكَذَا وَهَذَا لَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ الْآتِي: وَلَا يُفْهِمُهُ كَلَامًا لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: كَيْفِيَّةُ الدَّعْوَى كَذَا وَكَذَا. وَكَيْفِيَّةُ الْجَوَابِ كَذَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلَقِّنَهُ عِنْدَ الدَّعْوَى فَالْإِفْهَامُ سَابِقٌ عَلَى الدَّعْوَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (يَسْتَظْهِرُ) أَيْ يَغْلِبُ وَيَتَعَالَى بِهَا عَلَى خَصْمِهِ أَوْ يَسْتَعِينُ.
قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِإِضْرَارِهِ بِخَصْمِهِ.
قَوْلُهُ: (كَيْفِيَّةُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: كَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ أَنْ تَأْتِيَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَتَأْتِيَ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَجْرُورًا بِعَلَى وَبِالْمَشْهُودِ لَهُ مَجْرُورًا بِاللَّامِ بِخِلَافِ التَّلْقِينِ. فَإِنَّهُ يَقُولُهُ لَهُ: قُلْ أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانِ عَلَى فُلَانٍ كَذَا شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (لِمَ شَهِدْتُمْ) أَيْ لِأُجْرَةٍ أَوْ حِسْبَةٍ. فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَعَنُّتًا بَلْ التَّعَنُّتُ أَنْ يَقُولَ: فِي أَيِّ زَمَانٍ فِي أَيِّ مَكَان مَثَلًا وَأَنْ يَقُولَ: فِي شَهَادَةِ الْقَتْلِ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ أَوْ سَهْمٍ وَفِي أَيِّ مَكَان وَفِي أَيِّ زَمَانٍ وَقَوْلُهُ: وَمَا وَكَيْفَ تَحَمَّلْتُمْ وَقَوْلُهُ: يُؤَدِّي أَيْ التَّعَنُّتَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدُوٍّ)