يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مُصِيبُونَ فِي ذَلِكَ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ مَنْ نُكَفِّرُهُ بِبِدْعَتِهِ كَمُنْكَرِي حُدُوثِ الْعَالَمِ وَالْبَعْثِ وَالْحَشْرِ لِلْأَجْسَامِ وَعِلْمِ اللَّهِ بِالْمَعْدُومِ، وَبِالْجُزْئِيَّاتِ لِإِنْكَارِهِمْ مَا عُلِمَ مَجِيءُ الرَّسُولِ بِهِ ضَرُورَةً فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا شَهَادَةُ مَنْ يَدْعُو النَّاسَ إلَى بِدْعَتِهِ كَمَا لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ بَلْ أَوْلَى وَلَا شَهَادَةَ خَطَّابِيٍّ لِمِثْلِهِ. إنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مَا يَنْفِي احْتِمَالَ اعْتِمَادِهِ عَلَى قَوْلِ الْمَشْهُودِ لَهُ، لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ، فَإِنَّ فِيهَا ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: رَأَيْت أَوْ سَمِعْت أَوْ شَهِدَ لِمُخَالِفِهِ قُبِلَتْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ.
(وَلَا) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ وَالِدٍ) وَإِنْ عَلَا (لِوَلَدِهِ) وَإِنْ سَفَلَ (وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (وَلَدٍ) وَإِنْ سَفَلَ (لِوَالِدِهِ) وَإِنْ عَلَا لِلتُّهْمَةِ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّخْصِ لِبَعْضِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ قَبُولَ شَهَادَةِ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ وَعَكْسُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ عَدَاوَةٌ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَإِذَا شَهِدَ بِحَقٍّ لِفَرْعٍ أَوْ أَصْلٍ لَهُ وَأَجْنَبِيٍّ كَأَنْ شَهِدَ بِرَقِيقٍ لَهُمَا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ يَطْرَأُ وَيَزُولُ نَعَمْ لَوْ شَهِدَ لِزَوْجَتِهِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَضْدَادِهَا وَهُوَ كُفْرٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْحَالِ نَفْيُ الصِّفَاتِ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الْمَنْفِيَّةَ الْأَكْوَانِ أَيْ كَوْنَهُ قَادِرًا وَكَوْنَهُ مُرِيدًا إلَى آخِرِهَا، وَأَمَّا الصِّفَاتُ: وَهُوَ قَادِرٌ، مُرِيدٌ، سَمِيعٌ، إلَى آخِرِهَا فَلَمْ يُنْكِرْهَا نَافِي الْأَحْوَالِ قَوْلُهُ: (وَجَوَازُ رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .
فَإِنْ قُلْت: قَوْله تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: ٢٢] {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٣] يَدُلُّ عَلَى رُؤْيَتِهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُنْكِرُهَا غَيْرَ كَافِرٍ. فَأَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْكُبْرَى عَنْ الزَّمَخْشَرِيِّ: بِأَنَّ إلَى مُفْرَدُ آلَاءٍ وَهِيَ النِّعَمُ فَإِلَى رَبِّهَا بِمَعْنَى نِعْمَةِ رَبِّهَا وَهِيَ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ: نَاظِرَةٌ أَيْ نَاظِرَةٌ نِعْمَةَ رَبِّهَا. قَوْلُهُ: (وَالْبَعْثِ) أَيْ الْإِحْيَاءِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [ق: ٤١] قِيلَ يُنَادِي إسْرَافِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ خُرُوجِ الْأَرْوَاحِ مِنْ الصُّورِ فَيَقُولُ: يَا أَيَّتُهَا الْعِظَامُ النَّخِرَةُ وَالْجُلُودُ الْمُتَمَزِّقَةُ وَالشُّعُورُ الْمُتَقَطِّعَةُ، إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَجْتَمِعُوا لِفَصْلِ الْخِطَابِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُ فِيهِ: «أَيُّهَا الْأَعْضَاءُ الْمُتَهَشِّمَةُ، وَالْعِظَامُ الْبَالِيَةُ، وَالْأَجْسَامُ الْمُتَفَرِّقَةُ، وَالْجُلُودُ الْمُتَمَزِّقَةُ، وَالْأَوْصَالُ الْمُتَقَطِّعَةُ، وَالشُّعُورُ الْمُتَطَايِرَةُ قُومُوا إلَى الْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَخْرُجُ أَرْوَاحُهُمْ حِينَئِذٍ مِنْ ثُقْبِ الصُّورِ. وَلَهَا دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ وَرَبُّ الْعِزَّةِ يَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لِأُعِيدَنكُمْ كَمَا خَلَقْتُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَلَا تُخْطِئُ رُوحٌ صَاحِبَهَا فَيُعِيدُهُمْ كَمَا بَدَأَهُمْ» قَالَ تَعَالَى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: ١٠٤] وَالصُّورُ فِيهِ ثُقْبٌ عَلَى عَدَدِ الْخَلَائِقِ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ فِي الْمُدَّثِّرِ النَّاقُورَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر: ٨] {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} [المدثر: ٩] {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: ١٠] . وَهُوَ عَلَى وَزْنِ فَاعُولٍ مِنْ النَّقْرِ بِمَعْنَى التَّصْوِيتِ. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ عَلَى الْعَشْمَاوِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا شَهَادَةُ مَنْ يَدْعُو النَّاسَ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْقَبُولُ مِنْ الدَّاعِيَةِ فَإِذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ خِلَافًا لِلشَّارِحِ وَلِمَنْ تَبِعَهُ ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَا شَهَادَةُ خَطَّابِيٍّ لِمِثْلِهِ) وَالْخَطَّابِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنْ الرَّوَافِضِ مَنْسُوبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبٍ الْأَجْدَعِ. يَتَدَيَّنُونَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ فِي الْعَقِيدَةِ إذَا حَلَفَ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ اهـ. مِصْبَاحٌ وَعِبَارَةُ أج قَوْلُهُ خَطَّابِيٍّ: أَيْ أَصْحَابِ أَبِي الْخَطَّابِ الْكُوفِيِّ كَانَ يَقُولُ بِأُلُوهِيَّةِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ ثُمَّ ادَّعَاهَا بَعْدَ مَوْتِهِ اهـ. وَلَعَلَّ أَصْحَابَهُ لَا يَقُولُونَ: بِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا كَانُوا كُفَّارًا.
قَوْلُهُ: (أَوْ شَهِدَ لِمُخَالِفِهِ) أَيْ لِغَيْرِ خَطَّابِيٍّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَالِدٍ لِوَلَدِهِ) يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ ادَّعَى الْقَاضِي أَوْ الْإِمَامُ بِمَالٍ لِبَيْتِ الْمَالِ فَشَهِدَ لَهُ بِهِ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ فَتُقْبَلُ لِعُمُومِ الْمُدَّعَى بِهِ.
قَوْلُهُ: (لِبَعْضِهِ) وَلَوْ عَلَى بَعْضٍ آخَرَ بِأَنْ شَهِدَ لِابْنِهِ عَلَى أَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ عَلَى أَبِيهِ.
قَوْلُهُ: (عَقْدٌ) أَيْ عَقْدُ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَزُولُ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ شَهِدَ لِزَوْجَتِهِ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا وَلَوْ شَهِدَ لِعَبْدِهِ بِأَنَّ فُلَانًا قَذَفَهُ أَنَّ شَهَادَتَهُ هُنَا مُحَصِّلُهَا نِسْبَةُ الْقَاذِفِ