للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْغِمْرُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْغِلُّ وَالْحِقْدُ وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التُّهْمَةِ.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْعَدَاوَةِ الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ الظَّاهِرَةُ لِأَنَّ الْبَاطِنَةَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «سَيَأْتِي قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ إخْوَانُ الْعَلَانِيَةِ أَعْدَاءُ السَّرِيرَةِ» بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ لَهُ إذْ لَا تُهْمَةَ وَالْفَضْلُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأَعْدَاءُ، وَعَدُوُّ الشَّخْصِ مَنْ يَحْزَنُ لِفَرَحِهِ، وَيَفْرَحُ لِحُزْنِهِ. وَقَدْ تَكُونُ الْعَدَاوَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَدْ تَكُونُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيَخْتَصُّ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ عَلَى الْآخَرِ. وَلَا يُشْتَرَطُ ظُهُورُهَا بَلْ يَكْفِي مَا دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَنَحْوِهَا. كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ نَاقِلًا لَهُ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ أَمَّا الْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ فَلَا تُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ فَتُقْبَلُ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ.

وَشَهَادَةُ السُّنِّيِّ عَلَى الْمُبْتَدِعِ، وَتُقْبَلُ مِنْ مُبْتَدِعٍ لَا نُكَفِّرُهُ بِبِدْعَتِهِ، كَمُنْكَرِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقِهِ أَفْعَالَ عِبَادِهِ، وَجَوَازِ رُؤْيَتِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى مَيِّتٍ بِحَقٍّ فَيُقِيمَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُمَا عَدُوَّانِ لَهُ، فَلَا يُقْبَلَانِ عَلَيْهِ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ لِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ لِمِلْكِهِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ الْمَيِّتُ شَرْحُ م ر. وَلَا تَتَقَيَّدُ الْعَدَاوَةُ بِزَمَنٍ فَلَوْ بَالَغَ فِي مُخَاصَمَةِ شَخْصٍ عِنْدَ إرَادَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ مَثَلًا فَرَدَّ عَلَيْهِ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ قُبِلَتْ، وَلَا تَتَقَيَّدُ بِشَخْصٍ أَيْضًا فَقَاطِعُ الطَّرِيقِ عَدُوٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ ق ل.

قَوْلُهُ: (عَلَى عَدُوِّهِ) أَمَّا لَهُ فَتُقْبَلُ مَا لَمْ تُفْضِ الْعَدَاوَةُ إلَى الْفِسْقِ فَإِنْ أَدَّتْهُ إلَى أَنْ يَسْرِقَ، أَوْ يَقْذِفَهُ. اقْتَضَتْ مَنْعَ الشَّهَادَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُنِعَتْ شَهَادَةُ كُلٍّ عَلَى الْآخَرِ. وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جَانِبٍ اخْتَصَّ مَنْعُ الشَّهَادَةِ بِالْعَدُوِّ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ مِنْهُ لِلْآخَرِ وَعَلَيْهِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ هَذَا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ فِي الشَّهَادَاتِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَنَّتُ بِالشُّهَدَاءِ.

قَوْلُهُ: (ذِي غِمْرٍ) أَيْ ذِي حِقْدٍ.

قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْغِلُّ) وَبِالْفَتْحِ الْمَالُ الْكَثِيرُ الَّذِي يَغْمُرُك أَيْ يَسْتُرُك وَبِالضَّمِّ الرَّجُلُ الْجَافِي.

قَوْلُهُ: (الظَّاهِرَةُ) وَيَكْتَفِي بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا كَالْمُخَاصَمَةِ، اكْتِفَاءً بِالْمَظِنَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ. وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بِأَنَّ الْعَدَاوَةَ هِيَ الَّتِي تُفْضِي إلَى التَّعَدِّي بِالْأَفْعَالِ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْعَدَاوَةُ الْكَامِنَةُ فِي الْقَلْبِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ) غَرَضُهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّ الْعَدَاوَةَ الْبَاطِنَةَ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ حَيْثُ كَانُوا إخْوَانَ الْعَلَانِيَةِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ عَلَى الْعَدَاوَةِ الْبَاطِنَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ عَشْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (إخْوَانَ الْعَلَانِيَةِ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي وَكَذَا مَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (وَالْفَضْلُ) هَذَا عَجُزُ بَيْتٍ وَأَوَّلُهُ.

وَمَلِيحَةٌ شَهِدَتْ لَهَا ضَرَّاتُهَا

قَوْلُهُ: (وَقَدْ تَكُونُ إلَخْ) وَقَدْ تُفْضِي الْعَدَاوَةُ إلَى الْفِسْقِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى قَاذِفِهِ، وَلَوْ قُبِلَ طَلَبُ الْحَدِّ لِظُهُورِ الْعَدَاوَةِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَقَذَفَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، لَمْ يُؤَثِّرْ فَيَحْكُمُ بِهَا الْحَاكِمُ وَلَوْ عَادَى مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ وَبَالَغَ فِي خِصَامِهِ وَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. لِئَلَّا يَتَّخِذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى رَدِّهَا سم.

وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ شَخْصًا عَلِمَ أَنَّ شَخْصًا يَشْهَدُ عَلَيْهِ فَعَادَاهُ وَخَاصَمَهُ، وَالْحَالُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَتَأَثَّرْ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةٍ لِلْمُخَاصِمِ لَهُ. ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ ظُهُورُهَا) هَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ: الظَّاهِرَةُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَذَا غَيْرَ ذَلِكَ بِأَنْ يُرَادَ ظُهُورُ آثَارِهَا كَفَرَحِهِ بِحُزْنِهِ وَعَكْسِهِ. فَالْمُرَادُ بِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ الظُّهُورُ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ أَمَارَاتِهَا كَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا ظُهُورُهَا فِي نَفْسِهَا لِأَنَّهَا خَفِيَّةٌ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ.

قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ مِنْ مُبْتَدِعٍ) فِيهِ أَنَّهُ فَاسِقٌ بِبِدْعَتِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: شُبْهَتُهُ فِيهَا وَهُوَ تَأْوِيلُهُ تَمْنَعُ فِسْقَهُ.

وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِلْعَدَالَةِ: خَمْسُ شَرَائِطَ وَالْمُرَادُ بِهَا أَيْ بِالْكَبَائِرِ غَيْرِ الْكَبَائِرِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْبِدَعُ، فَإِنَّ الرَّاجِحَ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِهَا مَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَتُقْبَلُ مِنْ مُبْتَدِعٍ أَيْ إنْ لَمْ يَدْعُ النَّاسَ لِبِدْعَتِهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ. وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ: (صِفَاتِ اللَّهِ) أَيْ الْمَعَانِي لِأَنَّ نَافِيَ الْمَعْنَوِيَّةِ يُكَفَّرُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِإِنْكَارِ الْمَعَانِي إنْكَارُ زِيَادَتِهَا عَلَى الذَّاتِ كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُ قَادِرٌ بِذَاتِهَا لَا بِصِفَةٍ زَائِدَةٍ. كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ: وَكَيْفَ يُكَفَّرُ مُنْكِرُ الْمَعْنَوِيَّةِ، مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْأَحْوَالِ، وَالْحَقُّ: أَنْ لَا حَالَ كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِهَا ثُبُوتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>